سؤال الحيران
توفيق الحكيم
يا
أطفالي الصغار.. هذه حكاية أحب أن أحكيها لكم فاستمعوا لها جيدا لأنها عن
طفل مثلكم يناقش أباه في موضوع صعب.
تدور الحكاية الثالثة بين أب وابنه الصبي الصغير, الأب رجل طيب صافي القلب, والابن طفل ذكي فصيح اللسان, وكانت أمتع لحظات الأب ساعة أن يجلس مع ابنه يتحادثان كأنهما صديقان, كأن فارق السن بينهما غير موجود, كأنهما من عمر واحد.. متفقان متفاهمان لهما نفس العلم ونفس الجهل بالأشياء.
وفي ذات يوم نظر الأب إلي طفله, وقال:
شكرا
لله.. أنت لي يا بني نعمة من الله.
قال
الطفل: أنت يا أبي تتكلم كثيرا عن الله.
قال
الأب: نعم.. لأنه أعطاني خيرا كثيرا.
قال
الابن: أريد أن أري الله الذي تتكلم عنه كثيرا وأعطاك الخير الكثير.
قال
الأب: ماذا تقول يا بني؟
قال
الطفل: أقول يا أبي.. أرني الله.
تعجب
الأب لقول ابنه وطلبه الغريب, ولم يعرف كيف يجيب, ثم التفت إلي ابنه, وقال
وكأنه يخاطب نفسه:تريد رؤية الله..
قال
الطفل: نعم أريد رؤية الله.. أرني الله يا أبي.
قال
الأب: كيف أريك ما لم أره أنا نفسي؟
فقال الطفل: وهل أنت لم تره, فقال الرجل: لا لم أره أبدا.
قال الطفل: ولماذا يا أبي لم
تره؟
قال
الأب: لأني لم أفكر في ذلك.
قال
الابن: وإذا طلبت منك يا أبي أن تذهب لتراه بعد ذلك تأتي وتريني إياه؟.
وفكر الرجل ثم قال: سأفعل يا بني.. سأذهب.
وفكر الرجل ثم قال: سأفعل يا بني.. سأذهب.
ذهب الأب, يطوف بالمدينة ويسأل الناس:
ـ هل فيكم من يدلني أين أري الله؟
لم
يلتفت إليه أحد.. كان الناس مشغولين بأعمالهم وهمومهم ومن التفت إليه حسبه من الشحاذين يطلب حسنة فكان
يصرفه بلطف لايخلو من الحزم, وفهم احد الناس قصده
فنصحه أن يذهب لرجال الدين.. وذهب الرجل ولكنه لم يجد بغيته عندهم, وأخيرا مر بشيخ طيب قال له:
ـ
اذهب إلي طرف المدينة تجد شيخا
مؤمنا من الأولياء الصالحين, لا يسأل الله شيئا إلا استجاب له.. فربما تجد عنده طلبك..
ذهب الرجل في الحال إلي الشيخ المؤمن وقال له: جئتك في طلب أرجو ألا
تردني عنه خائبا.
رفع
الشيخ المؤمن رأسه وقال
بصوت لطيف: اسأل حاجتك, قال الرجل: أريد أن أري الله.
امسك الشيخ المؤمن لحيته البيضاء بيده وقال له:
ـ أتعرف معني ما تقول؟!
قال الرجل:
ـ نعم.. أريد أن تجعلني أري الله.
قال
الشيخ المؤمن بصوته
العميق اللطيف:
ـ أيها الرجل إن الله لا يمكن أن نراه بعيوننا الضعيفة..
قال
الرجل: لماذا؟ قال له الشيخ المؤمن: تريد ان تعرف لماذا.. انظر الي الشمس..
نظر
الرجل إلي الشمس كانت تسطع في السماء بنورها القوي,
قال الرجل ـ نور الشمس يخطف بصري.
قال
له الشيخ:
ـ ثبت نظرك عليها.. حدق فيها طويلا بعينيك..
طويلا.. طويلا.
فرك الرجل عينيه متألما وقال: نور الشمس يحرق عيني.
قال
الشيخ المؤمن: استمر في النظر الي نور الشمس.. استمر.. استمر.
قال
الرجل: لا استطيع.. نور الشمس حارق وسيعمي بصري.. سأغمض عيني.
قال
الشيخ: إياك أن تغمض عينيك استمر في النظر إلي الشمس.. استمر.. استمر.
قال
الرجل وهو يتألم: لم اعد أري شيئا.
قال
له الشيخ:
ـ الم تعد تري الشمس؟
قال الرجل:
ـ لا أري الشمس ولا أري شيئا.. النور اعمي
بصري.. حرق عيني.
قال الشيخ المؤمن: إن نور الشمس الذي حرق
عينيك هو شئ قليل ضئيل بالنسبة إلي نور الله الذي خلق
هذه الشمس وملايين غيرها من الشموس والنجوم, أعرفت لماذا لايمكن رؤية الله بعيوننا هذه؟
قال الرجل: نعم عرفت.. لا يمكن لعين بشر أن تري
نور الله.
قال
الشيخ المؤمن: مادمت قد اقتنعت بان رؤية الله بالعين
غير ممكنة فلا بأس أن نتكلم عن طريقة أخري.
قال الرجل: أرجوك
اخبرني عن هذه الطريقة الأخرى.
قال
الشيخ المؤمن:
ـ الطريقة الأخرى هي الإحساس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق