ليلى والسجادة الحمراء
يوسف المحيميد
كانت ليلى بنتاً صغيرة، ليست مثل كل البنات ، لا تستطيع أن تمشي مثلهن ، و لا تستطيع أن تفكر مثلهن . كان أبوها حزيناً . كانت أمها تساعدها و تنقلها من مكان إلى آخر . تنظفها و تمشط شعرها ، وتزينه بمشابك الشعر الملونة .
في المساء تجلس أم ليلى تطرز قمصاناً وسجاداً صغيراً من الصوف الملون ، كانت تغزل و تغني كي تنام ليلى : يا نوم دوّخ على الليالي نوّخ كانت تسمي ليلى الصغيرة : ليالي .
و ما إن تستمر الأم تغني و تهز رأس ليلى فوق فخذها ، حتى تنام ليلى و تحلم أحلاماً جميلة عن أسواق و تجار و أقمشة و سجاد .
كان الأب يخرج في الصباح إلى عمله ، أما الأم فإنها تبيع القمصان و السجاد على جاراتها و قريباتها .
بينما ليلى تأخذ المغزل وكرات الصوف الملونة ، وتلهو بها ، تحاول أن تغزل شيئاً ، و هي تقلد أمها .
حبن تجد الأم كرات الصوف متشابكة الخيوط لا تصرخ في ليلى ، و لا تخاصمها. كانت دائماً تبتسم و هي تقول: أنت يا ليلى ستكونين أفضل مني . ستصنعين سجاداً ثميناً و رائعاً .
كانت ليلى تفرح كثيراً ، و تفرح أكثر حين تلمس أمها يديها ، وترفعهما إلى فمها و تقبلهما ، و هي تقول : هاتان اليدان ستصنعان أروع القمصان و السجاد، ثم تأخذ ليلى في حضنها.
في المدرسة شاهدت ليلى أطفالاً رائعين ، كلهم مثلها ، لا يستطيعون أن يمشوا ، لكنهم يتحركون بخفة في كراسي متحركة ، كانوا يلعبون الكرة ، كانت ليلى تضحك و تصفق بفرح ، وهي ترى أحمد في كرسيه يقذف الكرة في السلة ويسجل هدفاً . كانت تفكر : أحمد لديه يدان قويتان يقذف بهما الكرة في السلة ، و أنا أيضاً لدي يدان ماهرتان تصنعان السجاد و القمصان .
في البيت لم تكن أم ليلى تخفي ليلى عن الزائرين ، لم تكن تخجل من طفلتها المشلولة بل كانت تضع ليلى مع الأطفال ، وتقول لهم : هذه حبيبتي ليلى ، الفنانة الرائعة ليلى ثم تمسح رأسها . تنظر ليلى نحوها دون أن تظهر أي انفعال، لا تبتسم و لا تحكي.
كانت تنقل نظراتها بين الأطفال ، و شعور داخلها بالفرح و الدهشة ، وهم يشكلون معها حلقة دائرية ، و يشاركونها لعبة الأيدي ، بأن يضعون أيديهم وسط الدائرة ، و يرفع أحدهم يديه فجأة و يقول : طارت الحمامة !
فيقلده الآخرون ، و كذلك ليلى .
يعود بيديه إلى الأرض ، ويرفع يديه فجأة و يقول: طار الكرسي !!
فيقلده بعضهم ثم يضحكون بفرح وكذلك ليلى تشعر بفرح كبير .
ذات صباح وجدت أم ليلى بين كرات الصوف قميصاً صوفياً ملوناً ، بخطوط عرضية ملونة أصفر ثم أحمر ثم أخضر و تتكرر الألوان ثانية ، أصفر ثم أحمر ثم أخضر .
فرحت الأم كثيراً و استغربت هذا القميص ، لكنها أخذته مع قمصان أخرى صنعتها ، وعرضتها أمام الجارات ، تخطفت النساء القميص الملون ، و كل واحدة أصرت على شرائه ، و أنها اختارته أولاً .
دخلت الأم على ليلى ، و احتضنتها و هي تضع أمامها النقود: انظري يا ليلى ، لقد تسابقت الجارات على شراء قميصك . شعرت ليلى بفرح عميق ، لكنها لم تظهر أي انفعال ، بل وضعت يديها حول عنق أمها .
بعد أيام أحبت ليلى كرا ت ا لصوف ذوات الأسلاك الناعمة ، بدأت تغزل سجاداً برسوم غريبة و متقنة ، كانت الأم تقف أمامها ساعات طويلة ، و هي تشعر بالدهشة تسقيها الماء و العصير ، وتحضر لها الطعام ، بينما ليلى منهمكة في غزل سجادة حمراء بزخارف سود .
عرضت الأم السجادة للأب و دهشا معاً ، و قررا أن يدعوا الأقارب و الأصدقاء و المدرسين ، ليروا سجادة ليلى الحمراء ، ويسألا عن رأيهم فيها ، وماذا يفعلان بها .
في اليوم المحدد حضر المدعوون جميعاً ، ودهشوا وهم يرون قطعة فنية نادرة، بل أن بعضهم لم يصدق أن ليلى صنعتها بيديها المباركتين . تشاوروا فيما يفعلون بهذه السجادة ، فاقترح رجل عجوز أن يقام لها معرض بسيط يدعى إليه كبار الفنانين و تجار السجاد ، ليصدروا حكمهم حولها .
حضر المدعوون ، تجار سجاد و رسامون و نحاتون ، وشاهدوا السجادة الحمراء المعلقة على الجدار ، تأملوا غرابة رسومها ، و دقة حياكتها ، و جودة صوفها ، فقالوا جميعهم : أنها فعلاً سجادة رائعة!! تنافس التجار على شرائها ، و أحب الرسامون ليلى ، وقالوا : أنها فنانة عظيمة .
منذ ذلك الوقت ، و حتى اليوم ، و ليلى تغزل و تطرز بيديها الماهرتين سجاداً فاخراً وهي تجلس على كرسيها ، والتجار و الأثرياء و السماسرة يتنافسون على شراء ما تصنعه يدا ليلى بإتقان ، بينما أمها و أبوها يشعران بفرح كبير ، وهما يريان ابنتهما ليلى تصنع أجمل مما تنتج مصانع السجاد في العالم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق