" أدب الأطفال والمعينات التعليمية
ودورهما فى
التنمية البشرية "
بقلم:هالة الشارونى
جاء فى تقرير التنمية البشرية الذى يُصْدِره
البرنامج الإنمائى التابع للأمم المتحدة ، أن الربع قرن الأخير ( قبل عام 2016 ) ،
شهد حياة أطول للإنسان ، وساهمت التنمية البشرية فى إنقاذ أعداد كبيرة من الفقر
الشديد ، لينخفض عدد المعدمين من 35 % إلى 11 % من تعداد سكان العالم . كما انخفض عدد الذين كانوا يعانون
من سوء التغذية.
لكن الفائدة لم تكن متساوية لجميع الناس ، لذلك فإن
البرنامج الجديد لعام 2016 ، رفع فى السنوات القادمة شعار " التنمية
بمشاركة الجميع ولصالح الجميع " .
وسجل التقرير أن هناك بعض المؤشرات
الإيجابية ، منها تحسن حصول الإنسان على الخدمات الأساسية ، مثل انخفاض نسبة
المحرومين من الصرف الصحى ، والحصول على المياه النقية ، كما ارتفعت حصة النساء فى
مقاعد البرلمانات من 11 % إلى 22 % .
لكن من السلبيات ، التوسع
العمرانى غير المخطط وهو ما نسميه " العشوائيات " ، وزيادة اللاجئين إلى
خارج بلادهم ، وظهور المنازعات ، والتطرف ، والزواج المبكر ، والتمييز بين البشر .
ويركز التقرير على أن حقوق الإنسان هى حجر
الأساس على طريق التنمية البشرية ، ومن بين هذه الحقوق ، الحق فى
مكافحة الارهاب ، إضافة إلى الحق فى التعليم والصحة والحرية والعيش فى سلام ،
والممارسة الديمقراطية ، والحصول على المأكل والملبس . وأيضًا مساعدة الأطفال
على الاستعداد للمستقبل .
وكشف البنك الدولى للإنشاء والتعمير ، أن كل دولار
يتم انفاقه على التعليم ، يحقق عائدًا يتراوح ما بين 6 و 17 دولار . كذلك ارتفعت
مطالبات برفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ، والتعرف على الاحتياجات
الأساسية لكل مواطن والوفاء بها .
* * *
وقد وجدتُ ، من خلال تجربتى الطويلة مع الأطفال من
مختلف الأعمار ، أنه عندما ترتبط قراءة القصص ، بالوسائل التى تساهم كل الحواس
، عن طريقها ، فى استيعاب القصة ، فإننا نترك أقوى الآثار فى عقول وخيال وسلوك
الأطفال ، وبالتالى نُعَمِّق ما نريد تنميته فى نفوس الأطفال من التمسك بحقوقهم ،
وهو أهم سبيل لتحقيق التنمية البشرية المستدامة ، عندما نجعلهم أصحاب قدرة على
تنمية مختلف جوانب شخصياتهم العقلية والجسدية والسلوكية .
* * *
* وفيما يلى بعض القصص التى استخدمنا
لحكايتها للأطفال مختلف الوسائل ، مثل المجسمات، والعرائس
، واللوحة الوبرية ، وصور الفانوس السحرى والأقنعة ، وهى قصص تساعد على التنمية
البشرية المستدامة ، فى سبيل أن يقدم كل مواطن أقصى ما يستطيع لنفسه ووطنه .
* التعاون والعمل الجماعى :
الواحد للمجموع
فى أحدِ الأيامِ ، كنْتُ أقفُ بجوارِ
مبنًى منخفضِ السقفِ ، ورأيتُ نملةً حمراءَ كبيرةً تقتربُ من حافَةِ السقْفِ .
كانت أوراقُ شجرةِ فاكهةٍ محملة بثمارها الشهية تنمو قريبًا من المبنى ، وتهتزُّ
على بعدِ سنتيمترات من النملةِ التى كانت تحاولُ أن تمسكَ ورقةٍ منها .
وتشبثت النملةُ بحافة السقفِ بقدميها الخلفيتين ،
ثم ألقَتْ بقيةَ جسمِها فى الهواءِ، وبدأت تتخبَّطُ وهى متدليةٌ من حافة المبنى .
سرعانَ ما هبَّتْ نسمةٌ هواءِ ،
دفعَتْ ورقةً من الشجرةِ قريبًا من النملةِ ، فاستطاعَتْ أن تتعلَّقَ بها .
لكنَّ النملةَ لم تقفزْ على الورقةِ كما تصوَّرْتُ
، بل ظلَّتْ بغيرِ حركةٍ ، معلقةً مشدودةَ الجسمِ بين ورقةِ الشجر وحافة سقفِ
المبنى .
فى لمحِ البصرِ ، رأيتُ عشراتٍ من النمل
الذى كان يجول على السقفِ ، يُسرِعُ نحو القنطرةِ التى بنَتْها النملةُ بجسمِها ،
وأخذَتْ تعبرُ الواحدةُ بعدَ الأخرى من السقفِ إلى الشجرةِ، عن طريقِ الجسمِ
المُمدَّدِ الذى يقومُ مقامَ القنطرةِ .
وعندما انتهَتْ آخرُ نملةٍ من العبور ، أفلتَتِ
النملةُ قدميها الخلفيتين المثبتتين بالسقفِ، وقفزَتْ إلى ورقةِ الشجرةِ .
ثم انطلقَتْ قوافلُ النملِ تسيرُ على
الأوراقِ الخضراءِ ، لتصلَ إلى فاكهةِ الشجرةِ ، لتفوز بثمارها الغنية بالعصارة
الحلوةِ .
* حل الخلافات بالتفاوض ، بدلاً من
الاكتفاء بالاهتمام فقط بالمصلحة الشخصية وما يترتب على ذلك من فشل للجميع :
طعام للحمارين
حمار أسمر اللون ، ربطه صاحبه الفلاح من
رقبته بحبل ، وربط الطرف الآخر للحبل حول رقبة حمار لونه بنى .
قال
الفلاح لنفسه : " بهذه الطريقة ، لن يقدر أى واحد منهما أن يبتعد كثيرًا عن
مكانه ، وبذلك لن يستطيعا الوصول إلى البرسيم الذى وضعته فى كومتين بالقرب منهما " . ذلك أن الفلاح كان قد ترك
كومتين من البرسيم ، واحدة على يمين
الحمارين ، والثانية على يسارهما .
الحمار
أسمر اللون شعر بالجوع ، فحاول الاقتراب من كومة البرسيم التى إلى يساره. وعند
اتجاهه ناحيتها ، حاول أن يجذب معه الحمار الآخر المربوط معه فى نفس الحبل .
فى
نفس الوقت ، شعر أيضًا الحمار صاحب اللون البنى بالجوع ، فحاول الاقتراب من كومة
البرسيم التى كانت إلى يمينه ، وحاول هو أيضًا أن يجذب معه الحمار أسمر اللون .
ولأن
الحبل الذى يربط الحمارين كان قصيرًا ، وكل واحد من الحمارين يحاول جذب الحمار
الآخر ناحيته ، تعذر أن يصل واحد من الحمارين إلى أى كومة من كومتى البرسيم .
هنا
انطلقت الشمس تضحك من غفلة الحمارين ، وهى تقول لنفسها : " لن ينجح واحد
منهما فى الوصول إلى الطعام .. لقد أراد كلٌ منهما الوصول وحده إلى هدفه ، بغير أن
يفكر فى مصلحة زميله " .
عندئذ كف
كل الأسمر والبنى عن جذب زميله ، واقتربا من بعضهما ، يفكران فى حل لهذه المشكلة ،
التى تسببت فى تعذر أن يتناول أى واحد منهما ما يتغلب به على جوعه .
وبعد قليل
اتفقا على حل ...
اتجه
الاثنان ، الأسمر والبنى معًا ، ناحية كومة البرسيم على الشمال ، وأكلا برسيمها -
ثم اتجه الاثنان فى هدوء إلى الكومة الأخرى إلى اليمين ، وتناولا معًا ما يكفيهما
من طعام ، هذا الطعام الذى لم يكن الفلاح يتصور أن أى واحد منهما يمكن أن يصل إليه
.
* الإحساس بالمسئولية عن الغير :
الحَمَامَةُ
والنَّمْلَةُ
فِى
يَوْمٍ مِنْ أيَّامِ الصَّيْفِ الحَارَّةِ ، كَانَتْ نَمْلَةٌ تَسِيرُ عَائِدَةً
إلَى بَيْتِهَا ، فَمَرَّتْ بجوَارِ نَهْرٍ صَغِيرٍ ، يَلْمَعُ مَاؤُهُ تَحْتَ
ضَوْءِ الشَّمْسِ .
قَالَتْ النَّمْلَةُ لِنَفَسِهَا :
" يَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ جَمِيلٍ " .
واقْتَرَبَتْ لِتَتَأَمَّلَ المَاءَ عَنْ قُرْبٍ .
فَجْأَةً انْزَلَقَتِ النَّمْلَةُ ،
وتَدَحْرَجَتْ فَوْقَ الحَافةِ ، وسَقَطَتْ فِى المَاءِ ، ولَمْ تَسْتَطِعِ
الخُرُوجَ مِنْهُ .
فِى تِلْكَ اللَحْظَةِ كَانَتْ
حَمَامَةٌ تَطِيرُ فَوْقَ النَّهْرِ ، ورَأَتْ مَا تَتَعَرَّضُ لَهُ النَّمْلَةُ
مِنْ خَطَرٍ ، فَقَالَتْ : " لاَبُدَّ أنْ أسَاعِدَهَا " .
أسْرَعَتِ الحَمَامَةُ إلَى شَجَرَةٍ قَريبَةٍ ،
وحَمَلَتْ مِنْهَا وَرَقَةً بمِنْقَارِهَا ، ثـُمَّ ألْقَتِ الوَرَقَةَ عَلَى
سَطْحِ المَاءِ قُرْبَ النَّمْلَةِ الَّتِى كَانَتْ تُصَارِعُ المَوْتَ ، وصَاحَتْ
بهَا :
" اصْعَدِى فَوْقَهَا يَا عَزِيزَتِى
النَّمْلةَ ، فَتُصْبحُ لَكِ كَأَنَّهَا قَارِبُ نَجَاةٍ صَغِيرٍ ".
تَسَلَّقَتِ النَّمْلَةُ فَوْقَ
الوَرَقَةِ بَعْدَ جَهْدٍ كَبيرٍ .
ودَفَعَ الهَوَاءُ الوَرَقَةَ فَوْقَ سَطْحِ
المَاءِ ، إلَى أنْ وَصَلَتْ بسَلاَمٍ إلَى شَاطِئِ النَّهْرِ .
قَالَتِ النَّمْلَةُ وقَدْ نَجَتْ مِنَ الغَرَقِ :
" شُـكْـرًا لَكِ يَا سَيِّدتَىِ الحَمَامَة
.. أرْجُو أنْ أُسَاعِدَكِ ذَاتَ يَوْمٍ " .
بَعْدَ قَلِيلٍ جَاءَ صَيَّادٌ
يَحْمِلُ بُنْدُقِيَّتَهُ ، ورَأَىَ الحَمَامَةَ فَوْقَ الشَّجَرَةِ ، فَتَأَهَّبَ
لِصَيْدِهَا وهِىَ غَيْرُ مُتَنَبِّهَةٍ إلَيْهِ .
شَاهَدَتِ النَّمْلَةُ الرَّجُلَ ، فَأَسْرَعَتْ
وتَسَلَّقَتْ سَاقَهُ ، وعَضَّتْهُ بشِدَّةٍ ، فقَفَزَ الرَّجُلُ مِنَ الأَلَمِ ،
وطَاشَتْ رَصَاصَتُهُ بَعِيدًا عَنِ الحَمَامَةِ والرَّجُلُ يَصِيحُ :
" عَضَّتْنِى نَمْلَةٌ .. أضَاعَتْ مِنِّى
الصَّيْدَ " .
طَارَتِ الحَمَامَةُ مُبْتَعِدَةً
عَنِ الخَطَرِ وهِـىَ تَقُـولُ لِلنَّمْلَةِ :
" أشْكُــرُكِ أيَّتُهَــا النَّمَلَةُ
الصَّغِيرَةُ .. لَقَدِ اسْتَطَعْتِ مُسَاعَدَتِى حَقـًّـا .. ومَهْمَا كُنْتِ
صَغِيرَةَ الحَجْمِ ، فَقَدِ اسْتَطَعْتِ تَقْدِيمَ مُسَاعَدَةٍ غَالِيَةٍ
وثـَمِينَةٍ " .
أجَابَتِ النَّمْلَةُ :
" سَيِّدَتِى الحَمَامَة .. مَنْ يَصْنَعُ
الخَيْرَ ، لاَبُدَّ أنْ يَجدَ الخَيْرَ " .
* القدرة على حل ما يواجهنا من عقبات ومشكلات :
النملة وعود
القش
كانَ هناك رجلٌ ، رغم نجاحِهِ فى
الحياةِ ، يشكو دائمًا من المتاعبِ والمصاعبِ التى يُقابلُها .
ذاتَ يومٍ شاهَدَ نملةً تحملُ فى
مشقةٍ عودًا من القشِّ . وأثناءَ سَيْرِها ، وصَلَتْ إلى حفرةٍ كانَ من الصعبِ
عليها أن تعبرَها وهى تحملُ حملَها الثقيلَ ، فوقفَتْ ، وأخذَتْ تتلفت حولَها
تبحثُ عن طريقةٍ للخروجِ من هذه المشكلةِ .
أخيرًا وصَلتِ النملةُ إلى الحلِّ المُناسبِ ، إذ
وضعَتْ عودَ القشِّ فوق الحفرةِ ، وصنعَتْ منه قنطرةً عبرَتْ فوقَها .
ولما وصلَتْ إلى الناحيةِ الأخرى ، رفَعَتِ العودَ
، وواصلَتْ طريقَها فى أمانٍ .
قالَ الرجلُ لنفسه :
" إن المتاعبَ والمصاعبَ التى
تُقابلُنا فى حياتِنا ، كثيرًا ما تكونُ قناطرَ نعبرُ عليها، لنتقدَّمَ فى طريقِنا
" .
* التماسك المجتمعى :
الدِّيكْ وحَبة
الفوُلْ
يحكى أنه كان هناك ديك ودجاجة . وكان
الديك يتعجل دائمًا فى أكله .. كانت الدجاجة تقول له : " لا تتعجل فى الأكل
يا بيتو ! تمهل !! "
ذات مرة التقط الديك بمنقاره حبات من الفول فى
عَجَلَةٍ ، فوقفت إحدى الحبات فى حلقه ولم يستطع أن يبتلعها ، ولم يستطع التنفس إلا
بصعوبة ، وكاد يفقد حياته ..
فزعت الدجاجة ، وأسرعت إلى ربة البيت وهى تصيح :
" أدركينا يا سيدتى ! أسعفينا ببعض الزبد لكى أعطيه للديك .. عندما يبتلع
الزبد ، سيساعد ذلك حبة الفول على الانزلاق إلى حوصلته " .
قالت ربة البيت : " اذهبى بسرعة إلى البقرة ،
واطلبى منها بعض اللبن ، وسأقوم بمخضه
واستخراج الزبد منه ، فأعطيك ما تريدين من الزبد " .
جرت الدجاجة بسرعة إلى البقرة وقالت لها : "
عزيزتى البقرة ، أرجو أن تعطينى بعض اللبن ، لكى تصنع منه ربة البيت زبدًا ، أعطيه
للديك ، لكى يبتلعه ، فيساعد ذلك حبة الفول التى وقفت فى حلقه على النزول بسهولة
إلى حوصلته " .
قالت البقرة : " اذهبى بسرعة إلى صاحب المزرعة
، ودعيه يحضر لى عشبًا طازجًا، لكى آكله ، فيدر لى لبنًا كثيرًا أعطيه لك " .
جرت الدجاجة إلى صاحب المزرعة ، وقالت له : "
سيدى صاحب المزرعة ! أرجوك أن تعطى البقرة عشبًا طازجًا ، لكى تأكله ، وتعطينى
لبنًا تصنع منه ربة البيت زبدًا، نعطيه للديك ، فيساعد حبة الفول على النزول من
حلقه إلى حوصلته " .
قال صاحب المزرعة : " أسرعى إلى الحداد ، لكى
تحضرى لى منه منجلاً " .
جرت الدجاجة بأقصى سرعة إلى الحداد ، وقالت له :
" عزيزى الحداد ، أرجوك أن تعطى صاحب المزرعة بسرعة منجلاً جيدًا ، حتى يمكنه
أن يعطى البقرة عشبًا ، فتعطى البقرة لنا لبنًا ، تصنع منه ربة البيت زبدًا ،
يبتلعه الديك ، فيساعد حبة الفول المحشورة فى حلقه على النزول إلى حوصلته " .
أعطى الحداد لصاحب المزرعة منجلاً حادًّا ، فأعطى
صاحب المزرعة للبقرة عشبًا طازجًا فأكلته ، فأعطت لربة البيت اللبن ، فمخضته ربة
البيت واستخرجت منه الزبد ، ثم أعطت الزبد للدجاجة .
أسرعت الدجاجة وأعطت للديك قطعة كبيرة من الزبد ،
فابتلعها ، وعلى الفور انزلقت حبة الفول من حلقه ، فهب واقفًا ، وصاح بأعلى صوته :
" كو - كو - كو !! لن ألتهم أكلى بسرعة بعد اليوم - كو - كو - كو !! "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق