" أدب وثقافة
الطفل فى عصر العولمة "
دراسة يقدمها : يعقوب الشارونى
** مدخل : هل
يتزايد عدد القراء الصغار أم ينكمش ؟ وهل يزداد ما يخصصه الطفل القارئ من وقت
للقراءة أم يقل ؟
*
يموج عالم أدب الأطفال ، وعالم قراءات الأطفال ، على اتساع العالم ، فى السنوات
الحالية من القرن الحادى والعشرين ( 2018 وما قبلها ) ، بأسئلة كثيرة تدور كلها
حول بقاء الكتاب بشكله الورقى ، ومنافسة الكتاب الإلكترونى والقراءة على الشاشات
الإلكترونية المختلفة الأشكال والأحجام له .
- ولعل
السؤال الأهم الذى يجب أن نلقيه ، سواء تمت القراءة من على الورق أم الشاشات ، هو
:
"
هل يتزايد عدد القراء الصغار أم ينكمش ؟ "
"
وهل يزداد ما يخصصه الطفل القارئ من وقت للقراءة أم يقل ؟ "
ولابد
أن يرتبط بهذا سؤال ثالث أساسى هو : " ما نوعية ومضمون ما يقرؤه القراء
الصغار ؟ وما دوره فى تنمية مختلف
جوانب عقل الإنسان ومستقبله وتفكيره وتقدمه ، وتذوقه للآداب والفنون ؟ "
*
للإجابه عن هذه الأسئلة ، نحاول فى هذه الدراسـة إلقاء الأضــواء على بعض
المتغيرات الأساسية فى مجال القراءة وأدب الأطفال ، سواء
تعلق الأمر بالكتب الورقية أو بالقراءة على الشاشات :
* مثل
التنبه إلى أهمية الدور الرئيسى لإشراك مختلف
الحواس فى تنمية عادة القراءة عند الأطفال ،
وفى تقريب الكتب إليهم ، وإنشاء علاقة حب بينهم وبينها
.
* ولأهمية
مواجهة آثار " العصر الرقمى " و " عصر الصورة " على أدب
الأطفال ، نلاحظ أن الوسائل
المرئية قد عَوَّدت عيون الأطفال على مشاهدة الأشياء وليس الاستماع إلى وصف لها – كما
عودت آذانهم على الاستماع إلى الحوار المباشر ،
وهو ما قد يؤدى إلى عدم استساغتهم أن نحكى لهم مضمون الحوار بدلاً من الاستماع
إليه مباشرة .
* كذلك
لابد من التنبه إلى تأثير اللغة التى يتخاطب بها الصغار معًا من خلال الوسائط
الرقمية على لغة الكتابة للأطفال .
* ولابد
من متابعة آثار كثرة مشاهدة الأطفال لأفلام السينما ،
للتعرف على أثر ذلك فى تَشَكُّل تذوقهم للبناء الفنى الذى تحرص عليه تلك الأفلام .
* ويقود
كل هذا إلى أهمية التعرف على أساليب تقديم الكتاب المرئى المسموع ، والاستفادة فى
هذا من الوسائط المتعددة ، وهو ما سبق أن واجهته السينما عند
تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية ، وتم عندئذٍ اكتشاف أسس كتابة
السيناريو السينمائى ومدى اختلافه عن كتابة النص الأدبى المقروء فى كتاب .
*
كذلك فإن نجاح العالم الرقمى مع الأطفال يقوم على التفاعل والمشاركة وإعطاء الطفل
أدوارًا أكثر إيجابية : وهذا التفاعل والتواصل والمشاركة الذى يتم فيما بين
الشباب مباشرة ، وبعيدًا عن رقابة الكبار فى كثير من
الأحيان ، قد أصبح يؤثر فى حديث الشباب وكتاباتهم ،
وفى نظرتهم لعلاقاتهم بالكبار ،
وهو ما
ترك آثاره الكبيرة على " موضوعات " أدب الأطفال ، وعلى " أساليب
معالجتها " .
القسم الأول
** القراءة
بالحواس الخمس ، وإعطاء الطفل دورًا أكثر إيجابية فى التعامل مع الكتاب :
تنبه
مَن يقدمون الكتاب الورقى ، وكذلك الكتاب الإلكترونى والمواد المقروءة على الشاشات
، إلى أن الأساليب التقليدية تهمل دور معظم الحواس فى تلقى ما هو مكتوب ، وبالتالى
تحرم الطفل من استخدام أهم ما أعطته له الطبيعة لاكتساب الخبرات المتنوعة
.
لقد أدرك علماء
التربية ، أن الإدراك الحسى هو نشاط ذهنى ، يُضفى على الخبرات الحاسية البصرية
والسمعية والشمية واللمسية والتذوقية ، معانٍ تنبع من اتصال هذه الإحساسات بالجهاز
العصبى للطفل ، ومن اتصال معانيها اتصالاً يؤدى إلى رسم خطوط رئيسية للحياة
العقلية المعرفية ( د. عواطف إبراهيم محمد : " التربية الحاسية لأطفال الرياض
" )
*
لهذا تهتم التربية فى مرحلة ما قبل المدرسة ، برعاية
النمو الحاسى للطفل رعاية مزدوجة ، تتضمن
:
أ - تدريب
حواس الطفل على
ملاحظة الأشياء ، ولمسها ، والقبض عليها ، وتداولها بين يديه ، وشمها ، والاستماع
إلى ما يصدر عنها من أصوات ، وتذوقها ، حتى يتعرف على خصائص هذه الأشياء من
خلال لعبه ونشاطه الذاتى .
ب - تنـوع خـبـرات
الصغيـر ونشاطاتـه
الحركيــة ، والسمعيــة ، والتذوقيــة ، والشميــة ،
والبصرية ، التى يمر بها ، حتى
يكتسب معرفة متكاملة بالأشياء الموجودة فى بيئته ، ويساعد
هذا على تكامل نمو شخصيته ومعارفه وقدراته العقلية .
* الكتب الورقية
التقليدية ، بل والكتب الإلكترونية ، تهمل كثيرًا من القدرات الحاسية :
- وفى ضوء هذا التأكيد من علماء النفس والتربية
على دور حواس الرضيع والحضين وطفل الروضة فى اكتساب المعرفة والنمو العقلى
والسلوكى ، اتضح أنه ، سواء الكتب الورقية التقليدية أو الكتب الإلكترونية ، لا
تقدم لمختلف الحواس ما يساعد الطفل فى اكتساب الخبرة المتكاملة مما يقرأ أو يطالع
.
- فالكتاب الورقى الذى يعتمد على الصورة
المسطحة ، وكذلك الشاشات المختلفة التى لا تقدم أى تنويع للملامس : ناعم وخشن ،
بارز وغائر ، لين وصلب ، وبغير تجسيم يساعد على التعرف على الوزن والحجم والفروق
بين الحجوم ، تفتقد
عنصرًا من أهم عناصر الطبيعة التى منحتها للطفل لاكتساب مختلف أنواع الخبرة ،
والتفرقة بين هذه الأنواع ، وإدراك مدى ثراء هذا التنوع .
- كذلك
لم يكن الكتاب الورقى التقليدى يقدم شيئـًـا لحاســة السمع ، كما أن الشاشات لم
تكتشف بعد كثيرًا من الإمكانات المتسعة للوسائط المتعددة
.
* تحدى
تكنولوجيا الشاشات الرقمية :
لكن المشاركين
فى تقديم كتب الأطفال ، من مؤلفين ومصممين ورسامين وناشرين ، لم يلبثوا أن أدركوا
أن أفضل ما يتميز به الكتاب الورقى على الشاشات
، هو إمكانات تطويره لكى يقدم لمختلف حواس الطفل ما يثرى خبراته ، وهو إثراء
يستحيل أن تقدمه الشاشات ، مثل الملامس
والأوزان والمسافات ودرجات الحرارة والروائح ، بالإضافة إلى التجسيم ،
وهو ما تم اكتشافه نتيجة التساؤل حول سبب الإقبال الشديد ، لكل الأطفال وفى كل
الأعمار ، على اللعبة ، بداية من عمر صفر ، وعدم حماس معظمهم للإقبال بنفس الحماس
على الكتاب فى شكله الورقى التقليدى .
- وهكذا
بدأت ثورة حقيقية فى تكنولوجيا كتب صغار الأطفال ، تهدف إلى إشراك أكبر من عدد من
حواس الطفل فى التعامل مع الكتاب ، وذلك كما
تتعامل كل حواس الطفل مع اللعبة منذ الأيام الأولى لمجيئه إلى هذا العالم ، وعلى
وجه خاص حاسة اللمس التى يستخدمها صغار الأطفال على نطاق واسع ، وهو
ما لا تتيحه لمعظم الحواس شاشات الكمبيوتر والوسائل الرقمية الأخرى .
إنها
كتب تم إبداعها لتناسب أطفالاً لم يتعلموا القراءة بعد . كتب يقرؤها الأطفال ، ليس
بالكلمات ، بل
برؤية صفحاتها أو أجزاء منها تتجسم وتتحرك ، تختفى وتظهر ،
تضىء وتنطفئ ، وباللمس
بالأصابع ، والاستماع إلى
الموسيقى والأصوات والكلمات ، بل
والشم أيضًا ، فبهذه
الوسائل يدرك الأطفال العالم ، ويستطلعون ، ويكتسبون الخبرة ، ويتعلمون ، ثم يبدعون .
- بل حتى
بالنسبة للكبار أيضًا ، أصبح الكاتب يحمل القارئ على معايشة عالم الرواية من خلال
الحواس كلها : حواس أبطال القصة ، وحواس القارئ المتلقى أيضًا .
فإذا
كان تركيز الكاتب على ما هو إنسانى من مشاعر وأحاسيس وأفكار وانفعالات وعواطف ،
فكل هذا يتم نسجه استجابة
لما سبق أن تلقته مختلف الحواس من تأثيرات وخبرات ، نتيجة
التفاعل مع الأحداث والشخصيات .
* * *
* ونتيجة
لهذه الثورة فى تكنولوجيا كتب الأطفال ، أصبحنا نشاهد كل عام ، فى معرض بولونيا
الدولى لكُتب الأطفال بإيطاليا ، وفى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب بألمانيا ،
الآلاف من الكُتب التى تقترب من الألعاب ، فهى تتجسّم ،
وبها أجزاء تتحرّك ، أو تـصدر عنها أصوات أو موسيقى ، أو
يتحسّس الطفل صفحاتها ، أو يشمها .
كما وجدنا
كُتبًا صفحاتها ليست من الأوراق ، بل من القــُـماش أحيانــًـا ومن البلاستيك أو
غيره من الخامات مثل " الفوم " فى أحيان أُخرى ، أو البلاستيك الشفاف فى
أحيان ثالثة ليستطيع الطفل تكوين صور جديدة أو ألوان جديدة عندما تنطبق صفحة على
أخرى .
**
إعطاء الطفل دورًا أكثر إيجابية فى التعامل مع الكتاب :
- وبالإضافة إلى هذا التطوّر الأساسى فى كُتب صغار
الأطفال ، والتى أصبحت تتعامل مع مُختلف حواسه ، فإن هذه
الكُتب أصبحت تعتمد أيضًا على إعطاء الطفل دورًا إيجابيًّا فى التعامل معها
. فلم تعد تكتفى بما يتلقاه الطفل بحواسه من الكتاب ، بل
أصبحت تطلب منه القيام بنشاط أو عمل ما ، أو تُلقى عليه أنواعًا من الأسئلة
، ولكى يجد الإجابة عنها لابد أن يتفاعل مع الكتاب ، ويُضيف إليه بتدخـُّـل
إضافى منه حتى يكتمل استقباله لما فيه .
- ومن أبرز وأحدث الأمثلة على مثل هذه الكُتب التى بدأت
مُعظم دور نشر كُتب صغار الأطفال فى
تقديمها ، الكُتب القصصية التى تُقدِّم خلال النص ، وبجوار
الكلمات والأسماء ، رسومًا تدل على كل
شخصية
. ويتكرّر الرسم كُـلّما جاء فى النص ذكر تلك
الشخصية . وعندما يستمع الطفل إلى نص يقرؤه له أحد
الكبار ويرى تلك الرسوم ، يبحث فوق صندوق الموسيقى والأصوات المُثبَّت إلى غُلاف
الكتاب ، إلى أن يتعرَّف على الرسم الذى يدل على الشخصية التى جاء ذكرها فى
النص ، فيضغط
على ذلك الرسم ، عندئذٍ يستمع إلى العلامة الصوتية أو الموسيقيّة التى تدل على تلك
الشخصية .
بهذا
يستخدم الطفل ، بطريقة إيجابية ، البصر واللمس والسمع ، للبحث والتعرَّف ، فيرتبط
مع الكتاب وشخصيات القصة بكل هذه الحواس والأنشطة .
بالإضافة
إلى قيامه بعمل إيجابى يشارك من خلاله فى استقبال النص ، عندما
يبحث عن الرسم ، وعندما يضغط على هذا الرسم الذى يدل على إحدى الشخصيات فوق
صندوق الموسيقى والأصوات .
* كُتب المعلومات
لأصغر الأطفال :
وقبل رُبع قرن ، كانت
كُتب صغار الأطفال لا تُقدّم إلا قصصًا بسيطة ، أو صورًا مُتفرّقة لأشياء يجدها
الطفل عادة فى بيئته . لكن تلك الكُتب لم تكن تقترب مما نُسميه " كُتب المعلومات " .
أما الآن ، فإن أكثر من نصف الكُتب المُقدّمة
لسن ما قبل المدرسة ، أصبحت تتناول ما يُمكن أن نُسميه " كُتب المعلومات
" ، أو تساهم فى تنمية عدد من القدرات العقلية المهمة
، وتحرص على أن تقدم كل هذا فى ضوء ما سبق أن ذكرناه من القراءة بالحواس الخمس ،
ومن إعطاء دور أكثر إيجابية للطفل فى التعامل مع الكتاب .
* كُتب عن موضوعات
مُختلفة :
كذلك
أصبحنا نجد كُتبًا مجسمة متحركة لها أصوات ، تقدم معلومات عن الحواس الخمس
، أو أجزاء الجسم ، أو شكل الوجه والجسم
عند التعبير عن مُختلف الانفعالات ، أو تُقدِّم مُختلف المفاهيم أو الأرقام
أو حروف الهجاء .
* إن التكنولوجيا
الجديدة لكتب صغار الأطفال من الميلاد إلى السادسة أو السابعة من العمر ، أصبحت
تُشكّل ثورة حقيقية فى مجال كُتب الأطفال ، فقد أصبحت
تتعامل مع حواس الطفل الخمس ، كما أصبحت تُعطى للطفل دورًا إيجابيًّا مُتناميًا من
خلال المشاركة وتعامله التفاعلى مع الكتاب .
- كما
أصبحت تُقدّم ، بجانب القصص والصور ، كثيرًا من المفاهيم وكُتب المعلومات التى
تبدع ، فى تنوع مُدهش ، مختلف الأساليب الجديدة ، لكى تُناسب أطفالاً لا يقرءون
الكلمات ، لكن لديهم الاستعداد العقلى للتعرّف والبحث والمُقارنة والاستنتاج ، عن
طريق الحواس ، والتفاعل الإيجابى مع الكتاب .
القسم الثانى
** آثار
" العصر الرقمى وعصر الصورة " على أدب الأطفال :
أصبحنا
اليوم أمام جيل أو أجيال تَرَبَّت على قصص الرسوم المسلسلة فى مجلات الصغار ( الاستربس / الكومكس ) .
كما
أننا نعيش " عصر الصورة " ، بسبب الانتشار الواسع للوسائل المرئية
من تليفزيون وسينما وفيديو ، وبرامج وألعاب الكمبيوتر ، وتزايُد
اعتماد الصحافة على الصورة ، فمع
كل خبر أو مقال توجد
صورة أو صور .
-
يقول الدكتور شاكر عبد الحميد فى كتابه " عصر الصورة " : " الصورة
لم تعد تساوى ألف كلمة - كما جاء فى
القول الصينى المأثور - بل صارت بمليون كلمة وربما أكثر "
.
"
لقد أصبحت الصور مرتبطة الآن على نحو لم يسبق له مثيل بكل جوانب حياة الإنسان ، فأصبح
هناك حضور جارف للصور فى حياة الإنسان الحديث .. "
- " وقـد سـاهمـت علـوم الصـورة وتقنيـاتهـا
وتجليـاتهـا فـى عمليـات التربية والتعليم من خلال الصور التوضيحية والرسوم
المصاحبة للكلمات ، أو من خلال تقنيات الفيديو والسينما ، وأجهزة عرض البيانات Data
Show ،
والإنترنت ، وفى
عمليات التسويق ، وفى الحوار بين الجماعات
والشعوب ، وفى الاستمتاع وقضاء وقت الفراغ ".
-
ويضيف الدكتور شاكر : " لكن ما
زالت مباحث الصورة فى العالم العربى تعانى الضعف والوهن ، نظرًا إلى هيمنة اللغوى
على البصرى فى حقل الثقافة العربية المعاصرة " .
* * *
* وقد
عَوَّدَت الوسائل المرئية عيون الأطفال على مُشاهدة الأشياء وليس الاستماع إلى وصف
لها ،
لهذا أصبحوا ، فى كتبهم ، فى حاجة إلى صور ورسوم لكل ما يمكن أن تراه عيونهم ، ولم
يعودوا مستعدين " لقراءة وصف " لما يمكن أن يتعرفوا عليه بواسطة حاسة
البصر .
لذلك حدثت
زيادة هائلة مفاجئة فيما يصدر من كتب الرسوم المُسَلْسَلة (الاستربس / الشرائط ،
والتى يمكن أن نطلق عليها " النصوص التصويرية " ) ، التى يتلازم فيها
النص مع رسم لكل فقرة ،
ليس لصغار الأطفال ، بل للعمر المتوسط ( 8 - 12 سنة )
، وللشباب الصغير (
من 13 - 18 سنة ) ، الذين أصبحت الصورة تلعب بالنسبة لهم
دورًا مُهمًّا فى التشجيع على القراءة والتحمس لها ، وهو
ما
يقرره عدد كبير من الخبراء فى أنحاء العالم(برو
جودوين:" كتب الأطفال.. دراستها وفهمها " - 2008 ) .
وبدأنا نجد أهم
كلاسيكيات الأدب العالمى ، مثل قصص مسرحيات شكسبير وروايات كبار الكتاب العالميين
، يُعاد تقديمها فى كتب من هذا النوع الذى
انتشر انتشارًا هائلاً ، وهو ما جعل معظم دور النشر العالمية ( النشر الورقى ) تخصص
اهتمامًا يتزايد عامًا بعد عام لإصدار مثل هذه الكتب ، التى
يُـقْبــِـل عليها المزيد من شباب القراء الصغار كل يوم ، بعد
أن أصبحت الصورة تجذب انتباههم بنفس قوة جاذبية النص ، مثلما تحتل الصورة مكان
الصدارة على الشاشات .
وفى هذا يقول
أحد كبار المتخصصين فى أدب الأطفال الإنجليــزى : " تقــدم القصص التصويريــة
للقراء من جميع الأعمار الكثير مما
يمكنهم اكتشافه . بالإضافة إلى أن هذه القصص تلعب دورًا فى تشجيع القراءة
والتحمس لها بين صفوف المراهقين ( أو صغار البالغين ) من القراء " .
ويضيف : على
الرغم من أن النصوص التصويرية كانت تستهدف فى أول أمرها الأطفال الصغار ، فإن
معظم ما يُنشر منها اليوم يستهدف القراء الأكبر سنًا
، على الرغم من أن بعضها قد يروق
أيضًا لصغار القراء - وهى
نصوص يمكن أن تتناول أى موضوع أدبى .
- لقد
أصبح نقاد أدب الأطفال فى الغرب يعتبرون النصوص التصويرية عالمًا موازيًا
لعالم القصة ،
بعد أن أصبحت تحظى باهتمام كبير فى أمريكا وفى كثير من
دول أوربا .
- بل هناك الآن من يرون أن النصوص التصويرية
وسيلة ناجحة لجــذب من لا يقــرءون كثيــرًا . وهنـاك
عدد كبير من المدرسين يدركون أنها تعد من أفضل الأنماط الأدبية وأكثرها تحفيزًا فى
مجال تعليم القراءة ( المرجع السابق الإشارة إليه ) .
- تزايد
الاهتمام بارتفاع مستوى النص المكتوب " بجوار " الرسوم :
لكن أحد الفروق
الرئيسية بين النصوص التصويرية التى تُكْتَب " لصغار الأطفال " ،
والنصوص التصويرية التى تُقدَّم حاليًّا بكثرة " للشباب الصغير " ،
هو تزايد الاهتمام بارتفاع مستوى النص المكتوب " بجوار " الرسوم
واقترابه من مستوى النص الأدبى الجيد المتكامل ، لمعالجة ما كان يُوَجَّه دائمًا
إلى رسوم الكومكس والاستربس لصغار الأطفال من أنها تجنى على المستوى القرائى ، لاهتمامها بالرسوم على حساب تهميش
النص المكتوب . ومن أفضل ما تلجأ إليه هذه الكتب حاليًّا ، كتابة النص خارج كادر
الرسوم وليس داخلها فى بالونات .
- أما
فى العالم العربى ، فقد بدأ التنبه أخيرًا إلى هذه النوعية من الكتب ، لكن الاهتمام بها لا يزال محدودًا جدًّا حتى
الآن .
** أثر السينما
وألعاب الفيديو على القراء الصغار :
كذلك
أصبحت أفلام السينما من أهم الفنون التى يتعايش معها أطفالنا حاليًّا منذ الطفولة المبكرة
، قبل أن يجيدوا القراءة بوقت طويل ،
وذلك نتيجة اعتياد الأسرة على فتح التليفزيون طوال النهار طالما الكبار داخل
المنزل ، دون التنبه إلى أثر ذلك على صغار الأطفال ، أو لعدم إدراك البالغين لوجود
مثل هذا الأثر أصلاً .
ونتيجة
لذلك تَشَكَّل تذوق الأطفال للعمل الروائى المقروء بالبناء الفنى الذى تحرص عليه
أفلام السينما ، وعلى وجه خاص الأفلام
الموجهة إلى الأطفال .
- ولا
شك أنه كلما اقترب بناء العمل القصصى أو الروائى وإيقاعه من هذا الذى تَعَوَّد
الأطفال على مشاهدته والتفاعل معه ، كان ذلك عاملاً مهمًّا فى جذبهم إلى القراءة ،
وتذوقهم لما يقرءون من أعمال روائية أو قصصية .
لهذا
فإن الأديب الذى يكتب للأطفال ، لابد أن يتنبه إلى تأثير مُشاهدة أطفال
الأجيال الجديدة - على نحو مستمر
ومتواصل - لأفلام السينما ،
سواء شاهدوها عن طريق الفيديو بالمنازل ، أو شاهدوها مع الكبار فى عدد كبير من
القنوات الفضائية التى تخصّصت فى تقديم الأفلام .
* ومن
أهم آثار مشاهدة الأطفال لأفلام السينما ، أن عيون الأطفال تعودت أن " ترى
" الأشياء: أشكال الملابس ، طُرز العمارة ، مفردات
الأثاث ، عناصر البيئة ( صحراء - بحر
- قرية - مدينة ) ، وتأثيرات
المناخ ( سماء صافية / سُحب / أمطار .... ) ، وبالتالى
قَلَّ اهتمامهم " بقراءة وصف " لهذا الذى تعوَّدت عيونهم أن تستوعبه
جيدًا بغير حاجة إلى كلمات .
- لذا
فإن أدباء الأطفال لم يعودوا فى حاجة إلى إطالة الوصف لما يمكن أن تراه العين ..
فهل أصبح عليهم أن يتركوا مُهمة الوصف البصرى لعمل الرسام ، الذى أصبح دوره
ضروريًّا ومطلوبًا حتى بالنسبة لكُتب المراهقين والشباب ؟!
* كما
تَعَوَّد الأطفال على الاستماع إلى " الحوار المباشر " ( direct
speech ) ، سواء فى الأفلام أو التليفزيون - فلم يعودوا يتقبلون كثيرًا
أن نكتفى بأن نسرد لهم مضمون الحوار ( indirect
speech ) .
* كذلك
قد نتساءل عن تأثير الطول الزمنى للأفلام على عدد كلمات وعدد صفحات كتاب الطفل -
ذلك أن زمن عرض فيلم الأطفال يتراوح ما بين ( 50 ) دقيقة وساعة وربع أو ساعة ونصف - فهل
تأثرت قدرة الطفل على الاستمرار فى المطالعة ، وأصبحت محدودة بعدم القدرة على
الاستمرار فى القراءة زمنـًـا أطول من فترة عرض الفيلم ،
مع مُراعاة اختلاف القدرة باختلاف العمر ؟
-
مع ملاحظة أنه لابد من دراسـات ميدانيــة تــدور حــول أطفــال العالم العربــى
، ولا نكتفــى
بالاعتماد على دراسات تتم فى
أوربا أو أمريكا ، لاختلاف المناخ الثقافى المحيط بالأطفال .
** فنون تقديم
الكتاب المرئى المسموع :
وقد
ثار تساؤل : هل يكفى للطفل أن يرى ويسمع الكتاب ، وقد تم نقله كما هو برسومه
وكلماته على شريط فيديو أو على شاشة كمبيوتر ؟
شركات
الإلكترونيات والكمبيوتر ، مع إمكانياتها التكنولوجية الهائلة ، تشكو من أنه لا
خبرة لها فى مجال النشر عمومًا ، والنشر للأطفال على نحو خاصٍّ .
لذلك
فإنها ، من خلال ندوة مُوسَّعةٍ أقيمت أثناء إحدى دورات معرض
بولونيا الدولى لكُتب الأطفال بإيطاليا ، طلبت
التعاون مع دور نشر كُتب الطفل فى مُختلف بلاد العالم ، لوضع وسائل الاتصال
الرقمية الجديدة فى خدمة ثقافة الأطفال وكُتب الطفل
.
-
فالمسألة ليست مُجرَّد تسجيل الكتاب على شريط أو أسطوانة مدمجة ( C.D ) ، بل
وجدوا ضرورة استخدام " اللغة الخاصة " لهذه الوسائل وإمكانياتها ، من
حركة وموسيقى ومؤثرات صوتية وأساليب إخراج وتمثيل وعرائس ورسوم متحركة ، وتصوير
خارجى ومقابلات مع شخصيات مشهورة
أو مُحببة للأطفال وغير هذا من وسائل ، لتقريب
المواد التى تحتوى عليها الكُتب الرقمية إلى الأطفال ، وجعلها
أكثر تشويقًا وجاذبية ، فتصبح أكثر تأثيرًا على
مشاعرهم وعقولهم واتجاهاتهم وقيمهم ومعارفهم ، وذلك مثلما يفعل كاتب السيناريو
السينمائى ومخرج الفيلم عند تحويل عمل أدبى إلى فيلم .
- ويتطلب
هذا ظهور جيل جديد من الكُتـَّاب والخبراء والفنانين ، يُتقنون فنون تقديم الكتاب
المرئى والمسموع ، ويستخدمون مهارات وخبرات مُختلفة فى كثير جدًّا من النواحى عن
خبرات مؤلفى ورسامى ومخرجى كُتب الأطفال الورقية الحاليين مهما بلغت مواهبهم
وقدراتهم .
القسم الثالث
** تأثير اللغة
التى يتخاطب بها الصغار معًا من خلال الوسائط الرقمية على لغة الكتابة للأطفال :
بدأ
عدد كبير من علماء اللغة فى أوربا وأمريكا
يلقـون أسئلة مثـل : هل تؤدى المعايير المتساهلة للبريد الإلكترونى ، ولغة
الدردشـة ( الشات ) ، إلى تغيير الكتابة والهجـاء أو القضاء عليهما ؟ وما مدى
تأثير اللغة التى يتخاطب بها الصغار من خلال الوسائل الرقمية ، على تذوقهم وتقبلهم
لِلُغة وأساليب الكتب الموجهة إليهم ؟
- هذه
قضية لا توجد حولها فى اللغة العربية دراسات حتى الآن ، لا ميدانية ولا نظرية
، إلا بعض
مقالات متفرقة نادرة . وهى قضية يجب متابعتها بالدراسة والتحليل ، حتى لا نجد أنفسنا وقد افترقت لغة
الكتابة للأطفال عن لغة الكتابة التى ينغمسون فيها على الشاشات فيما بينهم
وهم يكتبون الرسائل الإلكترونية ( الإيميل )
ويدردشون عن طريق الإنترنت ، أو عن طريق مختلف وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت
بين أيدى عدد كبير من الصغار .
فمثلاً ،
هناك كثير من النصائح التى تدور حول كتابة البريد الإلكترونى ( باللغات الأجنبية )
، لتوجيه المُستخدمين حول كيفية كتابة نص الرسالة ، مثل النصح
بالتخلص من الإطناب والصيغ الجاهزة ، وتفادى
استخدام صيغة المبنى للمجهول ، واختيار
الصيغ المختصرة ( مثلاً فى الإنجليزية : isn't
– aren't ) ، أو
النصح باستخدام جُمل بسيطة قصيرة ،
وافتراض أن المعلومات الواردة فى نهاية الرسالة ربما لا يراها المُتلقى على الشاشة
وهو ما يوجب إعطاء أهمية خاصة للمعلومات التى
تظهر على الشاشة فى افتتاحية الرسالة ، وذلك عن طريق تقديم فقرة أولى قوية أو ملخص
، أو النصح بأن تكون الرسالة قصيرة ( لا تتجاوز عددًا محددًا من الحروف ) .
- كما
أن هناك تأكيدًا دائمًا على أهمية وضوح الرسالة ، وعلى " الصيغة الحوارية
" الكامنة فى استخدام البريد الإلكترونى أو مختلف وسائل التواصل الاجتماعى .
- بالإضافة إلى
أن مجمـوعـات أو غُـرف الـدردشـة تركز على
حـريـة التعبير ، وإن كانت تنبـه فى نفس
الوقت إلى الحاجة إلى الاحترام المتبادل ، والتحذير من الاستخدام غير الحذر للحرية
.
* الكتابة ،
والتفاعل أثناء الحديث وجهًا لوجه ، وكلام الشبكة :
لكن
من أهم ما يتردد فى هذا الصدد ، ما قاله مخترع الشبكة العنكبوتية العالمية "
تم برنرز - لى " : "
إن الشبكة العنكبوتية إبداع اجتماعى أكثر من كونه إبداعًا تكنولوجيًا "
.
ويضيف
" إن التواصل بين الناس ، يتم بين مجموعات من مختلف الأحجام والأعداد ،
تتفاعل إلكترونيًا بسهولة تتساوى مع تلك التى يتفاعلون بها وجهًا لوجه "
.
- لهذا
فإن الباحثين يشيرون إلى أن " كلام الشبكة " لم يعد هو نفسه "
الكلام المكتوب " ، كما أنه ليس نفس " الكلام الذى نقوله أثناء الحوار
وجهًا لوجه " ، بل أصبحت هناك فروق تبين أننا فى الطريق إلى " كتابة من
نوع جديد " ، لأنه بما أن الإنترنت وسيط
يكاد يعتمد اعتمادًا كليًّا على ردود الأفعال لرسائل مكتوبة ، فإن الاحساس
" بالمتلقين " لابد أن يجد له مكانًا أساسيًا فى أية مناقشة حول " كلام الإنترنت " ، إذ
إن السِّمَة الأساسية للإنترنت هى تفاعليته .
- أما
مدى التطورات التى سوف تصبح سِمَه " دائمة " للغة الإنترنت ، فهذا من
الصعب جدًّا تحديده ، لأن
اللغة كائن حى يتخلق من خلال الاستخدام ،
لذلك لا يمكننا التنبؤ بما سوف يتغير من اللغة ، بل يمكننا
فقط التعرف على ما يتم تغُّيره بعد أن يحدث ذلك بالفعل .
*
لذلك فإن " معجم أكسفورد للكلمات الجديدة " ، الذى أقر استخدام مئات
التعبيرات المسبوقة بحرف ( e - ) مثل
e – text
( نص إلكترونى ) و e – book ( كتاب إلكترونى ) ، يستعين
بحوالى عشرين من الخبراء ، مهمتهم أن يتفقوا على أن كلمة جديدة ما قد أصبح لها نوع
من الانتشار ، مما يسمح بأن يُقال إنها " كلمة جديدة دخلت نسيج اللغة " ،
وبالتالى يمكن وضعها فى " معجم الكلمات
الجديدة " .
* إن
عددًا كبيرًا من الدارسين يطلق على لغة الإنترنت " الكلام المكتوب " ،
أو " الحديث أو الحوار المكتوب " . وينصح
بعض الخبراء مَن يكتب على الشاشة قائلاً : "
اكتب كما يتحدث الناس " .
ويقول
آخرون إن " الخطاب الإلكترونى " هو " كتابة .. كثيرًا جدًّا ما
نقرؤها كما لو كانت منطوقة " ،
بمعنى : " كما لو كان المُرسِل يكتب وهو يتحدث
" .
- لكن
السؤال هو : إلى أى مدى من الممكن " أن نكتب كلام المحادثة المنطوق "
، وكل ما لدينا لوحة مفاتيح ليس بها إلا حروف الألف باء ، والأرقام ،
ومجموعة متناثرة من الرموز ، ووسيط ( هو الكمبيوتر أو غيره من أجهزة التواصل
الحديثة ) لا يتيح " كتابة " بعض السمات الأساسية لكلام المحادثة مثل
نغمة الصوت أو ملامح الوجه ؟ وأى نوع من الكلام مطلوب منا أن نكتبه على الشاشة ،
مع أن العالم يتكون من أنواع مختلفة جدًّا من البشر يتحدثون بطرق مختلفة ؟
- إن
" الحديث " الذى يتبادله الناس وجهًا لوجه : مرتبط بالزمن ، وتلقائى ،
وعابر ، وتفاعلى اجتماعى ، وله بـِنْيَة غير مُحْكَمَة ، وقابل للتعديل الفورى
الـمُعلن ، وثرى فيما يصاحبه من ملامح لا توجد طريقة متفق عليها للتعبير عنها
كتابة ، مثل " ملامح الوجه " و " تعبيرات الصوت " التى تصاحب
الحديث الشفوى .
- أما " الكتابة " ، فتقوم على
تفكير مسبق ، ولها بنية مُحْكمة ، وقابلة للتعديل المتأنى غير الـمُعلن ، ومتفق
على طريقة كتابتها على نحو متواتر متفق عليه .
**
فهل كلام الشبكة أقرب إلى كلام الحديث ، أو أقرب إلى الكتابة بمعناها التقليدى ؟
إن
معظم تنويعات " اللغة المكتوبة " كما اعتدنا عليها فى الكتب الورقية ،
يمكن الآن أن نجدها كما هى على الشبكة العنكبوتية
.
- أما
إذا فحصنا " البريد الإلكترونى " و " مجموعات الدردشة
" ، فمع أنها تظهر على الشاشة من خلال " وسيط الكتابة " ، فإنها
تعكس العديد من الخصائص الأساسية " للكلام " أو " للحديث
وجهًا لوجه " ، فهى مثلاً
محكومة بفعل الزمن من خلال توقع استجابة فورية أو طلبها ، وهى عابرة بمعنى أن
الرسائل يمكن حذفها مباشرة كما فى البريد الإلكترونى ، أو
لا يلاحظها أحد لأنها تتحرك على الشاشة كما فى جماعات
الدردشة .
* ومع
ذلك فهناك فروق رئيسية متعددة بين " كلام الشبكة " وبين " المحادثة
وجهًا لوجه " ، حتى فى المواقف الإلكترونية التى تتسم بأنها أكثر شبهًا
بالكلام .
-
وأول هذه الفروق ، أنه ليست هناك وسيلة فنية للسماح للمتلقى بأن يصل إليه معادل
إلكترونى لردود الأفعال فى " ملامح الوجه " و " نغمات الصوت "
التى تقوم بدور حاسم فى التفاعل أثناء الحديث وجهًا لوجه . فكثيرًا ما نؤكد
أنه " ليس المهم ما تقول ، ولكن الكيفية التى تقوله بها " ، فالإنسان
يعبر عن كثير مما يقصده من خلال التنويعات الصوتية ، مثل حدة الصوت ، وارتفاعه أو انخفاضه ، والسرعة ، والإيقاع ، والوقفات ،
ونغمة الصوت .
- إننا
، فى الكتابة التقليدية ، قد نستخدم " أحيانًا " أنواعًا من "
التهجى " و " علامات الترقيم " ، للتعبير عن " بعض "
إيقاعات الصوت " ، مثل الحروف المكررة ( آآآآآه ه ه ه - أهلااااااا - أخ خ خ خ - جداااااا ) ، وعلامات
الترقيم المتكررة ( بالتأكيد !!!!! - هل أنت متأكد ؟؟؟؟ -
هيه !!!!!! ) ، أو وضع كلمة بخط أسود وبين
علامات تنصيص مثل : (
هل هذه هى " الحقيقة " ؟ )
للتأكيد على أننا نستمع إلى حقائق وليس إلى أكاذيب . ويشبه
هذا على الشبكة ما يسمى LOL ،
للتعبير عن الضحك أو الصوت المرتفع ، مثل : [ ها ها ها - يااااااا - إيـ ـيـ ـيـ
ـيـ ـه ] – لكن كل هذا ليس كافيًا
للتعبير عن مختلف إيقاعات الصوت .
* كما
أن افتقاد كلام الشبكة لتعبيرات الوجه ، قد أدى إلى إدخال " الأشكال الباسمة " أو " الأيقونات
العاطفية " emoticons ، وهى
تجميعات من الحروف أو العلامات التى نجدها على لوحة المفاتيح ، ومقصود
منها ( من هذه الإيقونات ) إظهار تعبير معين ، مثلاً :
(-: ) للإشارة إلى البهجة والدعابة ، و ( : - ) للإشارة
إلى الحزن أو عدم الرضا .
وقد
يظهر ( بدلاً من هذه التجميعات ) ، رسم بسيط يعبر عن ملامح وجه فى
حالة بهجة أو ضحك أو حزن أو بكاء أو غيرها . وتوجد حاليًّا
عشرات من هذه الرسوم يمكن للمستخدم ( مُرسل الرسالة ) أن يختار من بينها ما يناسب
رسالته .
وهذه الأشكال قد
تُسْتَخْدَم للتعبير عن المودة .
ومهما
تكن وظيفة " الأشكال الباسمة " ، فإنها تُعتبر واحدة من أهم الملامح
المميزة للغة "
الدردشة " والبريد الإلكترونى ،
بوصفها وسيلة لتجنب اللبس وسوء الفهم اللذين ينشآن عندما نـُحَمِّل اللغة المكتوبة
عبء التعبير عن الكلام المنطوق .
- وقد ظهر فى الفترة الأخيرة الكثير من الصور
والرسوم " المتحركة " البسيطة المعبرة عن أحاسيس وردود أفعال مختلفة ،
خاصة فى رسائل الفيس بوك ، بما يعد تطورًا هامًا فى هذا المجال .
*
والسؤال الآن هو : إذا انتشرت مثل هذه الملامح للغة " الشات "
والبريد الإلكترونى على نحو يسمح باعتبارها " كلمات جديدة " دخلت اللغة
العربية ، فهل ستنتقل للاستخدام فيما نكتبه للأطفال فى الكتب الورقية وفى مجلاتهم
، وفى مختلف النصوص التى نقدمها لهم على الشاشات ؟
* إن
الدراسات التى أجريت ( فى الغرب ) على التفاعلات عن طريق البريد الإلكترونى
وجماعات الدردشة ، قد أوضحت أنها – حتى الآن - ينقصها ، بصفة عامة ، عدد كبير من
الملامح المميزة للغة المنطوقة .
"
فكلام الشبكة " أكثر من ناتج جمع الملامح المكتوبة والمنطوقة . إنه "
نوع جديد من التواصل " ،
يتميز مثلاً بأنه " يعطى معلومات بالقدر
المطلوب للأغراض الأساسية لتبادل الحوار ، ولا يعطى مساهمة أكثر مما هو مطلوب
" - كما أنه "
واضح الارتباط بالغرض من التفاعل " فيتجنب اللبس والغموض - وهو
مختصر ، ومُنظم .
- لكن
حتى الآن لا يمكن اعتباره قد استقر " كلغة جديدة " يمكن استخدامها فيما
هو " مكتوب " على الورق ( أو ما يعاد استخدامه على الشاشات الإلكترونية
مما هو مكتوب على الورق ) .
*
أما فى اللغة العربية ، فى مجـال استخـدام الأطفـال والشبـاب للإنترنـت ، لوحـظ
طغيان شديد لاستخدام اللهجات العامية ، وإهمال قواعد النحو والإملاء ، وإهمال
علامات الترقيم - وعلينا التدارس لكيفية مواجهة الآثار السلبية ، وتعظيم ما يمكن
الاستفادة منه مِن إيجابيات .
القسم الرابع
** تأثير التفاعل
الذى يقود إليه العالم الرقمى على قصص وأدب الأطفال :
التفاعل
والتواصل اللذان يقـود إليهما العالم الرقمى - وهو تواصل بين الشباب يتم بعيدًا عن
رقابة الكبار فى معظم الأحيان - قد أصبحا يؤثران فى أسلوب حديث الشباب وكتاباتهم ،
وفى أساليب تَعَلُّمِهم ، وفى نظرتهم إلى الطريقة التى يفهمهم بها الراشدون
والأسلوب الذى يفهم به الراشدون الشباب ، وهو ما ترك آثاره الكبيرة على "
موضوعات " أدب الأطفال ، و " أساليب معالجتها "
.
إن عددًا كبيرًا
من الدارسين يؤكدون أن تواصل الأطفال والشباب
الصغير عن طريق الإنترنت والوسائل الرقمية ، قد أصبح مؤشرًا يدل على أن الأطفال
أهل لتحمل المسئولية ، يبحثون عن التواصل ، أكثر من أنهم أبرياء يحتاجون إلى
الحماية .
لقد
أثر النت فى شبابنا ومستقبلنا ، وأصبح مصدرًا أساسيًّا " لإعطاء السلطة
" للشباب ، نتيجة حرية التعبير ، والتواصـل بين مجموعـات كبيرة استمدت القوة من تجمعها بغير قمع أو تسلط من
الكبار .
وهكذا
وجدنا الراشدين الذين اعتادوا أن يقولوا عن الشباب إنهم " أصغر كثيرًا من أن
يفكروا ، وأصغر كثيرًا من أن يعرفوا " ، قد تم إجبارهم على أن يروا وأن
يعرفوا - ويحترموا - القدرات المتسعة المتزايدة للأطفال والبالغين الصغار
( الشباب الصغير ) .
وبعد
أن كان الكبار يتصورون أن الشباب فى حاجة دائمة إلى حماية الراشدين ، أصبح الراشدون لأول مرة على مدى التاريخ يجدون
أنفسهم فى حاجة إلى الشباب .
كما أن " المشاركة " وليس "
التسلط " قد ظهرت بطرق مختلفة ، وبدأت القدرات الإنسانية
للشباب فى الانطلاق بعد أن كانت مقيدة ، كما
أصبح واضحًا أن المجتمعات التسلطية فى طريقها إلى التحول لتصبح مجتمعات ديمقراطية
.
ولا
شك أن هذا التغير العميق سيؤثر على نحو حاسم فى الموضوعـات الأدبيــة الموجهــة
للأطفــال
والشباب الصغير ، وفى رسم
الشخصيات ، فى علاقات الأجيال ببعضها ، وفيما يقوم بين أفرادها من صراع وأزمات تتركز
حولهما العقدة فى كثير من الأعمال الأدبية والفنية .
وبالتالى
سيؤثر فى إقبال الأطفال والشباب على قراءة ما يعبر عنهم ، وما يثير اهتمامهم هم ،
وليس ما يثير اهتمام " الكبار " .
** اتجاهات معاصرة
فى " موضوعات " قصص الأطفال :
كما أدى هذا
التفاعل والتواصل الخلاق ، إلى إثارة اهتمام الأطفال والشباب الصغير بموضوعات
جديدة معاصرة فى الأدب الموجه إليهم ، مثل
الموت ، وأبناء الطلاق ، ووجود أخ فى الأسرة معاق أو متخلف عقلِيًّا ، ومرض أحد
الوالدين مرضــًا
طويلاً
يجعل الشخص عاجزًا
عن خدمة نفسه ، وفَقْد الأب لوظيفته أو تعرضه لحملة تشهير ظالمة .. كل هذه كانت
موضوعات محرمة فى أدب الأطفال ، لكن كُـتـَّـاب الأطفال وجدوا الطرق التى يستطيعون
أن يكتبوا بها للأطفال مهما كان الموضوع حسَّاسًا أو
شائكًا
.
كان هذا هو أحد
الموضوعات الرئيسية فى اللقاء الذى تم مع أعضاء رابطة كُـتَّاب الأطفال بنيويورك
خلال عام 2009 ، حول الاتجاهات الحديثة فى موضوعات أدب الأطفال .
كما تناول
اللقاء أساليب تقديم المستقبل للأطفال
، وتنمية قدراتهم على الإبداع والتخيل والابتكار ، وتنمية أساليب
التفكير العلمى والمنطقى لديهم ، ووسائل زيادة التفاعل بين الطفل والكتاب
لمواجهة تحديات عصر الكمبيوتر والإنترنت .
مع أهمية تناول
موضوعات تدور حول المحافظة على البيئة
، والتسامح وتَـقَـبُّل الآخرين ، وأهمية العمل كفريق ، واللغة
غير المنطوقة التى يعتمد عليها الأطفال فى الاتصال بالآخرين مثل
ملامح الوجه وحركات الجسم ونغمات الصوت .
*
لقد أصبح أدب الأطفال قادرًا
على تناول
كل ما يخطر على البال من موضوعات ، وتكمن موهبة الكاتب فى
طريقة وأسلوب هذا التناول ، بما يتناسب مع قدرة الطفل على الفهم والاستيعاب
.
القسم الخامس
** الإقبال على
القصص والروايات التى تدور فى أجواء واقعية معاصرة ، أوتتناول موضوعات اجتماعية :
لوحظ بالنسبة
لإنتاج دور النشر العالمية ، إقبال متزايد من الشباب الصغير على الروايات التى
تدور فى أجواء معاصرة ، أو تتناول موضوعات اجتماعية ، بعد موجة من الاهتمام
بروايات الفانتازيا أو الخيال المنطلق التى تمثلها سلسلة روايات " هارى بوتر
".
-
ولعل السبب فى ذلك ، هو طغيان أخبار الأحداث اليومية شديدة الإثارة والمرتبطة
بواقع الناس وحياتهم فى مختلف بقاع العالم ، على
موضوعات الصحف ونشرات الأخبار فى الإذاعة
والتليفزيون ، وفى وسائل الاتصال الحديثة التى أصبحت فى " جيب
" كل شاب صغير ( من عمر 9 إلى 18 سنة ) .
-
كذلك فإن برامج تليفزيون الواقع - ومن أهم
برامجه ، مثلاً ، برامج " عالم الحيوان
" - قد طغت كثيرًا على برامج الخيال أو
الفانتازيا ، واجتذبت أعدادًا غفيرة من الأطفال الشباب . بل
أصبحت هناك قنوات متخصصة فى مثل هذه البرامج ، مثل "
ناشيونال جيوجرافيك " و " أنيمل بلانت " ( كوكب الحيوانات ) ، و
" ديسكفرى " ( الاكتشافات
) .
-
بالإضافة إلى تزايد اهتمام جماهير الناس فى مختلف المجتمعات ، وبالتالى الإعلام ،
بقضايا التنمية البشرية ، وحقوق الإنسان ، والعدالة الاجتماعية ، والصحة ،
والتعليم ، والبطالة ، وأمثالها من قضايا معاصرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحياة
الناس اليومية ومطالبهم الاجتماعية .
-
يقول " برو جودوين " فى كتابه " كتب الأطفال " :
"
على الرغم من أن عنصر الخيال يعد أحد جوانب أدب الأطفال الذى ظل سائدًا خلال
السبعينيات والثمانينيات ( من القرن 20 ) ، فإن " الواقعية الاجتماعية "
أصبحت هى الموضوع المهيمن على الكتابة ، فقد
أصبح الكُتـَّـاب يتناولون فى قصصهم قضايا
شخصية وأخرى عامة ، تتضمن الشئون العِرْقية والحرب والموت والإعاقة الجسدية
والثورات الداخلية والقلق النفسى المصاحب لمرحلة المراهقة وكذلك الاضطرابات
النفسية ... وذلك بشكل أكثر انفتاحًا من كُتَّاب الخيال " .
*
" لقد أصبح الكُتـَّاب يكشفون عن قضايا هامة معاصرة ، قد يعتبرها البعض أكثر
مناسبة لتكون موضوعات لقصص الكبار . إلا أن قصص الأطفال دائمًا ما كانت تعكس
سمة من سمات العصر الذى تُكتب فيه ، والأطفال -
شأنهم شأن الكبار - لا يقرءون لمجرد المتعة فقط
، بل أيضًا بغرض التعرف على سِمات مجتمعهم ، ولكى يفهموا أيضـًـا أسلوب
حياة الآخرين بشكل أفضل" .
-
كما يتركز اهتمام هذه الكتب على "
رحلة الفرد الداخلية " التى يخوضها نحو فهم ذاته بشكل أفضل ، وعلاقته بما
يسود العالم من تعقيدات " .
-
" وإذا نظرنا إلى قائمة المؤلفين الذين فازوا حديثـًـا بجائزة " كارنيجى
" لأدب الأطفال ( وهى
أهم جائزة لأدب الأطفال فى إنجلترا ) ، يتبين لنا أن الاهتمام بتلك الموضوعات
الاجتماعية والمعاصرة يعد سمة من سمات الأدب المعاصر بالنسبة لصغار البالغين
والأطفال الأكبر سنًّا ، وهو نفس الحال بالنسبة للروايات الفائزة فى أمريكا "
بجائزة نيوبرى " لأدب الأطفال " .
-
تقول " فالنتينا إيفاشيفا " فى كتابها " الثورة التكنولوجية والأدب
" :
"
الروايات الخيالية المعاصرة آخذة فى التناقص فى شعبيتها وتأليفها والاستمتاع بها . إن جمهور قراء الروايات ذات
الصبغة الخيالية قد أصبحوا ينظرون إلى هذه الروايات نظرة يشوبها عدم الثقة ، وقد
انتزعت مكانتها وحلَّت محلها المؤلفات البعيدة عن الخيال Non-fictional مثل التراجم والمذكرات
والكتب التاريخية " .
"
ولكى يستمتع المؤلف حاليًّا بالنجاح الأدبى على أعلى مستوى جاد ، ينبغى أن تكون
الرواية
" غير خيالية " ولو بقدر معين ،
فقد أصبح على الكاتب أن يؤلف كتابًا عن
موضوع معين درسه دراسة مستوفاة ، ويضمنه
تفصيلات واقعية بما فيه الكفاية ، ومع ذلك يُنْسِى القارئ أن الكتاب ليس من نسج
خيال الكاتب " .
* وفى العالم
العربى ، تغير أيضًا موضوع الأعمال الروائية والقصصية الموجهة إلى الأطفال والشباب
الصغير :
ذلك أن كامل
كيلانى ، ( 1897-
1959 ) الذى يمثل الجيل الأول من رواد أدب الأطفال فى مصر والعالم العربى ، قد
أصدر حوالى (150) كتابًا ، تستمد موضوعات قصصها كلها
مما كان الكيلانى يُطلق عليه " الأساطير " ، فقد قال : " ليس
أروع من الأسطورة يتمثل بها الإنسان " .
- أما
الجيل التالـى للكيلانى ، فقـد اهتـم بـأن يُعبّـر عن البيئـة المصريـة والطفـل
المصـرى المعاصـر وقضاياه ، وهى قضايا لها جانبها الإنسانى العام
، مثل تنمية الإبداع ، والتفكير العلمى ، والاهتمام بالمستقبل ، وبحقوق الإنسان
والطفل ، وقبول الآخر ، وعدم التمييز بين الفتى والفتاة ، وتنمية الشعور بالانتماء
إلى الوطن ، ودور العلم فى حياتنا ، والمُحافظة على البيئة ، وقضايا ذوى
الاحتياجات الخاصة ، والطفل العامل ، وأطفال الشوارع ، ومحو الأمية ، ودور المرأة
فى التنمية ، وهى الموضوعات التى
جعلها كاتب هذه الدراسة خلفية عدد كبير مما كَتـَبَه من قصص وروايات للأطفال
والشباب الصغير . ( يُراجع ما صدر له من قصص وروايات عن دار المعارف - مصر ).
تقول د . ماريا
ألبانو أستاذ الأدب العربى بالجامعات الإيطالية : " والفضل الكبير للشارونى
فى إدخال الرواية الاجتماعية فى أدب الأطفال فى العالم العربى. والهدف هو تنمية
الإحساس فى ضمائر الأفراد تجاه المشكلات الاجتماعية " . (يُراجع كتابها " القصة المصرية الحديثة للأطفال"
) .
- لكن
هذا التحول إلى الاهتمام بالواقع الاجتماعى ، يسير حاليًّا - فى العالم العربى -
جنبًا إلى جنب مع تقديم الحكايات الخيالية بحس معاصر
.
أهم المراجع
- دون تابسِكوت : "
جيل الإنترنت .. كيف يغير جيل الإنترنت عالمنا " - طبعة أولى ( 2009 ) - ترجمة : كلمات عربية
للترجمة والنشر ( 2012 ) .
-
برو جودوين : " كتب الأطفال - دراستها وفهمها " SAGE للنشر لندن ( 2008 ) - ترجمة : عائشة حمدى - نشر : مجموعة
النيل العربية ( 2011 ) .
-
فالنتنا إيفشيفا : " الثورة
التكنولوجية والأدب " - ترجمة عبد الحميد سليم - الهيئة المصرية العامة للكتاب ( 2006 ) .
-
د . شاكر عبد الحميد : " عصر
الصورة " -
سلسلة " عالم المعرفة " - المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب -
الكويت ( 2005 ) .
-
د . ماريا ألبانو : " القصة
المصرية الحديثة للأطفال " - ترجمة من الإيطالية - الهيئة المصرية العامة للكتاب ( 2009 ) .
-
كامل كيلانى : " مجموعة مؤلفاته للأطفال
" .
-
يعقوب الشارونى : " تنمية
عادة القراءة عند الأطفال " - سلسلة " اقرأ " - دار المعارف - القاهرة مصر - طبعة 4 (
2005 ) .
- : "
القراءة مع طفلك " -
سلسلة " اقرأ " - دار المعارف - القاهرة مصر - ( 2012 ) .
- : "
قصص وروايات الأطفال فن وثقافة " - سلسلة " اقرأ " - دار المعارف - القاهرة مصر - ( 2012 ) .
-
هذا بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من مراجع فى نص الكتاب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق