لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الخميس، 15 فبراير 2018

" أدب الأطفال والتنمية البشرية " دراسة من إعداد:يعقوب الشارونى



" أدب الأطفال والتنمية البشرية "
دراسة من إعداد:يعقوب الشارونى

جاء تعريف التنمية البشرية ، فى تقرير التنمية البشرية 2016 ، وهو أحدث تقرير من سلسلة تقارير تصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى منذ عام 1990 ، بأنها " أسلوب تنموى محوره الإنسان ، حَوَّل الاهتمام بالتنمية من الثراء المادى إلى الرفاهية البشرية ، ومن زيادة الدخل إلى توسيع الإمكانات، ومن تحقيق النمو إلى توسيع الحريات " .
فالتنمية البشرية فى ضوء هذا التوجه ، تعنى توسيع خيارات الإنسان ، حيث يصبح النمو الاقتصادى وسيلة مهمة لتحقيق التنمية البشرية  لكنه ليس الغاية ، وإنما الغاية هى تنمية الإنسان عَبْرَ الارتقاء بإمكاناته ، وتحسين حياته ، وهى تنمية يصنعها البشر إذ يشاركون بفعالية فى كل ما يكوّن حياتهم ، فيرتفع متوسط العمر المتوقع عند الميلاد ، وتتزايد القدرة على عيش حياة طويلة وصحية ، مع زيادة العدد المتوقع لسنوات الدراسة ، وزيادة القدرة على اكتساب المعرفة ، وتزايد نصيب الفرد من الدخل القومى الإجمالى ، مع القدرة على تحقيق مستوى معيشى لائق .
- ولقياس مدى التقدم فى مجال التنمية البشرية ، يتضمن تقرير التنمية البشرية 2016 ، أدلة تقيس : عدم المساواة بين البشر ، كما تقيس الفوارق بين المرأة والرجل، وتقيس أبعاد الفقر التى لا صلة لها بالدخل . كما يشدد التقرير على أن احترام حقوق الإنسان هو حجر الأساس فى التنمية البشرية ، مع العدالة فى توزيع ثمار التنمية ، سواء للجيل الواحد أم عبر الأجيال .
* وينطلق التقرير من بيان التحديات أمام العالم ، إلى الآمال التى تدعو سكانه للتطلع إلى مستقبل أفضل .
ومن هذه التحديات : عدم المساواة ، والتطرف والعنف ، والمهمشون والمعرضون للمخاطر ، والحرمان ، والتمييز ، والإقصاء ، والأعراف والقيم الاجتماعية، والتحيّز والتعصب ، وحرمان النساء من فرص التقدم والتمكين ، وتهميش المصابين بشكل من أشكال الإعاقة ، وانعدام الأمن الغذائى ، وعدم قبول الآخر ، والخلل فى المشاركة السياسية ، وعدم المساواة فى توزيع الفرص ، وهو ما يتطلب تغليب ثقافة السلام، وقبول الآخر ، وتوطيد الالتزام الأخلاقى بالعدالة ، ونشر قيم التعاون والتسامح ، وتحقيق تماسك اجتماعى متين مبنى على مصلحة الوطن والدفاع عن قيمه وهويته ، وترسيخ روح المواطنة ، وذلك عن طريق تعميق روح الانتماء والافتخار بالهوية الوطنية .  
ومصر مــن الــدول التى تشهد نموًّا سكانيًّا سريعًا ، وبالتالى تشهد نمـوًا فى أعــداد
شبابها فى سن العمل . وخطورة هذه الظاهرة ، فى أنه لم يتم وضع الخطط والأساليب لتحويل وتمكين نمو الشباب ليصبح هِبِة دافعة للتنمية فى مصر ، وحتى لا تتحول هذه الهبة إلى نقمة على المجتمع .
وهنا نؤكد على أهمية تفعيل المادة ( 82 ) من الدستور ، التى تنص على : "تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء ، وتعمل على اكتشاف مواهبهم ، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية ، وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى ، وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة " .
فالمجتمع الواعى لمستقبله ، هو الذى يحرص ، ليس فقط على اكتشاف الموهوبين المبدعين من أبنائه ، بل أيضًا على إيجاد عدد من الناس ذوى القدرات العالية فىكافة فروع النشاط الإنسانى ، وإفساح المجال أمامهم لإبراز مواهبهم وتنميتها ، عن طريق توظيف كل الإمكانيات الممكنة لصالحهم ، فيحقق الخير للفرد والمصلحة للمجتمع .
أن الكثيرين من الناس لا يعرفون إمكاناتهم وقدراتهم ومواهبهم الحقيقية ، كما أن الآخرين لا يقدرونهم حق تقدير . وهذا معناه أنه لا يكفى فى دراسة الإبداع والموهبة الإبداعية الاعتراف والتسليم بوجودها بعد أن تكون قد تحققت بالفعل وتجسدت فى عمل إبداعى محسوس ملموس ، وإنما ينبغى أن نعمل منذ البداية على الكشف عن المواهب والقدرات الإبداعية فى الأفراد منذ الصغر ، ثم نعمل بعد ذلك على تنمية هذه المواهب والقدرات ، وإتاحة الفرصة لها للتعبير عن نفسها .
                إن على المجتمع أن يدرك  أن الأشخاص المبدعين إنما يعملون ، بفضل أنماط تفكيرهم غير المألوفة ، على الإسهام فى تقدم الجنس البشرى .
حق الطفل فى بيئة منزلية تشجع على الإبداع :
                وتؤكد الدراسات على الأطفال المصريين ، أن هناك ارتباطًا بين انخفاض مستوى الإبداع ، وبين البيئة المنزلية التى تتسم بالتسلط والصلابة وضيق حرية الحركة المسموح بها للأطفال ، وبممارسة أنواع من الضبط والنقد والعدوان والإحباط نحو الأطفال .
                بينما ارتبط ارتفاع مستوى الإبداع بتوفر جو من التشجيع والأمان ومديح النجاح ، مما يُكسِب الأطفال نوعًا من الثقة والتفاؤل والرضا ، ونسبة مرتفعة من توقع النجاح ، واختيار مستوى أعلى من المخاطرة ، وذلك على عكس ما يحدث بالنسبة إلى من تعرضوا للنقد عند الفشل .
                إن ارتفاع مستوى الطموح ، أو قوة جاذبية المستويات الأصعب من الأداء ، تحددهما قوة احتمال النجاح المتوقع . ومن الواضح أن جو الأمان والتشجيع على النجاح يساهم فى رفع نسبة توقع النجاح والإقبال على المخاطرة .
- الشعور بالأمان لتدعيم عادات التجديد والاستقلال :
                        ولابد أن يسود إطار من " التَّقَبُّل " للأبناء ، وشعورهم بالأمان من العقاب عند محاولاتهم التجديد أو الاستقلال ، لكى تنمو عادات التفكير والسلوك الإبداعى لديهم .
                إن الأبناء فى حاجة إلى إحاطتهم باهتمام الآباء ، وبالتشجيع ، وعدم التسلط ، والابتعاد عن الضبط العدوانى ، أو الضغط للخضوع لضغوط التبعية لمعايير الوالدين ، مع إتاحة الفرصة للشعور بالاستقلال واحترام الذات وحرية التعبير .
                وتؤدى المكافأة الصادرة عن الشعور بالتقبل والحب من الوالدين ، وإتاحة الفرصة للأبناء لممارسة قدر ملائم من الاستقلال والتفكير الحر بغير إكراه ، إلى ثقة الأبناء فى أنفسهم وشعورهم بالأمان ، مما يدعم عادات التجديد والابتكار .
                مع ملاحظة أن قدرًا من " الضبط " أو " الجرعات الخفيفة من خبرة الفشل                 أو الإحباط " ، يؤدى ، فى حالة قوة الدافع إلى النجاح واستمراره ، ووجود معيار                أو هدف واضح للأداء ، إلى رفع مستوى الطاقة واكتساب مزيد من الثقة بالنفس عند أداء أعقد أنواع الأعمال .
* القدرة على تحمل الضغوط الناتجة عن مواقف معاكسة للإبداع:
                        كذلك يكتسب الأبناء من معاملة الآباء التى تتسم بالتقبل وعدم الإكراه ، نوعًا من الشجاعة على عدم الاتبَّاعيَّة ، كما يكتسبون نوعًا من الثقة فى أنفسهم وشعورًا بالأمان عند ممارسة أنواع من السلوك الجديد دون خوف من الإقدام على المخاطرة .
                وعلى هذا الأساس فإن المناخ الذى يسوده التقبل من الأسرة ، يدعم ظهور واستمرار القدرات الإبداعية لدى الأبناء ، مما يمكنهم من تحمل الضغوط الناجمة عن وجود مواقف معاكسة تستثير فيهم أنواعًا من الجهد والشد والتوتر إلى أن يتم حل المشكلة بطريقة ملائمة .
إن هذا التقبل لفردية المبدع ، يمثل سندًا نفسيًّا للشخص المبدع ، وهذا هو الذى يكمن وراء استمرار المبدعين من العلماء والفلاسفة وأصحاب الدعوات الإصلاحية والرسالات الكبرى فى أداء رسالاتهم ، رغم وجود أنواع من المناخ العام المعارض لهم .
حق الطفل فى بيئة مدرسية تشجع على الإبداع :
                كذلك يبدو الاهتمام بالموهوبين فىالمدارس أقل كثيرًا مما يجب ، فلا يوجد معلمون متخصصون للعمل مع الموهوبين ، لذلك فإن الموهوبين غالبًا ما يشقون طريقهم فى الحياة بأنفسهم . ولا ندرى كم عدد العلماء والباحثين الذين خسرهم المجتمع بسبب عدم توفير البرامج التربوية المناسبة لهم .
                إن حجرة الدراسة التى تستثير أعلى مستوى من التعبير الخلاّق عند التلاميذ ، هى التى تزودهم بشتى المقترحات والفرص التى يختارون من بينها ما يناسبهم . فالأنشطة التىىتؤدى بطفل ما إلى التعبير عن تفكيره الشخصى الإبداعى ، ليست هى ذاتها دائمًا التى تكون دافعًا لغيره فى نفس الاتجاه .
* المدرس المبدع وإبداع التلاميذ :
                 وهناك مشكلة أساسية تقابلنا ونحن نتحدث عن حق الطفل فى بيئة مدرسية تشجع على الإبداع ، تتلخص فى حقيقة إنه " كيف يمكن لمدرس غير مبدع ، أن يكتشف أو يشجع طفلاً مبدعًا ؟‍! "
                        من هنا كان لزامًا أن نضع فى اعتبارنا أنه يجب الانطلاق بمشروعات إعداد مدرس أو معلم الغد نحو آفاق أوسع وأسمى من المستويات الراهنة للتعلُّم ، وأن ندربه على الأساليب والوسائل المختلفة للوصول إلى قمة مستويات التعلُّم فى مختلف الجوانب ، ومن أهمها تنمية ما لديه من قدرات إبداعية ، وتنمية قدرته على التفاعل الإبداعى مع تلاميذه ، وصولاً إلى إطلاق ملكات الإبداع الكامنة فيهم ، كى نستطيع تخريج المعلم المفكر المبدع ، بدلاً من مجرد تخريج آلة تسجيل  .
                وهنا يجب أن نحدد الهدف التربوى بوضوح . ونستطيع أن نوجز هذا الهدف فى مساعدة أطفال المدارس على الانطلاق ، والمرور بالخبرات التعليمية بتلقائية                              وحرية ، بحيث نفتح المجال للعمل والنشاط والخيال ، وبحيث يستطيع الطفل أن ينتقل من مرحلة إلى أخرى عن طريق إعادة بناء خبراته باستمرار ، وحيث يصبح الإبداع عنصرًا أساسيًا فى إعادة بناء الخبرة ، طالما أصبح للتلاميذ حرية العمل وحرية التساؤل ، بما يساعد الطفل على اكتساب الثقة فى ذاته ، وإعطائه استقلالية فى التفكير وفى الأداء وحرية التصرف بدون مخاوف  .
حق الطفل فى إعلام يعبر عن مجتمع يشجع على الإبداع :
وعلى الإعلام أن يقدم المبدعين كقدوة ، وفـى هذا يقول الدكتور نبيــل على فى كتابــه " الثقافة العربية وعصر المعلومات " : يلعب الإعلام الجماهيرى دورًا رئيسيًّا فى دعم الإبداع الفنى ، ويشمل ذلك على سبيل المثال ، إلقاء الأضواء على المبدعين ، من أجل تشجيعهم على مداومة الجهد الإبداعى ، وعلى المشاركة فى عملية التنمية الإجتماعية عن طريق نقد الواقع ، وتقديم الأفكار الإبداعية الجديدة لتغييره أو تطويره . مع إبراز دور الإبداع فى صناعة الثقافة وأهمية هذه الصناعة فى عملية التنمية .
                ذلك أن إلقاء الأضواء على الإبداع والمبدعين ، ينمى الدافعية عند أصحاب القدرات الإبداعية ، لأن تقديم القدوة من خلال المبدعين يمثل إحدى القوى التى تدفع السلوك نحو الحركة وتُقَوِّيه وتُنَشِّطه وتبعث الطاقة اللازمة فيه .
                        كما أن إلقاء الأضواء على المبدعين ينبه المجتمع إلى الدور الرئيسى الذى يقوم به المبدع فى تطوير وتنمية وتقدم المجتمع ، وهذا يساعد كثيرًا فى إزالة مختلف العقبات والسلوكيات الخاطئة التى تواجه المبدع ، سواء من المحيطين به أو من المجتمع ،  كما يساعد الجهود التى تبذل لاكتشاف الموهوبين ورعايتهم .
                إن اهتمام المجتمع بما يقدمه المبدعون ، وتقديره لنتائج إبداعهم ، وإلقائه الأضواء على هذا الإنتاج ، وبذل الجهود للاستفادة منه ، هى من أهم العوامل التى تشجع الإبداع والمبدعين على تقديم أفضل ما لديهم فى ضوء  تنميتهم البشرية ، وهو ما يساعد على تنبيه المجتمع ككل إلى دوره فى اكتشاف ورعاية المبدعين ، وإلى الدور الهام الذى يقوم به المبدعون فى تقدم وتنمية المجتمع .
** احترام حقوق الإنسان هو حجر الأساس فى التنمية البشرية :
                وكما سبق أن ذكرنا ، فإن تقرير التنمية البشرية سنة 2016 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى ، قد شدد على أن احترام حقوق الإنسان هو حجر الزاوية فى التنمية البشرية ، لذلك فإن التوعية بهذه الحقوق ضرورى حتى تصبح هذه الحقوق ضمن السياق القومى لمواطنى كل دولة .
                ولا شك أن الأدب ، من قصص وروايات ومسرحيات وشعر ، من أهم الوسائل التى يمكن أن تعمل على نشر الوعى بحقوق الإنسان وتنميته ، وتقوم بتعميق الإيمان بضرورة تفعيل كل حق من هذه الحقوق على أرض الواقع لتحقيق التنمية البشرية على أكمل وجه .
                إن الظواهر والاتجاهات الاجتماعية لا تتغيّر فجأة ، حتى إذا كانت هناك تشريعات وقوانين تتبنــّـى هذا التغيير ، لأن التوجّهات الاجتماعية عادة ما تكون مُتأصّلة بعمق فى المُعتقدات الثقافية ، ومُتأثــّـرة بالعوامل التاريخية ومراحل التنمية ، لذلك فإن سلامة تطبيق اتفاقية حقوق الطفل يقتضى تَـشَـرُّب واعتناق الفلسفة الأساسية للاتفاقية وبث مبادئها ، وفهمها الفهم السليم ، والإحاطـة بجوهر ومضمون مجموعات الحقوق المُختلفة للطفل، بما يضمن لهذه الحقوق تفعيلها عمليًّا فى واقع الحياة والمجتمع ، تحقيقًا لأفضل تنمية بشرية ..
                مثلاً ، أشار تقرير لمُنظّمة اليونسيف فى مصر ، إلى أنه على الرغم من أن مبدأ المُشاركة والحقوق والحريات المُرتبطة بها مكفولة لكل المواطنين ، فإن مفهوم وفكرة           " مُشاركة الطفل " لم تكن معروفة فى مصر حتى عهد قريب . وتكمن المُشكلة فى المُعتقدات الموروثة التى ترسّخ أنماط التنشئة التسلّطية والتلقين فى نُظم التعليم ، والنمطية فى البرامج التى تُعد للشباب .
                فمهما صدر من قوانين للعمل على تفعيل حقوق الإنسان وحقوق الطفل ، فإن تطبيق هذه القوانين لا يتم فى فراغ ، لكنّها تتفاعل مع الواقع الاجتماعى ، ومع السياسات الاجتماعية والاقتصادية .
                * ولتعديل ما هو غير مُلائم من اتجاهات ومُعتقدات ، وللعمل على احترام القانون وتقبّله وتطبيقه ، وبالتالى تحقيق تنمية بشرية حقيقية ، يبرز الدور الأساسى للوسائل الثقافية ، ومن أهمّها الأدب ، سواء الموجّه إلى البالغين أو إلى الأطفال .
** ونرصد فيما يلى بعضًا من أهم الأعمال الأدبية الموجّهة للأطفال والشباب الصغير ، والتى ساهمت ، وتُساهم ، فى ترسيخ الوعى بحقوق الإنسان والأطفال فى مصر والعالم العربى ، وتساهم بالتالى فى التنمية البشرية .
** حق التعبير عن النفس ورفض التسلّط :
            تقرر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن " تكفل الدول الأطراف فى هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة ، حق التعبير عن تلك الآراء بحرية فى جميع المسائل التى تمس الطفل ، وتُولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقــًـا لسن الطفل ونضجه " .
وفى رواية " كنز جزيرة عروس البحر " ، التى تمت ترجمتها إلى الإيطالية ، نتعايش مع مُراهِقــَـيْن ، يواجهان تسلّط الأم وقلقها الدائم عليهما ، ونعيش مُحاولتهما للتخلّص من ضغوط تلك الحماية الزائدة التى تعطل كثيرًا من مبادراتهما وقدراتهما .
               إنهما يحلمان ببيت تقول عنه البطلة الصغيرة إن " ارتفاع المدخل والأبواب والسقف لا يسمح لمن هم أطول منّا بالدخول .. إنها تُناسب فقط الشباب الصغير من أمثالنا ، ولا مكان فيه للكبار الذين لا يسمحون للصغار بالخروج أو الدخول إلا بإذن ، وبعد الرجاء والتضرّعات ، أو الغضب والبكاء ! .. "
ثم نكتشف ، فى خاتمة القصة أن قُدرة الأطفال على الإبداع ، هى طريقهم للتخلّص من ضغوط تسلّط الكبار وقلقهم عليهم .
               لقد أشارت البطلة على والدها ، الذى كان يبحث بغير جدوى فى قاع النيل عن سفينة تاريخيّة غرقت ، مُتسائلة : " لماذا لا نــُـفكّر فى أكثر من اتجاه ؟ " فيقول والدها فى حيرة : " لا أفهمك ! "  فتــُـجيب فى ثبات : " بدلاً من البحث تحت الماء ، لماذا لا نبحث تحت أرض الجزيرة " .
               وفى الصفحة الأخيرة من القصة ، نعرف أنه : بعد أيام صدرت الصُحف كُـلّها وقد نشرت صورتى بجوار صورة والدى ... العناوين الرئيسية تقول بالخطوط الحمراء العريضة : " العقل المُبدع لفتاة صغيرة يكشف أسرار الماضى " .
               وتتساءل البطلة : " هل كان يُمكن لوالدتى ، بعد كل هذا ، أن تتمسّك بممنوعاتها ؟! "
* وفى رواية " مُغامرة زهرة مع الشجرة " ، يواجه أطفال مدرسة ابتدائية ، بتضامنهم ، واقع الكبار الذى لا يُبالى بالخــُـضرة ولا بالجمال ولا بمصلحة الأطفال ، ويُفرّط فى الأشجار كأنــّـها لا قيمة لها .
               لقد وقف الأطفال ، تتزعّمهم فتاة منهم ، حول شجرة يحمونها بأجسادهم من القـَـطْـع لأنهم كانوا يلعبون فى ظلّها ، مما اضطر الكبار إلى الاستماع إليهم ، والموافقة على احتجاجاتهم ، والتوقــّـف عن " ذبح " الشجرة .
إنها رواية تجمع ما بين تأكيد حق الأطفال فى التعبير عـن مصالحهم ، وقُدرتهم على تغيير قرارات الكبار الخاطئة ، كما تُبرز قــُـدرة الفتاة على القيادة والتوجيه . وفى نفس الوقت ، يدور موضوع القصة حول المُحافظة على البيئة مُتمثـّـلة فى الحرص على سلامة شجرة ارتبط بها الأطفال .
 ** حق الطفل فى بيئة نظيفة :
كما تنص الاتفاقية على أن : " يكون تعليم الطفل موجّهًا نحو تنمية احترام البيئة الطبيعيّة ".
-   وفى رواية عنوانها " الرحلة العجيبة لعروس النيل " ، نعيش مع مُغامرة لإحدى عرائس النيل ، تصطحب خلالها عددًا من الأطفال إلى رحلة تحت الماء ، ليكتشفوا بأنفسهم ما تسبّبه تصرفات الإنسان من تلوّث وتدمير للبيئة .
وفى نهاية الرواية يرتفع صوت أحد الأطفال وهو يقول فى تصميم : " سنذهب إلى كل الناس ، ونسألهم : ماذا يجب أن نفعل لكى نــُـحافظ على صحّة نهرنا العظيم ، بعد أن تسبّبنا فى إصابته     بالمرض ؟! " وتساءل معه كل الأصدقاء فى صوت واحد : "نعم ... ماذا يجب أن نفعل ؟! "
** حق الطفل فى التعليم :
               كذلك تنص الاتفاقية الدولية على أن " تعترف الدول الأطراف بحق الطفل فى التعليم " كما تنص على أن : " توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجّهًا نحو : تنمية شخصية الطفل ومواهبه وقــُـدراته العقلية والبدنية إلى أقصى امكاناتها ".
-   وفى قصة " شجـرة تنمو فى قارب " ، نـواجه طفلاً يعيش مع أسرته فى القاهرة ، على سطح قارب صيد على شاطئ النيل ، لا يعرف القراءة ولا الكتابة . ومن خلال مُتابعة هذا الطفل لعالم الطبقة الوسطى من المهنيين ، يتطلّع إلى محو أميّته وهو يشتغل عاملاً فى صيدلية ، وذلك بمُساعدة أحد المُـثـقّفين الذين يعرفـون أهمية دورهم فى القضاء على الأمية ، تحقيقًا للتنمية البشرية . وفى نهاية القصة نرى هذا الطفل : " جالسًا فى الصيدلية وقد أعطى ظهره للتليفزيون ، وانهمك فى قراءة كتاب " .
* وفى قصة " مُفاجأة الحفل الأخير " نتعايش مـع فتــاة تعيش فى قرية ريفية صغيرة ، وبالرغم من عدم اهتمام البيئة المُحيطة بها بتعليم الفتاة ، فإنها تتمسّك بقوّة بحقّها فى التعليم ، وتتغلّب على عقبة بعد أخرى إلى أن أصبحت طبيبة ، واختارت أن تعود لتعمل فى قريتها ، بل أصبحت رئيسًا لمجلس تلك القرية . إنها قصة تدور حول حق البنت فى أن تتعلّم ، كما تؤكّد قُدرة الفتاة على النجاح سواء فى التعليم أو القيادة المُجتمعية . 
** حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادى ، وقضية عمالة الأطفال :
وتقرر الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على أن " تعترف الدول الأطراف بحق الطفل فى حمايته من الاستغلال الاقتصادى ، ومن أداء أى عمل يرجّح أن يكون خطيرًا ، أو أن يُمثّل إعاقة لتعليم الطفل ، أو أن يكون ضارًّا بصحة الطفل أو بنموّه البدنى ، أو العقلى " .
        - وحول هذا الموضوع يقول الأستاذ الدكتور عبد المجيد زراقط ، أستاذ النقد الحديث بالجامعة اللبنانية : عن قصة يعقوب الشارونى " قليل من الراحة فوق السلالم" ( من يوميات صبى بقال ) : تصِّور هذه القصَّة عذابات طفل عامل، لا يتيح له عالمه «محاولة» الحصول على أية راحة. ونلاحظ دقة تعبيره الدال على واقعه، ومن نماذج ذلك قوله عن أمه: «لتشتري الخبز والفول المدمَّس لعشاء إخوتي وإفطارهم». ما يعني اقتصار الطّعام على هذين النَّوعين، وعلى وجبتين فحسب . وقوله إنه يحبَّ أن يتفرَّج على صور الكتب الملوَّنة، ما يعنى أنه لا يعرف القراءة، وتالياً أنه ترك المدرسة قبل أن يعرف القراءة. ثم نراه يقبل مواصلة العمل لأنه : " إذا لم نعمل لن نأكل " ، فهو يضحِّى من أجل أمِّه وأخوته، ويتخذ القرار بمواصلة العمل فى ظروف الامتناع عن محاولة الحصول على أية راحة .
هذا القرار الذي يتخذه تفرضه شروط واقعه ، فالهدف الذي يسعى إلى تحقيقه ليس هو ما يحتاج إليه فعلاً ، فهو يفكِّر " فى شىءٍ واحد : هل أستطيع أن أطلب كتابًا من هذه الشقَّة التى تشبه المكتبة ؟ " الكتاب هو ما يريده ويحتاج إليه ، لكن عالمه لا يوفِّر له تلبية هذه الحاجة ، ما يفيد أن المطلوب من أولي الأمر تغيير هذا العالم .. هذا ما تقوله هذه القصَّة ، فإن كان هذا الطفل عاجزاً عن إحداث التغيير ، فعلى من يقدر ، أى الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى ، أن تحققه له .
ويواصــل د . عبــد المجيــد قولـه : ثم إن هذا العالم فظيع ، كأنه الجحيم ، إذ إنه
يخلو من أى عامل مساعد ، ليس لتوفير ما يحتاجه الطفل فحسب ، وإنما لتوفير قليل من الرَّاحة . والأم نفسها لا تملك إلاَّ البكاء ، إنه العجز إزاء واقع عالم لا يطاق ، غير صالح للعيش ، وكأن لم يكف غياب المساعد ووجود المعوَّقات حتى نلاحظ ما يشير إلى أن البقَّال يستولى على جنيه ، وهو نصف يومية الطِّفل بادِّعاء ضياع جنيه من ثمن               الطَّلبات .
تصوِّر هذه القصَّة عالماً غير صالح للعيش الإنسانى ، ما يقتضى تغييره . وإن كان الطِّفل وأمه عاجزين عن ذلك ، فالمسؤولية تقع على الدولة ومؤسَّسات المجتمع المدنى لتقوم بذلك ، وبهذا تنتمى هذه القصَّة إلى اتجاه الواقعية الاجتماعيَّة النقديَّة ، التى تقدم نصًّا ينطق بالدلالة فى مناخ من المتعة الأدبيَّة .
* كما يقول عن رواية "  منيرة وقطتها شمسة  " : العالم الذى تأتى منه منيرة عالم غير صالح للعيش الإنسانى ، إذ إنَّه يحوِّلها إلى كائن آلى . غير أنَّها ، وعلى عكس فتحى فى قصة " قليل من الرَّاحة ... " تجد المُساعِد الذى يُمَكِّنها من النمو والتحوُّل .. يتمثل هذا المساعد فى عالم الأب وأبنائه وأحفاده ، ومن القطَّة . وهنا يبرز الشبه بين الفتاة منيرة والقطَّة شمسة ، فكل منهما محروم من حقوقه ، وحرمان منيرة ، وإحساسها بهذا الشبه جعلها تتعاطف مع القطَّة .
        فقد تحوَّلت وغَدَت مقبلة على الحياة ، تريد أن تبقى فى المنزل الذى شعرت بأنه بيتها، وتريد أن تتعلَّم ، فأصبحت فتاة تتخذ القرار ، وتسعى إلى تنفيذه . وقد حدث هذا عندما توافرت لها شروط العيش الكريم . فكأن هذه الرواية القصيرة تقول : إن أبناءنا ، مهما كانت حالاتهم ، يمكن أن يتحولوا ويصبحوا فاعلين ، إن توافرت لهم شروط العيش الكريم ، وأحسُّوا بأنَّهم مقدَّرون ، ويمتلكون أشياءهم .
تحوَّلت منيرة إلى شخصية إيجابية فاعلة ، تعتمد على الخبرة والعقل والقدرة على تحمّل المسؤولية .
** عدم التفرقة بين الجنسين :
تقرر اتفاقية حقوق الطفل على أن " توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجّهًا نحو إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية فى مُجتمع حُر ، بروح من التفاهم والسلم والتسامح والمُساواة بين الجنسين " .
                - وفى هذا تقول أ . د . ماريا ألبانو ، إن رواية " حسناء والثعبان الملكى " تُقدّم لنا نموذجًا فريدًا للفتيات من بنات القبائل التى تعيش فى مصر ، فى منطقة جبال البحر الأحمر ، حيث اعتادت الفتيات مُنذ طفولتهن الاعتماد على النفس ، ومواجهة تقلّبات الطبيعة القاسية ، فنُعايش فى الرواية كيف واجهت فتاة ، عُمرها 12 سنة ، وحدها ، أخطار السيول بشجاعة وحكمة .
                * وفى رواية " سر ملكة الملوك " التى تدور حول الخلفية الإنسانية وراء نجاح الملكة حتشبسوت فى حُكم مصر لمُدّة 21 سنة ، مُنذ ( 3500 ) سنة ، نكتشف قُدرة المرأة على تولى أكبر المسئوليات بنجاح ، على الرغم من مؤامرات الرجال ، وفى مواجهة ثقافة شعبية لم تكن تتقبّل أن تتولّى امرأة أكبر سُلطة فى البلاد ، هى سُلطة "الملك". 
                * وفى رواية " حكاية رادوبيس " نتعايش مع فتاة صغيرة من العبيد ، استطاعت أن تستفيد من كل ما واجهها من عقبات ، إلى أن تمكنت من أن تصبح ملكة على مصر وزوجة للفرعون " أمازيس " حوالى سنة ( 600 ) قبل الميلاد .
* وحول رواية : " سرُّ الجدَّة " ، يقول الدكتور عبد المجيد زراقط ، أستاذ النقد الأدبى بالجامعة اللبنانية : يؤدِّي القصَّ في هذه الرواية، الرَّاوي العليم، ويتنحَّى ليتيح للفتاة، بطلة الرواية، أن تروي من منظورها، باستخدام تقنيَّة المذكرات، وهذا يتيح للفتاة أن تعبِّر عن رؤيتها إلى عالمها بوصفها أنموذجاً للفتاة في مجتمع يميِّز بين الجنسين، وهي تفعل ذلك في الوقت نفسه الذي تثبت فيه، بقدراتها الذَّاتية، تفوُّقها العقلي والإرادي، الذي مكَّنها من تحقيق إنجاز لم يتمكَّن الآخرون من تحقيقه.
تلاحظ الفتاة أن لا شأن لأبيها وأخويها، من منظور أمِّها، بأمور البيت، فهذه الأمور من اختصاص البنات، ولهذا توكل أمها لها أمر أدائها. في الوقت نفسه الذي لا يهتم أحد بأن يصغي إلى رأي تقوله أو سؤال تلقيه. وإذ تلجأ إلى الكتابة لتعبِّر عن نفسها،  يعدُّ الأب كتابة البنت لمذكراتها شيئاً يدخل في دائرة العيب. وهي تعرف جيِّداً أن أي سؤال تلقيه هو تجاوز لحدودها وتَدَخُّل في ما لا يخصّها، أو يعد احتجاجاً غير مباشر منها على شيءٍ لم يعجبها. يحدث هذا في أسرة الأستاذ مصطفى شوقي، المدرِّس الأوَّل للمواد الاجتماعيَّة، وليس هذا التعريف بالأب من دون دلالة، فإن كان هدا المدرِّس هكذا، فكيف يكون الآخرون- وبهذا تنتمي هذه القصَّة إلى الواقعية الاجتماعية النقدية، فمحورها هو قضيّة تمييز المجتمع بين الجنسين، وبيان خطأ هذا التمييز.
** احترام حقوق الطفل المُعوّق ، وتقبّل الآخر المُختلف عنّا :
تقرر الاتفاقـية الدولية عـلى أن " تعـترف الدول الأطراف بوجوب تمتّع الطفل المُعوّق عقليًّا أو جسديًّا بحياة كاملة وكريمة ، فى ظروف تكفل له كرامته وتُعزّز اعتماده على النفس وتُيسّر مُشاركته الفعلية فى المُجتمع" .
                -   وفى هذا تقول أ . د . ماريا ألبانو : " الفضل الكبير للشارونى فى إدخال الرواية الاجتماعية فى أدب الأطفال فى العالم العربى . والهدف هو تنمية الإحساس فى ضمائر الأفراد تجاه المُشكلات الاجتماعية " .
                يُركّز الكاتب خصيصًا على الأطفال " ذوى الاحتياجات الخاصة " . ففى قصته "حكاية طارق وعلاء " ، يُحكى الكاتب عن مُقابلة علاء مع طفل آخر ، هو طارق ، الذى يُعانى من " احتياج خاص " . الشارونى لا يتكلّم أبدًا عن الإعاقة بشكل صريح ، لكنّه يصف شخصية طارق الموهوب جدًّا فى الرسم . وفى النهاية سوف يقوم طارق نفسه بمُساعدة علاء وليس العكس . إن التركيز لا يكون على احتياج  طارق للتواصل مع الآخرين ، لكن على كفاءة " الآخرين " فى التواصل مع طارق : تتضمّن القصة طرقــًـا دقيقة للتصرّف والتفاعل مع ما يُسمّى " الاختلاف " ، وذلك بهدف اكتشاف "المهارات" وليس " الإعاقات " للأشخاص الذين يظهرون وكأنهم " غير طبيعيين " .
* وفى قصة " سر الاختفاء العجيب " يستطيع طفل مُصاب فى ساقه بشلل الأطفال ، أن يُحقـّق ما لم يستطع أن يُحقّقه رفاقه من الأصحاء ، بأن أنقذ صديقــًـا له سقط فى بئر مقبرة فرعونية مجهولة بين التلال القريبة من قريتهم فى مصر العُليا (الصعيد) .
                 * وفى قصة " مرمر وبابا البجعة " نُتابع اهتمام طفلة صغيرة بإطعام بجعة منقارها مكسور ، فلا تستطيع الإمساك بطعامها من السمك . وهى قصة موجّهة للأطفال ابتداء من سن 3 أو 4 سنوات ، لتنمية روح تقبّل الغير المُختلف عنّا .
** التنمية البشرية من خلال تقديم القدوة من البطولة المعاصرة للإنسان العادى :
                ومن أهم الأدوار التى يمكن أن يقوم بها أدب الأطفال ، تقديم القدوة للأطفال ، متمثلة فى صور من البطولة المعاصرة ، وهى بطولة الإنسان العادى الذى ينتصر فى مواجهة مشكلات حياته وصعوباتها بقدراته هو ، مستفيدًا من كل ما يقدمه له واقعه من عوامل مساعده . 
-  مثلاً عن قصة " معجزة فى الصحراء  " ، يقول الأستاذ الدكتور عبد المجيد، أستاذ النقد الأدبى فى الجامعة اللبنانية ، عن رواية " معجزة فى الصحراء " : تدور هذه القصّة حول مواجهة الإنسان للطبيعة الصحراوية ، وانتصاره فى هذه المواجهة . تبدأ الرواية بوحدة الفَقْد ، فقد انسدَّت البئر الوحيدة فى الواحة ، وبات الناس مهدَّدين هم ومواشيهم وحقولهم بالموت . لم يفكروا بالرَّحيل، وإنما فكروا فى تعويض الفقد . وكان لهم ما أرادوا ، إذ عملوا متعاونين فى سبيل تحقيق هذا الهدف . وكان للأطفال دور أساس فى الوصول إلى الهدف . يقول الضابط محمود فى بيان ذلك "... حمزة يقود بشجاعة زملاءه الصِّبيان كل يومٍ إلى عين الماء، يتحمّلون في ذلك مشقّة لا يستطيع تحمّلها أمثالهم في أي مكانٍ آخر...، هم أبطال حقًّا...، إنهم الذين حفظوا حياة أهل الواحة حتى                      الآن ..."
وإن كان مِن بطولة تحدَّث عنها الضابط ، فهى بطولة من نوع خاصٍّ ، هى بطولة الطِّفل الذى يواجه المشكلات بشجاعة ، ويتمكن من حلِّها من طريق استخدام العقل والذكاء ، والإرادة ، والعزم والتصميم ، فيحقق الإنجاز الانتصار .. يقدِّم نموذجًا للبطولة لا يقل أهمية عن نماذج البطولة التى قدّمتها القصص القديمة . هى بطولة الإنسان العادى الذى ينتصر فى مواجهته مشكلات حياته وصعوباتها بقدراته هو ، مستفيدًا من كل ما يقدِّمه له واقعه من عوامل مساعدة  .
* ويقول كذلك عن رواية " مغامرة زهرة مع الشجرة " : فى هذه الرواية  يحمى الأطفال بقيادة فتاة ، شجرة من القطع ، وذلك لأنهم كانوا يلعبون فى ظلها ، ما يدل على قدرة الأطفال على اتخاذ قرارات صائبة، وعلى قدرة الفتاة على القيادة، إضافة إلى التَّركيز على حماية البيئة .
* ويقول د . عبد المجيد عن رواية : " ليلة النَّار " : هذه الرِّواية اختارها "المجلس العالمى لكتب الأطفال فى سويسرا " ، ضمن قائمة الشَّرف التى يصدرها كل عامين ، فى مجالات التأليف للأطفال ورسم كتبهم أو ترجمتها . وقد أرسل هذا المجلس كتاباً يُهنِّئ فيه مؤلفها يعقوب الشارونى رائد أدب الأطفال فى مصر والوطن العربى بفوزه بمرتبة الشرف ، بوصفه واحداً من أفضل من يكتبون للأطفال في العالم، ثمَّ كرَّمه في مؤتمره الذي أقيم في 18/8/2016.
ويقول المجلس المصري ، إن هذه الرواية " تستحق هذا الفوز بجدارة؛ إذ إنها تتناول موضوعاً في غاية الأهميَّة، لم يسبق طرحه في أدب الأطفال من قبل، وهو الطبقات الاجتماعية المهمَّشة" .
كما بدا واضحًا أن الفضاء القصصي في قصص الشاروني، هو فضاء الإنسان المعاني، في العشوائيات، والصحراء، والرِّيف، والأحياء الفقيرة، حيث يكثر الأطفال العمَّال. في هذا الفضاء يحقق الأطفال المتميزون بطولة يمكن أن نسمِّيها " بالبطولة المعاصرة " فهي بطولة الطِّفل العاقل، الذكي، المفكر، المبادر، الساعي إلى تحقيق هدفه بإرادة وعزم وصبر... يتساوى في ذلك الفتى والفتاة، فكلٌّ منهما قادر على الإنجاز، ما يقتضي توفير فرص هذا الإنجاز ليس المادية فحسب، وإنما المعرفية أيضًا.
تنطق قصص الشاروني بالدلالة النَّصِّية، أي أن النَّص القصصي نفسه يرشح بها كما ترشح الزهرة بعطرها، في فضاء تهيمن فيه الوظيفة الجمالية القصصيَّة، وتنتظم هذه الدلالات في منظومة قيم إنسانيَّة، منها تقدير الإنسان بوصفه إنساناً، وتوفير حقوق الإنسان له، وبخاصَّة حقه في العيش الحر الكريم، وتحصيل المعرفة العلمية، وتنمية التفكير العلمي، وعدم التمييز بين الفتى والفتاة، وقبول الآخر، وحماية البيئة، والانتماء إلى الأهل والوطن، وتحقيق الإنجاز من طريق العمل، وقيمة الوقت، وتنمية روح الإبداع، والرفق بالحيوان...
** التنمية البشرية تتطلب مواجهة التحديات ، التى تتضمن عدم المساواة  والخضوع لعادات أو أعراف ( جمع عرف ) اجتماعية ظالمة للمرأة أو تحرمها من حقوقها:
وفى هذا يقول د . عبد المجيد عن رواية " أسرار بيت الطالبات " : فى  هذه الرواية ، تتحدى طالبة جامعية اسمها " رجاء "، ما استقر عليه العرف الظالم الشائع فى صعيد مصر، الذى يسعى إلى حرمان الأنثى من ميراثها، وإلى حرمانها من استكمال تعليمها لإجبارها على الزواج بأحد الأقارب ليحتفظ الذكور بالأرض ، على الرغم من أنها فى السنة النهائية من دراستها الجامعية، بينما فشل هو فى أول مراحله الدراسية - هى تريد أن تنطلق فى حياتها لتعمل بالتدريس، وهو يريدها أن تبقى بجواره فى القرية بعيدة عن مجال أى عمل عام .
ويستغل هذا القريب الإشاعات، للضغط عليها وعلى والدها لإجبارها على ترك الدراسة والزواج منه . لكنها فى النهاية تتغلب على ظلم التقاليد وعلى بشاعة الإشاعات التى وقفت تحاول أن تسد أمامها الطريق التى تصورت أن أقدامها قد ثبتت عليها، وانطلقت إلى تحقيق ذاتها، مؤكدة ما قالته أستاذتها د. هناء: «كل هذا سيتغيَّر يوماً، وبأسرع ممَّا تتصورين...»، «ثقي، يا رجاء، أن التغيُّر قادم وبسرعة، ولن يتوقَّف أمام من يحاولون تعطيله». وهكذا يؤكد الشارونى إن للتعليم دوراً أساسًا في إحداث هذا التغيير. وهنا نتذكَّر ما جاء في رواية «منيرة وقطها شمسة»، من أن التعليم يفتح أمام الإنسان كل النَّوافذ والأبواب»
يقول الدكتور عبد المجيد زراقط :  يبدو واضحاً أن الشاروني منحاز إلى الفقراء والمهمشين، في مختلف بيئاتهم، ويرى أنَّ «العامل المهم في مواجهة الفقر والتهميش، هو النَّظر إلى نصيب الفقراء من المعرفة والمعلومات، وليس من الموارد المالية فقط.. وفي ظل اقتصاد المعلومات الذي نعيش فيه، فإنَّ المعرفة تتحوَّل إلى ثروة، والكتاب سيظل أهم أوعية المعرفة» . ونضيف أن كل هذه عوامل أساسية فى نجاح التنمية البشرية ، التى تهدف إلى تنمية الإنسان عبر الارتقاء بإمكاناته ، وتحسين حياته ، وإزالة الفوارق بين الرجل والمرأة ، والتغلب على ما فى بعض الأعراف والقيم الاجتماعية من ظلم أو خطأ أو جمود وحرمان النساء من فرص التقدم والتمكين .
*           *           *
ويُمكن أن نــُـتابع عددًا آخر من القصص والروايـات الموجّهة إلى الأطفال والشباب الصغير ، تدور حول حق الأطفال فى اللعب ، وكيف أن عمل الأطفال يُحرمهم من هذا الحق ، وذلك مثلاً فى قصة " لعبة صباحية خطرة " .
                - أو عن انتهاك حقوق الفتاة ، وذلك فى حالات الزواج المُبكّر ، فى  قصة مثل "أم ياسمين وبناتها " .
                - أو تعرّض الأطفال للعُنف والإساءة البدنية فى قصة مثل " من مذكرات طفل "                               ورواية " منيرة وقطتها شمسة " .
                - أو مُعاناة أطفال الشوارع أو الأطفال بغير مأوى ، فى قصة " أحسن شىء أنى حرة " .
                كل هذا يؤكد أن أدب الأطفال له دور رئيسى فى التنمية البشرية ، عن طريق تأكيد حقوق الطفل الأساسية ، التى قررتها المواثيق المحلية والدولية .

أهم المراجع


- " دروس التنمية البشرية فى العالم " - د . طه عبد العليم - جريدة الأهرام -     الأحد 7 مايو 2017 .
- " عمار الثروة البشرية الشباب نعمة أم نقمة " - ناهد المنشاوى - جريدة الجمهورية- 16 يناير 2017 .
- " الإبداع فى المدرسة " - د . مراد وهبه ود . منى أبو سنة- الناشر : معهد جودة بالقاهرة - 1993 .
- " الطلبة الموهبون فى التعليم العام بدول الخليج العربى .. أساليب اكتشافهم وسبل دعمهم " - د . عبد العزيز السيد - مكتب التربية العربى لدول الخليج - الرياض - 1990 .
- " الأسرة وإبداع الأطفال ( فى مصر ) " - د . عبد الحليم محمود السيد - دار المعارف - 1980 .
- " حلقة تربية الموهوبين والمعوقين فى البلاد العربية " - المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم - إدارة التربية - جامعة الدول العربية - الكويت - 1973 .
- " قصص وروايات الأطفال فن وثقافة " - يعقوب الشارونى - دار المعارف - مصر -                                    سلسلة " اقرأ " - 2014 .
- " القصة المصرية الحديثة للأطفال " - د . ماريا ألبانو - ترجمة عن الإيطالية -                         الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2009 .
- " الواقعية الاجتماعية فى قصص يعقوب الشارونى قضاياها وخصائصها الأدبية " -                                                  أ . د . عبد المجيد زراقط - مكتبة الإسكندرية - ملتقى السرديات - 28 نوفمبر 2017 .
- الروايات والقصص التى اعتمدت عليها هذه الدراسة ، من تأليف كاتب الدراسة، وقد صدرت عن دور النشر الآتية : دار المعارف – دار نهضة مصر – دار إلياس العصرية – مكتبة مصر – دار الشروق – الهيئة المصرية العامة للكتاب .

ليست هناك تعليقات: