سمكة من القاع
طلال حسن
السمكة الصغيرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
درتُ طويلاً بين شعاب القاع ، أتسقط أخبار
السلحفاة ، لقد تأخرت هذه المرة ، الحق معها ، لو كنت مكانها لبقيت بعيداً عن هذا
القاع ، فلا شمس هنا ، ولا ريح ، ولا أشجار ، ولا طيور ، ولا .. آه .. إنني أتنازل
عن نصف عمري لقاء نظرة واحدة على ما تراه
السلحفاة ، كلّ يوم ، فوق الشاطىء ، واندفعتُ أدور ثانية بين الشعاب ، لعلي أرى
السلحفاة ، أو أقع على خبر لها .
السلحفاة
ـــــــــــــــــــ
بأسرع ما أستطيع ، عبرتُ الشاطىء ، وغصت في
الماء ، لقد تأخرت بعض الشيء هذه المرة ، لا بأس ، فالسمكة الصغيرة ستتفهمني ، بل
وستفرح لي ، إذا عرفت بأنني وضعت بيضي .
ومضيتُ أشق
الماء سريعاً نحو الأعماق ، والظلام يتكاثف
من حولي شيئاً فشيئاً ، لابد أن السمكة الصغيرة تبحث عني الآن ، لقد استبدت بها
مؤخراً فكرة ثابتة لا تتغير ، ليتني أستطيع أن أخلصها منها ، وإلا دفعت الثمن
غالياً ، وقد يجعلني هذا أشعر بالذنب .
اللقاء
ــــــــــــــــ
لم تكد
السلحفاة تصل إلى القاع ، حتى أقبلت السمكة الصغيرة عليها هاتفة : ها أنت هنا
أخيراً .
وقالت
السلحفاة معتذرة : لقد تأخرت عليك هذه المرة .
وتطلعت
السمكة الصغيرة إليها ، وقالت : لا أدري لماذا شعرت ، أنني لن أراك ثانية .
ولاذت
السلحفاة بالصمت ، وقد ترقرق الحزن في عينيها
فتابعت السمكة الصغيرة قائلة : أرجوك ، خذيني معك إلى الشاطىء .
وأرادت
السلحفاة أن تحدّ من اندفاعها ، فقالت بصوت هادىء : عزيزتي ..
لكن السمكة
الصغيرة استطردت مندفعة : أريد أن أرى الشمس .. والأشجار .. والطيور .. و ..
وقاطعتها
السلحفاة : عزيزتي ، حياتك هنا ، بين شعاب القاع هذه ، وستموتين إذا اقتربت من
الشاطىء .
وطأطأت
السمكة الصغيرة رأسها ، وقالت متمتمة : الموت أن أبقى هنا ، حيث لا أرى غير الظلام
.
السلحفاة
ـــــــــــــــــــ
منذ ساعات ، وأنا أبحث عبثاً عن السمكة
الصغيرة ، بين شعاب القاع ، لابد أنها زعلانة مني ، لتزعل بعض الوقت ، لن أخدعها ،
إنها سمكة أعماق ، وستموت فعلاً إذا .. آه .. أخشى أن تكون قد مضت نحو السطح ،
لترى الشمس .. والأشجار .. و .. يا إلهي ، لعل الخطأ خطئي ، واندفعت أشق الماء نحو
السطح ، لعلي ألحق بها ، قبل فوات الأوان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق