آدزانومي
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
" 1 "
ـــــــــــــــــــــ
منذ أن تزوجت اويرهو ، بل وحتى
قبل ذلك ، تمنت أن يكون لها ابنة ، لكن أمنيتها هذه لم تتحقق ، وبعد حوالي عشر
سنوات توفي زوجها ، وبذلك إنتهى أملها أن يكون لها ابنة في حياتها .
وخلال هذه المدة الطويلة ، وكلما زارها الفرح ، وهو قلما يزورها ، وخاصة في
الأعياد ، كانت تقول في نفسها " آه لو كانت لي ابنة ، لأسميتها آدزانومي ،
ولشاركتني الأفراح هذه " .
وذات يوم ، خرجت اويرهو إلى الحقل ، لجمع بعض حبات البطاطا الحلوة ، وصادف
أن اقتلعت مرة حبة بطاطا كبيرة ، ذات استقامة ، وشكل جميل ، فقالت : آه كم سأكون
سعيدة ، لو أن حبة البطاطا هذه تتحول إلى ابنة صغيرة لي .
وتحركت حبة البطاطا الحلوة ، بين يدي اويرهو ، وقالت : سأكون ابنة لك ، إذا
وعدتني .
فقالت اويرهو بحماس : أعدك بما تريدين ، فقط كوني ابنة لي .
فقالت حبة البطاطا : عديني بأن لا تعيرينني يوماً ، بأنني كنت حبة بطاطا .
فقالت اويرهو بلهفة شديدة : اطمئني ، أعدك بأنني لن أعيرك بهذا ، مهما كان
السبب .
وعلى الفور ، وكما تمنت اويرهو ، تحولت حبة البطاطا الحلوة ، إلى فتاة
صغيرة ، لها نفس المواصفات التي تمنتها دائماً ، بيضاء البشرة ، ذهبية الشعر ،
وعيناها زرقاوان كسماء الصيف .
وفرحت اويرهو أشد الفرح بالطفلة الصغيرة ، وقالت لها : بنيتي ، سأسميكِ
آدزانومي ، وهو الأسم الذي أردت أن أطلقه على الطفلة التي ستكون لي ، وها أنتِ لي
.. يا آزدانومي .
" 2 "
ــــــــــــــــــ
كما تكبر فتيات الحكايات ، كبرت
آدزانومي ، وصارت صبية ، تتألق حسناً وجمالاً ، وقد ازداد حسنها وجمالها تألقاً ،
حين التقت بفتى في عمرها تقريباً ، أقبل من قرية تقع وراء الجبال البعيدة .
وقد رأته لأول مرة ، في سوق القرية ، وهي تبيع البطاطا الحلوة ، بدل اويرهو
، فتوقف على مقربة منها محدقاً فيها ، فرفعت عينيها الزرقاوين إليه ، وقالت : لديّ
بطاطا حلوة .
فابتسم الفتى ، وقال : اسمي كويكو .
وقالت آدزانومي : أتريد بطاطا ؟
فردّ كويكو قائلاً : أريدكِ أنتِ .
وابتسمت آدزانومي ، وقلبها يخفق فرحاً ، لكنها لم تردّ عليه ، فقال : قريتي
وراء ذلك الجبل البعيد ، ولي كوخ يطل على النبع ، تعالي وشاركيني العيش فيه .
ونظرت آدزانومي إليه ، وقالت : لا أظن أن أمي توافق على طلبك .
وأطرقت رأسها ، ولاذت بالصمت ، وتمنت بينها وبين نفسها ، أن توافق أمها
اويرهو ، فتذهب مع كويكو ، وتعيش معه في الكوخ المطل على النبع .
ومنذ ذلك اليوم ، وكويكو لا يكاد يفارق آدزانومي ، حتى تنتهي من بيع ما
معها من بطاطا حلوة ، فتودعه ، وتعود وحدها إلى الكوخ .
وذات يوم ، سار كويكو معها في طريق العودة ، حتى لاح الكوخ من بعيد ،
واويرهو تقف بالباب ، فتوقفت آدزانومي ، وقالت : تلك أمي ، وأخشى أن تكون قد رأتنا
، اذهب الآن .
وتوقف كويكو ، وقال : مهما يكن ، سأزوركم مساء اليوم ، وأطلب يدك منها .
فقالت آدزانومي بصوت خافت : لا ، دعني أفاتحها بالأمر أنا أولاً .
وتراجع كويكو بخطوات بطيئة ، وهو يقول : سأنتظرك غداً في السوق .
وواصلت آدزانومي طريقها ، حتى وصلت باب الكوخ ، حيث كانت تقف أمها ، وتابعت
اويرهو كويكو حتى غاب ، فنظرت إلى آدزانومي ، وقالت : ذلك الشاب الغريب لا يُطمئن
.
وتوقفت آدزانومي في مواجهة أمها ، وقالت : بالعكس ، إنه شاب طيب ، وهو
يريدني زوجة له .
واربدّ وجه اويرهو ، وقالت بصوت يشي بانفعالها : يبدو إنه ليس من قريتنا .
وردت آدزانومي قائلة : إنه من قرية بعيدة ، تقع وراء الجبال ، وله فيها كوخ
يطل على النبع .
وجنّ جنون اويرهو ، وصاحت : لن تكوني له ، إنه .. إنه شاب غريب .
ودفعت آدزانومي باب الكوخ ، ومضت إلى الداخل ، وهي تقول : إنه يريدني ،
وأنا أريده أيضاً ، وسأذهب معه حيثما يذهب .
ولحقت اويرهو بها ، وقد طاش صوابها ، وقالت بصوت منفعل : لا يمكن ، أنتِ لي
، اقتلعتكِ من حقلي ، وكنتِ مجرد حبة بطاطا .
وصمتت اويرهو ، وقد أدركت أنها قالت ما لا يجب أن تقوله ، فاقتربت من
آدزانومي ، وقالت : بنيتي ، أنا أحبكِ ، ولا أستطيع الحياة ، وأنتِ بعيدة عني .
وعندئذ استدارت آدزانومي ، ومضت عبر باب الكوخ ، دون أن تلتفت إلى اويرهو ،
وسارت مبتعدة بخطى ثابتة ، حتى غابت في الظلام .
" 3 "
ـــــــــــــــــــ
انتظرت اويرهو ، على أمل أن
تعود آدزانومي ، وتعتذر منها مرة أخرى ، لعلها تسامحها ، وتعود علاقتهما إلى مجراها
الأول .
لقد أخطأت خطأ كبيراً ، خاصة وأنها وعدتها أن لا تعيرها ، لكن ماذا تفعل ،
لقد جنّ جنونها ، حين علمت أنها ستبتعد عنها ، وتذهب مع كويكو إلى قريته ، وراء
الجبال البعيدة .
وجاء المساء ، وحلّ الليل والظلام ، لكن آدزانومي لم تعد ، وخرجت اويرهو من
الكوخ ، وبحثت عنها في الجوار ، ثم في أكواخ صديقاتها ، ثم في محيط القرية ، لكن
دون أن تقع لها على أثر .
وفي اليوم التالي ، وطوال ساعات الصباح ، انتظر كويكو في السوق ، لتأتي
آدزانومي كما اتفقا ، لكنها وعلى غير العادة لم تأتِ .
وحلّ منتصف النهار ، ولم تأتِ آدزانومي ، لابد أن أمراً خطيراً قد حدث ،
وإلا لأتت في الموعد المحدد ، والتقت معه في السوق .
وبعد منتصف النهار ، لم يعد كويكو يحتمل الانتظار ، فترك السوق ، واتجه إلى
كوخ آدزانومي ، وعلى مقربة من باب الكوخ ، رأى اويرهو مضطربة حائرة ، وما إن لمحته
قادماً حتى أسرعت إليه ، وقالت : أين آدزانومي ؟ أخبرني .
وردّ كويكو قائلاً : هذا ما جئت لأعرفه ، لقد وعدتني أن تأتي اليوم إلى
السوق ، لكنها لم تأتِ .
وأجهشت اويرهو بالبكاء ، وقالت من بين دموعها : لقد خرجت البارحة ، قبيل
المساء ، من البيت غاضبة ، ولم تعد حتى الآن .
ونظر كويكو إليها ، وقال : قلتِ
إنها خرجت غاضبة ، لماذا ؟
ورفعت عينيها الغارقتين بالدموع إليه ، وقالت بنبرة مذنبة : لقد وعدتها ،
حين رأيتها لأول مرة ، أن لا أعيرها بأنها كانت حبة بطاطا ، لكن ..
وتمتم كويكو مذهولاً : حبة بطاطا !
وكفكفت اويرهو دموعها ، وقالت : لابد أنها ذهبت إلى الحقل ، الذي أخذتها
منه .
وسارت في خطى واسعة ، متجهة إلى الحقل ، القريب من القرية ، وهي تقول :
سأعتذر منها ، وستسامحني ، لابدّ أن تسامحني وإلا متّ .
وسار كويكو في أثرها ، دون أن يتفوه بكلمة ، حتى وصلا إلى الحقل ، وفجأة
توقفت اويرهو ، وانحنت على الأرض ، ورفعت بيديها حبة بطاطا ، فيها ملامح آدزانومي
، فأجهشت في البكاء ، وهي تندب قائلة : بنيتي .. حبيبتي .. آدزانومي .. سآخذكَ معي
إلى الكوخ .. وأبقيك إلى جانبي .. حتى النهاية .
وفوجئت اويرهو بكويكو ينقض عليها ، وينتزع حبة البطاطا منها ، ويضمها إلى
صدره ، وهو يقول : لن أدعكِ تأخذينها ، لقد أخلفتِ وعدك لها ، وخنتها ، سأخذها معي
، لتبقى إلى جانبي ، في قريتي التي تقع وراء الجبال البعيدة .
واستدار كويكو ، وهو يضمّ إلى صدره حبة البطاطا ، التي تحمل ملامح آدزانومي
، وسار مبتعداً عن اويرهو ، حتى غاب عن الأنظار .
10 / 9
/ 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق