الطائرة الورقية
شهاب
سلطان
كانت الرياح تدفع ندف السحاب الرقيق الأبيض مثل القطن
فتتداخل مع بعضها وتكون تشكيلات جميلة نراها على البعد فنتخيلها جمالا أسطورية
تتسابق ، أو دببة تتصارع .. أو وجوها بشرية مبتسمة تطل علينا من بعيد .
وكانت أشعة الشمس الصفراء الذهبية تحاول إختراق السحاب
لتصل إلى الأرض فتنفذ من خلال السحب الرقيقة البيضاء وتصبغها بلونها الذهبى ،
وبصعوبة ينفذ بعضها من المناطق الرمادية ، أما السحب الداكنة فكانت تمنعها ـ وهكذا
تتدرج الألوان فى السماء من الأصفر الذهبى إلى البرتقالى .. ومن الرمادى الى
الأسود .
أضاءت أشعة الشمس التى استطاعت النفاذ من السحب ، سرب
الطائرات الورقية الذى تقوده طائرة كبيرة ، ألوانها كثيرة براقة ، ذيلها طويل
يتراقص خلفها فى خفة ، ليحفظ توازنها وهى تشق طريقها نحو السحاب فى هدوء .
أخذت الطائرات الأخرى تجاهد لتلحق بالطائرة القائد ، لكن
المسافة بينهن وبينها كانت تتسع رويدا رويدا ، فيدرن فى دوائر أفقية .
واستمرت الطائرة
الكبيرة الملونة وحدها فى طريقها نحو السحاب فى ثقة وثبات . نظرت خلفها . رأت
الفارق الشاسع بينها وبين مجموعة الطائرات التى كانت تقودها ، أدركت أنها ليست
مجرد مجموعة من العصى وعدد من أفرخ الورق الملون ، أدركت أنها الآن كيان يتحرك ..
ويعلوا موجات الهواء فى طبقاته العليا ، كيان .. طاقته تسمح له بأن يعانق السحاب
لولا هذه الخيط الرفيع الذى يشدها الى أسفل .
كان الخيط الرفيع يعلو راسما فى الهواء قوسا واسعا بطول
المسافة بينها وبين يدى صاحبها الواقف على الأرض . تمنت الطائرة وهى فى الفضاء أن
يكون لدى الطفل الذى أطلقها كميات أكبر من الخيوط تسمح لها بالارتفاع ونظرت اليه
ترجوه أن يرسل لها بالمزيد .
كانت الخيوط التى مع الطفل الواقف على الأرض قد إنتهت ،
بينما الطائرة مستمرة فى اندفاعها وتقدمها نحو السحاب ، وظلت تسحب فى الخيط الرفيع
حتى صار مستقيما يشدها الى أسفل .
جنت الطائرة . أدركت أنه لم يعد هناك مزيد من الخيط حتى
تواصل رحلتها ، صارت تدور فى دوائر أفقية واسعة ، تارة تنحنى الى أسفل .. وتارة
تعود الى الإرتفاع بقوة وسرعة فيلتوى الخيط الرفيع صاعدا خلفها . حتى يصير مستقيما
.. مشدودا يمنعها من الصعود .
ومرة بعد مرة . تحاول الطائرة أن تتخلص من ذلك الخيط
الرفيع الذى يشدها الى أسفل . وفى المرة الأخيرة اندفعت بكل ما لديها من قوة لم
يتحملها الخيط فانقطع وانحنى طرفه خجلا فى طريقه الى الأرض .
وانطلقت الطائرة الورقية صاعدة نحو السحاب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق