الغرير الصغير
بقلم : طلال حسن
" 1 "
ـــــــــــــــ
أفاق الغرير الصغير ، وتلفت متشمماً ما
حوله ، ثم صاح بنبرة شاكية : ماما .
لم يجبه أحد ، لكنه
أحس بأنفاس دافئة ، تتردد على مقربة منه ، وخمن أنها ليست أنفاس أمه ، وإنما أنفاس
أخته الصغيرة " غرورة " ، فصاح ثانية : ماما .
واعتدلت أخته "
غرورة " ، وردت قائلة : ارقد الآن ، ماما لم تعد بعد .
وبدل أن يرقد الغرير
الصغير ، وينتظر أمه ، نهض من مكانه ، ومضى يتلمس طريقه في الظلام ، نحو أحد مداخل
الوكر ، وهو يقول : لا أستطيع الانتظار ، إنني جائع .
ونهضت أخته "
غرورة " وحاولت اعتراضه قائلة : انتظر يا غرور ، ستأتي ماما بعد قليل ،
وترضعنا .
ومد الغرير الصغير
يده ، وأزاحها عن طريقه قائلاً : دعيني ، لن أنتظر ، أكاد أموت من الجوع .
ووقفت " غرورة
" في مكانها ، وصاحت به محذرة : عد يا غرور ، عد ، ستتعرض للخطر إذا خرجت من
الوكر .
وأنصتت ملياً ،
منتظرة أخاها ، دون جدوى ، وحين تلاشى وقع أقدامه ، تمتمت قائلة : المجنون ، ستغضب
ماما منه وتعاقبه ، هذا إن لم يته في الغابة .
" 2 "
ــــــــــــــ
أوشك
الفجر أن يتخلص من أسار الليل ، ويطل من الأفق على الغابة ، حين عادت الغريرة الأم
من جولتها الليلية إلى الوكر ، وما إن اجتازت المدخل ، المطل على الضفة العالية
للنهر ، حتى نادت كما تنادي دائماً ، عند عودتها كل يوم : غرور .. غرورة .. عادت
ماما .
وعلى غير العادة ، لم
تسمع هذه المرة ، غير صغيرتها " غرورة ، ترد متمتمة : ماما .
وخفق قلب الغريرة
الأم قلقاً، فأسرعت إلى صغيرتها "غرورة" ، وقالت : غرورة ، أين أخوك ؟ أين غرور؟
فردت " غرورة
" قائلة : استيقظ جائعاً ، ورغم تحذيري، خرج من الوكر .
وشهقت الغريرة الأم ،
وقالت ملتاعة : يا ويلي ، لم أره في المدخل المطل على ضفة النهر .
وقالت " غرورة
" : لم يخرج من هناك وإنما من المدخل المؤدي إلى الغابة .
وانطلقت الغريرة الأم
، نحو المدخل المؤدي إلى الغابة ، وهي تقول لصغيرتها " غرورة " : ابقي
هنا ، يا عزيزتي ، ريثما أعود .
وأسرعت عبر النفق
الضيق الطويل ، حتى تلاشى وقع أقدامها ، وعادت " غرورة " إلى مكانها ،
وانزوت في الظلام حزينة خائفة ، وهي تتمتم : هذا المجنون ، أين مضى ؟
" 3 "
ــــــــــــــــ
بحثت الغريرة الأم ، عن صغيرها " غرور
" ، في الجوار، ثم توغلت في أعماق الغابة ، وهي تصيح بصوت تخنقه الدموع :
غرور .. غرور .. غرور .
وبدأ القلق يتسلل إلى
أعماقها ، عندما لم يجبها غير الصدى ، وتوقفت حائرة ، لا تدري ماذا تفعل ، وتراءى
لها زوجها ، يخرج من الوكر ليلاً ، ليبحث لها عن طعام ، وهي توشك على الولادة .
ورجته أن لا يتأخر ،
مهما كان السبب ، فوعدها أن يعود إلى الوكر ، قبل مجيء الفجر ، لعله يرى صغاره ،
الذين انتظرهم طويلاً ، وقد جاءوا إلى الدنيا .
وجاء الفجر ، وقبله جاء
الصغيران ، أما هو فلم يجيء ، وبحثت عنه ، طوال الأيام التالية ، في طول الغابة
وعرضها ، لكنها لم تقع له على أثر .
وأطل الفجر من وراء
الأفق ، وبدأ الليل يتقهقر شيئاً فشيئاً أمام طلائع النهار ، فقفلت الغريرة الأم
عائدة إلى الوكر ، وطوال الطريق ، كانت تتساءل ، والدموع تغرق عينيها : ترى أين
غرور ؟ أين هو الآن ؟ وهل سيعود إليها في يوم من الأيام ؟ أم سيختفي إلى الأبد ،
كما اختفى أبوه ؟
" 4 "
ـــــــــــــ
رأته أمه من نافذة المطبخ ، المطلة على
حديقة المنزل ، فتوقفت عن غسل الطبق الذي في يدها ، وتأوهت قائلة : آوه يا إلهي .
ورفع الجد رأسه عن
جريدته ، وتساءل مبتسماً : من ؟ حمودي؟
فهزت الأم رأسها ،
وردت : ومن غيره يا بابا ؟ تعال انظر بماذا أتاني .
ونهض الجد مسرعاً ، وأطل
من النافذة ، وقال وعيناه تلمعان : غرير ، غرير صغير .
ووضعت الأم الطبق
جانباً ، وقالت : سيقول أنه وجده في الطريق ، يوشك أن يموت .
ورمقها الجد بنظرة
خاطفة ، وقال : فتوسل إليه أن ينقذه ، فأنقذه .
واحتجت الأم قائلة :
بابا .
وعاد الجد إلى مكانه
، وتناول جريدته ، وهو يقول : هذه وراثة.
ودخل حمودي المطبخ ،
بأعوامه الخمسة ، يحتضن الغرير الصغير إلى صدره ، وقبل أن تنطق أمه بكلمة قال :
وجدته باكياً في الطريق ، وجئت به إلى البيت ، خشية أن يموت من الجوع .
وهمت الأم أن ترد
عليه ، فأسرع بالوقوف إلى جانب جده ، وقال : أنت ِ أيضاً كان عندك غرير ، هذا ما
أخبرني به جدي .
وردت الأم بصبر نافد
: عندما كنت صغيرة .
فتطلع حمودي إليها ،
وقال : وأنا الآن صغير .
والتفتت الأم إلى
الجد ، وقالت : أجبه يا بابا .
فقال الجد : أنت
أجبته .
ولوحت الأم بإصبعها
في وجه حمودي ، وقالت مهددة : سأرميه في الخارج ، وسأرميك أنت معه ، إذا عبث
بأغراضي .
وانقض حمودي على أمه
فرحاً ، وراح يقبلها ، وهو يقول : أشكرك ، أشكرك يا ماما .
" 5 "
ـــــــــــــ
لم ينم حمودي ، رغم أن أمه أغفت ، منذ
فترة طويلة ، فالغرير الصغير ، كان يئن ويتلوى ، بين ذراعيه دون أن يغمض له جفن ،
ولو لحظة واحدة .
ونهض من الفراش ،
وتسلل على أطراف قدميه ، إلى غرفة الجد ، وتمدد إلى جانب جده ، والغرير الصغير
يتلوى ويئن ، وأطل القمر من النافذة ، فنظر حمودي إلى الغرير الصغير ، وقال : انظر
يا جدي ، إنه يتطلع إلى القمر .
ونظر الجد إلى الغرير
الصغير ، ثم تطلع إلى القمر ، وقال : لابد أن أمه تتطلع الآن إلى هذا القمر أيضاً
.
وتغافل حمودي عما
قاله جده ، وتشاغل بتمسيد شعر الغرير الصغير الخشن ، وقال : إنه جائع ، لم يرضع
مما في الزجاجة من حليب إلا قليلاً .
ورمقه الجد بنظرة
خاطفة ، ثم قال : يبدو أنه يفضل حليب أمه ، مثلك عندما كنت صغيراً .
وضم حمودي الغرير إلى صدره بقوة، وكأنه يخشى أن
يأخذه أحد منه ، فتابع الجد قائلاً : قد تقول ، حليب الزجاجة حليب ، وحليب أمه
حليب أيضاً ، لا ، هذا خطأ ، فأمه تحبه ، وتعطيه مع حليبها حبها .
ورد حمودي محتجاً :
أنا أيضاً أحبه .
ونظر الجد إليه ،
وقال : مهما يكن يا حمودي ، فلن تحبه مثلما تحبه أمه .
وهنا نهض حمودي ،
محتضناً الغرير الصغير ، ومضى إلى الخارج ، وهو يدمدم : سأنام اليوم في سريري .
ورفت ابتسامة حنون ،
فوق شفتي الجد ، لقد وعد ابنته ، أم حمودي ، أن يعالج الأمر بنفسه ، وها هو يبدأ
المعالجة ، لعله يحقق هذه المرة ، ما لم يحققه مع ابنته ، عندما كانت في عمر حمودي
.
" 6 "
ــــــــــــــ
كاد حمودي أن يصرخ ، حين رأى الغرير الصغير
يفلت من بين يديه ، ويحلق عالياً ، متجهاً نحو وكره في الغابة ، وهو يصيح : ماما
.. ماما .
وانتفض من مكانه ،
محاولاً أن يحلق هو الآخر ، ويلحق بالغرير الصغير ، ويمسك به ، لكنه بدل أن يحلق ،
سقط عن السرير ، وارتطم بالأرض متوجعاً ، آه يا له من حلم.
وهب في الحال ، باحثاً
عن الغرير الصغير ، دون جدوى ، يبدو أن الأمر لم يكن مجرد حلم ، وانطلق إلى المطبخ
صائحاً : ماما .. ماما .
ولأن أمه تعرف سبب
صيحته ، التفتت إليه بهدوء ، وقالت : كفى ، لا تصح هكذا ، جدك نائم .
وخفض حمودي صوته ،
وقال بصوت تخنقه الدموع : الغرير .
وصمتت لحظة ، ثم قالت
: ليس مكان الغرير ليلاً إلى جانبك في السرير .
ورد حمودي متردداً :
إنه .. إنه يخاف النوم وحده .
ووضعت أمه إناء
الحليب على النار ، وقالت : كلا ، الغرير لا يخاف ، إنه ليس مثلك .
واحتج حمودي قائلاً :
أنا أيضاً لا أخاف ، وإنما احبك ، وأحب النوم إلى جانبك .
والتفتت أمه إليه ،
وقالت : هو أيضاً يحب أمه ، ويحب النوم إلى جانبها .
ولاذ حمودي بالصمت ،
مطرقاً رأسه ، فتابعت أمه قائلة : اذهب إليه ، إنه داخل القفص ، في الحديقة .
" 7 "
ــــــــــــــــ
أسرع حمودي إلى الحديقة ، ووجد الغرير
الصغير يئن متوجعاً في القفص ، يا لجده الطيب ، لقد صنع له هذا القفص ، قبل فترة
ليضع فيه فرخ الدجاجة ، الذي اشتراه له من السوق ، لكن الفرخ لم يبق عنده طويلاً ،
وكيف يبقى ، والقط الأسود اللعين ، كان له بالمرصاد ؟ فاختطفه وفرّ به بعيداً .
ومد حمودي يديه داخل
القفص ، وأخذ الغرير الصغير برفق ، وضمه إلى صدره ، وقال محاكياً أمه ، عندما كانت
تهدهده : لا يا حبيبي .. لا .. لا .. إنني أحبك .. وسأحبك دوماً .. أكثر من ..
أكثر من الجميع .
لكن الغرير الصغير ظل
يئن متوجعاً ، فقبله حمودي على وجهه، وقال : أنت جائع ، انتظر سآتيك بالحليب .
وأعاد حمودي الغرير
الصغير إلى مكانه ، وأغلق باب القفص ، ثم انطلق مسرعاً إلى المطبخ ، وراقبته أمه
بطرف عينيها ، وهو يعد زجاجة الحليب ، ثم ينطلق بها نحو الحديقة ، فهزت رأسها دون
أن تتفوه بكلمة .
وفتح حمودي باب القفص
، وأخذ الغرير الصغير إلى صدره ، وهو يقول : تعال حبيبي ، جئتك بحليب طازج ودافئ
ولذيذ .. خذ .
ودس حلمة الزجاجة في
فمه ، لكن الغرير الصغير هزّ رأسه ، مبعداً الحلمة عن فمه ، فقال حمودي : أنت جائع
، وقد تمرض إذا لم تشرب الحليب .
وحاول حمودي أن يدس
الحلمة ثانية في فم الغرير الصغير ، دون جدوى ، فرفع الزجاجة ، ودسها في فمه ،
وامتص منها قليلاً من الحليب ، ورغم أن الحليب لم يعجبه ، إلا أنه قال : انظر ،
إنه لذيذ ، لذيذ جداً .
وحاول مرة أخرى ، أن
يدس الحلمة في فم الغرير الصغير ، وهو يقول : جرب يا عزيزي ، جرب مرة ، وسترى .
وهزّ الغرير الصغير
رأسه ، مبعداً الحلمة عن فمه ، وهو ما زال يئن متوجعاً ، ووقف حمودي حزيناً حائراً
، ثم تمتم بصوت تخنقه الدموع : ما العمل ؟
" 8 "
ــــــــــــــــ
دخل حمودي المطبخ ، مقبلاً من الحديقة ،
وزجاجة الحليب في يده ، لم ينقص مما فيها شيء ، كان الجد جالساً إلى المائدة ، يتناول
طعام الفطور ، فرفع رأسه إليه ، ثم رمق الأم بنظرة سريعة ، وقال : إنني لا ألوم
الغرير على عدم شربه لهذا الحليب .
وجلس حمودي الى
المائدة ، ووضع زجاجة الحليب جانباً ، وقال : لكنك تشرب من هذا الحليب الآن .
وسارعت الأم بوضع
يدها فوق فمها كاتمة ضحكتها . ونهض الجد ، دون أن يبتسم ، واتجه إلى الداخل ، وهو
يقول : الأمر طبيعي ، فانا لست غريراً .
وأطرق حمودي رأسه ،
وقد لاذ بالصمت ، وتململ أخيراً في مكانه ، وقال متردداً : ماما .
لم تلتفت أمه إليه ،
وتشاغلت بغسل المواعين ، وقالت : فطورك على المائدة ، بيض وحليب وجبن ، تناوله .
ونهض حمودي عن
المائدة دون أن يلتفت إلى الفطور ، وقال بصوت تبلله الدموع : الغرير ..
وتوقفت الأم عن غسل
المواعين ، وقالت : إنه صغير .
واستطرد حمودي بنفس
الصوت : الغرير الذي كان عندك .
والتفتت الأم إليه ،
وقالت بنبرة حزينة : كنت أحبه ، مثلما تحب أنت هذا الغرير الصغير ، ورغم أنه لم يكن
يشرب الحليب ، الذي أقدمه له ، إلا أني لم أطلق سراحه حتى ..
وشهق حمودي : ماما .
وهربت أمه بعينيها
الدامعتين من عينيه ، وقالت : لم يحتمل الجوع ، المسكين ، لقد جنيت عليه .
" 9 "
ــــــــــــــــ
أقبل الجد من غرفته ، ووقف عند باب المطبخ ،
وقال : بنيتي .
ورفعت الأم ثوباً
جديداً كانت تخيطه ، وأرته فرحة للجد ، وقالت : أنظر .
ونظر الجد إلى الثوب ،
وقال مبتسماً : هذا ثوب بنت .
وضحكت الأم ، فتساءل
الجد : أين البنت ؟
وارتفعت ضحكة الأم ،
وقالت : لعله في الحديقة واتجه الجد نحو الباب المؤدي إلى الحديقة ، وتوقف ، ثم التفت
إلى الأم , وقال: سمعت الباب الخارجي يطرق قبل قليل ، وأشارت الأم إلى رسالة فوق
المنضدة ، وقالت : ساعي البريد .
وابتسم الجد قائلاً : خيراً .
والتمعت الفرحة في
عيني الأم قائلة : سيأتي أبو حمودي بعد أيام .
وبدا الجد فرحاً ،
وأسرع نحو الحديقة ، وهو يقول : هذا خبر سيفرح له حمودي .
وانحنت الأم ، تكمل الثوب
، وقالت : سيفرح جداً جداً ، وهناك ما يبرر هذا الفرح .
وسرعان ما عاد الجد ،
ووقف عند الباب ، وقال : لم أجد حمودي في الحديقة .
ورفعت الأم رأسها عن
الثوب ، فتابع الجد قائلاً : وكذلك الغرير الصغير .
وبدا القلق على الأم ،
فتقدم الجد إلى المائدة ، وقال : لا عليك ، لابد أنه يلهو مع غريره في الجوار .
ومد يده ، وتناول
الرسالة ، وقال : سأقرؤها في غرفتي.
ومضى نحو الداخل ،
وهو يقول : إذا عاد حمودي ، في أي وقت ,أخبريني .
"10 "
ـــــــــــ
سمعت الأم الباب الخارجي يفتح ,فألقت
الثوب جانباً ، وهبت من مكانها ، تنظر عبر النافذة ، ورأته يصفق الباب ، ويسير في
الممر حزيناً تائهاً ، ولأول مرة، منذ يومين ، لم يكن الغرير الصغير معه .
وأسرعت الأم عائدة إلى
مكانها ، وتناولت الثوب ، وتشاغلت بالخياطة ، ودفع الباب ، ودخل حمودي ، وجلس
قبالة أمه ، وخاطبته أمه قائلة ، دون أن ترفع رأسها إليه : جدك يبحث عنك.
وتجاهل حمودي ما
قالته له أمه ، وقال : لم تسأليني عن الغرير الصغير .
ورفعت أمه رأسها ،
ونظرت إليه صامتة ، فتابع قائلاً : لست أريد أن يصيبه ما أصاب غريرك ، فأخذته إلى
أمه.
وهبت الأم ، تريد أن
تأخذه بين أحضانها ، وتقبله ، حين أقبل الجد ملوحاً بالرسالة وهو يقول : حمودي ،
رسالة من بابا .
ونظر حمودي إلى أمه
متلهفاً ، فابتسمت الأم ، وقالت : نعم ، جاءت قبل قليل ، وفيها بشرى لك .
وتواثب حمودي يصيح
فرحاً : الدراجة !
وهزت الأم رأسها ،
وقالت : بالضبط ، الدراجة .
وصاح الجد : بثلاث
عجلات .
ثم راح يدور حول
المنضدة ، وكأنه طفل يركب دراجة ، ويصيح : وفيها جرس يرن .. رن .. رن .. رن .
وجلس حمودي إلى
المائدة ثانية ، متطلعاً إلى أمه ، ورغم فرحه بالدراجة ، تراءى له الغرير الصغير ،
فتساءل في نفسه : ترى ماذا يفعل الآن ؟
" 11 "
ـــــــــــــ
في تلك اللحظة ، كان الغرير الصغير ، في حضن
أمه يرضع ، وهو يتململ ويهمهم ، وأمه تضحك فرحاً ، وتمسد بيدها على شعره .
وحاولت أخته
"غرورة " انتزاعه عن ثدي الأم ، وهي تصيح مغالبة ضحكها : كفى يا غرور ،
أترك لي شيئاُ من الحليب ، إنني جائعة .
لكن الغرير الصغير ازداد
التصاقاً بثدي أمه ، وراح يدمدم ، دون أن يتوقف لحظة عن عبّ الحليب : دعيني أشبع
أولا .
وحضنته أمه مقهقهةً ، وقالت : ارضع .. ارضع .. ارضع .
وقالت أخته "
غرورة " متظاهرة بالزعل : لن أرضع والحالة هذه إلا بعد أكثر من أسبوع .
وأبعد الغرير الصغير
فمه قليلا عن ثدي أمه ، وقال ، وهو يحاول التقاط أنفاسه : لا .. سترضعين .. إن شاء
الله .. غداً .. أو بعد غد .
وانقض بفمه ثانية على ثدي أمه ، فاحتضنته ممسدة بيدها
على رأسه ، وقالت : ذلك الطفل ..
وهمهم الغرير الصغير
: حمودي ؟
وفغرت أخته "
غرورة " فاها متمتمة : حمودي !
فهز الغرير الصغير
رأسه ، وقال : نعم ، حمودي .
وتابعت الأم قائلة :
كانت عيناه ، وهو يدفعك برفق نحوي ، غارقتين بالدموع .
ورفع الغرير الصغير
عينيه إلى أمه ، وقال : آه لو تعلمين يا ماما كم يحبني .
وعلقت أخته "
غرورة " قائلة : نعم ، يحبك لدرجة أنه سجنك في قفص .
لم يرد الغرير الصغير
عليها ، وراح يرضع مهمهماً : لن أنسى حمودي ، لن أنساه ، وسأزوره في بيته عندما
أكبر ، وألهو معه طول اليوم .
ومد يديه ، واحتضن
أثداء أمه ، وهو يهمهم : آه .. كم أنا جائع ..أتركاني أرضع .. أرضع .. أرضع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق