عيوش و الجارة الحسود
منيرة بوكحيل/ فرنسا
كان في قديم و سالف العصر و الأوان قرية تدعى " مملكة الرمان" و كانت امرأة تدعى أم دحمان تعيش سعيدة مع زوجها و ابنتها " عائشة " و لحبهما الشديد لها ينادونها " عيوش " , أم دحمان كانت آية في الجمال , طيبة القلب , صافية الروح مسامحة و كريمة , و كانت فتنة للعيون و القلوب جميعها
و كانت لأم دحمان جارة تدعى " مريانة" و هي أرملة تعيش مع ابنتها الوحيدة , و كانت قبيحة المنظر , سيئة الأخلاق حسودة و قلبها أسود مثل سواد الليل
كانت أم دحمان هنيئة بحياتها لا تهتم بأحد , و بالرغم من أن " مريانة " تختلق لها المشاكل لأتفه الأسباب , فهي كانت تسامحها دون حساب , و كانت دائما تفكر كيف تدمر هذا الزواج السعيد إلى درجة أنها فكرت في قتلها , و كل ما تمتاز به مريانة من صفات سيئة و خبيثة إلا أنها تملك صفة حسنة و هي حياكة الصوف و تبدع بما تصنعه لها و لابنتها و بعض الزبونات القليلات
و ذات يوم رأت " عيوش" سترة عند ابنة " مريانة"
فلهف قلبها لها و ترجت أمها أن تعطيها النقود لكي تحيك لها " مريانة " مثل سترة ابنتها و دون تفكير أعطتها النقود لأنها تحبها فوق الحدود
في الصباح الباكر قصدت " عيوش" منزل " مريانة" و
طلبت منها أن تحيك لها سترة مثل سترة ابنتها , فصرخت في وجهها و طردتها , بكت " عيوش" من تصرف جارتها السيء و عادت إلى المنزل حزينة
لم تتحمل " أم دحمان " عندما رأت حزن " عيوش" و قصدت " مريانة" و توسلتها ثم خاطبتها مترجية : أنا أحب " عيوش" و هي قرة عيني أتمنى أن تحيكي السترة و لو على حساب حياتي , صرخت مريانة بدورها في وجهها و طلبت منها الرحيل
عندما رحلت " أم دحمان " جلست مريانة تفكر فيما قالته جارتها و تردده في نفسها و لو على حساب حياتي و قالت بكل خبث : هذا ما أريده منذ زمن , و في
المساء قصدت باب منزل " أم دحمان" و طلبت منها السماح ووعدتها بحياكة سترة لها و لإبنتها المدللة , وطلبت من عيوش مرافقتها كالعادة لملء الماء من النهر المجاور للمنزل و لما وصلتا طلب منها أن تسمع كلامها و لا تخبر به أحدا
جلستا على حافة النهر و خاطبتها بكل خبث : يا عيوش هل فعلا تريدين حياكة سترة ؟ فردت عيوش بكل براءة : نعم , نعم …......................أريد ذلك , و قاطعتها مريانة قبل أن تكمل فرحتها سأحيك لك واحدة أروع من التي عند ابنتي شرط أن نلتقي غدا صباحا بجوار النهر هنا . و دون علم والديك . وافقت عيوش و عاداتا إلى المنزل تحملان الماء و كل شيء عاد , و في الصباح و عند ذهاب والديها للعمل في المزرعة قصدت عيوش النهر حسب الموعد
لما وصلت إلى النهر وجدت مريانة تنتظرها بلهفة و خاطبتها بنبرة ممزوجة بالحقد و الكره , سنتفق أولا على شرط ثم أحيك لك ما تريدينه , و أعطتها كيسا أسودا مغلقا , و قالت لها : هذه بعض الفاكهة و التمر هدية مني لأمك لكي تسامحني على ما كنت
أسببه لها من مشاكل ؟ ! فرحت عيوش و شكرتها بكل براءة و قبل رحيلها أكدت مريانة عليها بأن تفتح أمها الكيس دون وجود والدها هناك
رجعت عيوش إلى المنزل و هي تطير فرحا و خبأت الكيس و في المساء عادت أمها من المزرعة و كالعادة تاركة وراءها زوجها يكمل ما تبقى من العمل , و قبل ان ترتاح أعطتها عيوش الكيس و قالت لها : أمي لقد أرسلت لك مريانة هذا الكيس من التمر و الفاكهة لطلب السماح مما بدر منها من سوء لنا طوال الأيام الماضية
فرحت أم دحمان لطيبة قلبها و عفة نفسها و قالت : سامحها الله
و استعجلتها عيوش هيا يا أمي افتحي لنا الكيس , قبل أن يأتي أبي عاملة بوصية الجارة , فتحت
أمها الكيس لكي تخرج التمر و الفاكهة و إذا بها تصرخ صرخة واحدة و تسقط
على الأرض مغشية و إذا بها حية تخرج من الكيس هاربة نحو الخارج و كأنها
نادمة على ما فعلته , و أخذت عيوش تصرخ و تبكي لعل
أمها تستفيق و في هاته اللحظة وصل والدها
أفزعه المنظر الذي شاهده وطلب من ابنته تفسيرا للموضوع , فقصت عليه القصة كاملة لكن والدها لم يصدقها و استدعى مريانة , لكنها تظاهرت بالحزن و النبل و البراءة و بصوت يكاد يجهش بالبكاء قالت له عيوش من فعلت هذا بأمها قصد اللعب معها , فصدق الأمر و لم يفعل لها
شيئا
و مع مرور الأيام نسجت خيوط العنكبوت من حوله و تزوجت مريانة و أصبحت سيدة المنزل هي و ابنتها , بينما كانت عيوش تبكي على قبر أمها نادمة على إخفاء السر عن والديها و لولا هذا التكتم لما حدث ما حدث , و ماتت على قبر أمها حسرة و ألما . لذلك يجب مصارحة الوالدين لأنهما مصدر الخير لنا
منشورات
وزارة الثقافة الجزائرية 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق