الدَّوران حول المُكَعب
يعقوب الشارونى
فى زيارة لأحد فصول روضة أطفال باليابان ، عمرهم من 5 إلى
6 سنوات ، كان الأطفال يجلسون فى دائرة ، وفى منتصف الفصل منضدة صغيرة ، عليها ،
فى مستوى بصر الأطفال ، مكعب خشبى كبير الحجم مغطى بغطاء أبيض .
تقدمت المُشرفة ورفعت الغطاء ، فاتجه بصر كل طفل ناحية
وجه المكعب المواجه لعينيه .
سألت المُدرسة طفلاً يجلس إلى يسار المكعب : " ما
لون المكعب الذى تراه أمامك ؟ " وبغير تردد قال الطفل ، وقد ركز بصره على وجه
المكعب المواجه له : "
أحمر " . عندئذ سألت المُشرفة طفلاً يجلس على يمين المكعب : " وأنت ..
ما لون المكعب ؟ " وبغير تردد أيضًا أجاب وهو يحدق فى وجه المكعب المواجه له
: " أزرق " . هنا أشارت المُدرسة إلى طفل يجلس فى صدر الفصل وسألته :
" وأنت .. ما لون المكعب ؟ "
وللمرة الثالثة يجيب الطفل الثالث بغير تردد أيضًا : " أصفر " ، ذلك أنه
كان ينظر إلى وجه المكعب المواجه له .
عندئذ تقدمت المُشرفة ناحية المكعب ، وأدارته نصف دورة ،
وعادت تسأل نفس الأطفال الثلاثة عن لون المكعب .
ولما كان وجه المكعب المواجه لعينى كل طفل قد تغير ، فقد
اختلفت إجاباتهم عن المرة الأولى ، فمن سبق وقال إن لون المكعب أحمر قال إنه أصفر
، ومن قال إنه أزرق أجاب هذه المرة بأنه أحمر ، ومن قال إنه أصفر قال إنه أزرق
.
عندئذ اختارت المُدرسة تلميذًا رابعًا وقالت له : "
وإذا سألتك أنت ، ما لون المكعب ، فبماذا تجيب ؟ " قال التلميذ الرابع :
" المكعب لونه أحمر وأزرق وأصفر " .
لكن تلميذًا خامسًا وقف وقال : " وأخضر أيضًا "
، فقد رأى هذا التلميذ الخامس وجهًا رابعًا للمكعب .
عندئذ سألت المُدرسة أطفال فصلها : " ما سبب اختلاف
إجاباتكم الأولى عن إجاباتكم الأخيرة ؟ "
وانطلقت من الأطفال إجابات كثيرة متنوعة ، وفى النهاية
قالت طفلة : " قبل أن أجيب ، يجب أن أدور حول المكعب ، لأراه من مختلف جوانبه
، ومن أعلاه أيضًا " .
قالت المُشرفة : " تذكروا هذا دائمًا : عندما نسألكم
عن لون مكعب نضعه أمامكم ، لا يكفى أن
تركزوا بصركم على وجه واحد للمكعب هو الوجه المواجه لكم ، بل لابد من الدوران حول
المكعب ، بل أن تقلبوه رأسًا على عقب لرؤيته من أسفل ومن أعلا ، حتى نستطيع أن
نراه من جميع جوانبه ، قبل أن نقول إننا قد عرفنا لون – أو ألوان – أوجه المكعب
" .
وفى نهاية النهار ، قالت لنا المُشرفة : " لقد
لَعِبَت معى مشرفات روضة الطفل وأنا طفلة هذه اللعبة مرات متعددة ، بمكعبات يختلف
ألوان أوجهها كل مرة ، وقد جعلتنى هذه اللعبة ، كلما تــَقَدَّمْتُ فى العمر ،
عندما استمع إلى وجهة نظر فى شىء ما ، أن أتمهل قبل تكوين رأيى والتصريح به ، وأنا
أقول لنفسى : " لابد أن أدور أولاً حول المكعب ، لأتعرف على مختلف أوجههه
" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق