لايلي النائمة
قصة للفتيان
بقلم : طلال حسن
" 1 "
ـــــــــــــــــــ
أفاقت الأميرة لايلي اليوم
مبكرة ، كأن أحدهم هزها برفق ، وهمس لها : استيقظي ، يا لايلي .
واعتدلت في فراشها مندهشة ، ترى من أيقظها ؟ لعله الربيع ، مهما يكن ، فقد
نهضت ومضت إلى حصانها ، دون أن تتناول فطورها ، وانطلقت به .
ولحقت بها أمها الملكة على عجل متسائلة : بنيتي لايلي ، إلى أين ؟
وردت لايلي ، دون أن تلتفت إليها : لا تقلقي ، يا ماما ، سأذهب إلى الغابة
.
فقالت أمها الملكة : لكنكِ قلتِ البارحة ليلاً ، بأنك ستبقين في القصر .
لم تردّ الأميرة لايلي ، وواصلت الطريق ، طائرة على حصانها كالريح ، وتوقفت
في وسط الغابة ، وراحت تتلفت يميناً ويساراً ، وكأنها تبحث عما دعاها إلى المجيء
إلى الغابة .
وأرهفت سمعها ، إذ تناهى إليها وقع حوافر على الأرض المعشبة ، ومن بين
الأشجار ، ظهر فارس شاب ، على حصان أبيض ، وتوقف أمامها ، وراح يتأملها ، ثم قال :
لايلي .
واتسعت عينا لايلي دهشة ، وبدا لها ، في لمحة برق واحدة ، أنها عرفت سبب
مجيئها إلى وسط الغابة ، ومع ذلك قالت : أنتَ تعرف اسمي .
فقال الفارس ، وهو مازال يتأملها : الإله بوذا جاءني في المنام ، وأخبرني
باسمك ..
وتمتمت لايلي مندهشة : الإله بوذا !
وتابع الفارس قائلاً : وقال لي ، بأنك ستنتظرينني هنا ، فجئتكِ من وراء سبع
جبال عالية .
وابتسمت الأميرة لايلي ، والفرح يشع نجوماً في عينيها ، وصمت الفارس لحظة ،
ترجل خلالها عن حصانه ، ما فاجأ الأميرة لايلي ،
وقال بصوت دفىء : جئتُ لآخذك إلى حياتي .
وعلى الفور ، أخذت الأميرة لايلي ، الأمير الشاب ، إلى القصر ، حيث طلب
يدها من أبويها ، فقال الملك : هذا شرف لنا ، لكننا لا نعرف من أنت .
فقال الفارس الشاب : أنا أمير مملكة الفانالا ، التي تقع وراء الجبال السبع
.
وشهقت الملكة الأم ، وقالت : مملكة الفانالا بعيدة جداً ، وهذا يعني إنني
لن أرى لايلي ثانية .
ولاذ الملك بالصمت لحظة ، ثم قال : لايلي ابنتي الوحيدة ، ولا أريد
الافتراق عنها .
ونظرت لايلي إلى أبيها الملك ، وقالت محتجة : أبي .. وقاطعها الملك ، وقال
بحزم ، دون أن يلتفت إليها : لايلي ، اذهبي إلى غرفتكِ .
وذهبت لايلي إلى غرفتها ، ورقدت في فراشها تنتظر ، وما إن علمت بأن الفارس
، عاد من حيث أتى ، حتى أغمضت عينيها ، ونامت .
" 2 "
ــــــــــــــــــــ
بعد أن ذهب الأمير دينتال ،
عائداً إلى مملكته في بلاد الفانالا ، أسرعت الملكة إلى غرفة الأميرة لايلي ،
واستقبلتها المربية العجوز ، وقالت بصوت دامع : الأميرة لايلي نائمة .
وتطلعت الملكة الأم ، إلى ابنتها الأميرة لايلي ، ورأتها راقدة في فراشها ،
مستغرقة في نوم عميق ، فقالت : لكن الليل مازال في أوله .
فقالت المربية العجوز : لقد نامت الأميرة ، حين علمت أن الأمير عاد من حيث
أتى .
وعادت الملكة الأم إلى الملك ، وكان ما يزال في غرفة العرش ، وقالت له :
ابنتنا لايلي نامت .
ونظر الملك إليها ، وقال مغالباً دهشته : لعلها متعبة ، دعيها ترتح .
وقالت الملكة الأم : نعم ، إنها بحاجة إلى الراحة ، فلتنم وترتاح .
وفي صباح اليوم التالي ، وعلى غير العادة ، لم تأتِ الأميرة لايلي إلى
والديها الملك والملكة ، لتحييهما ، وتتبادل معهما المزاح والضحك .
ونهضت الملكة من فراشها ، ومضت إلى غرفة الأميرة لايلي ، دون أن تخبر الملك
بوجهتها ، وما إن دفعت الباب برفق ، حتى أسرعت إليها المربية العجوز ، وقالت لها
بصوت خافت حزين : الأميرة لايلي ، مازالت نائمة ، يا مولاتي .
ومدت الملكة الأم يدها ، ونحّت المربية العجوز عن طريقها ، واقتربت من سرير
ابنتها الأميرة لايلي ، نعم ، الأميرة لايلي ، وكما رأتها البارحة ، مازالت
مستغرقة في نوم عميق .
واقتربت المربية العجوز من الملكة ، وقالت لها بصوت خافت قلق : مولاتي ، إن
الأميرة لايلي هكذا منذ البارحة ، إنني قلقة .
وتمتمت الملكة الأم بصوت تخنقه الدموع : يا ويلي ، يجب أن نفعل شيئاً .
وقفلت الملكة مسرعة إلى الملك ، وقالت له بصوت مضطرب : تعال وانظر ابنتنا
لايلي ، إنها نائمة بشكل غريب ، منذ مساء البارحة .
وهرع الملك إلى غرفة الأميرة لايلي ، والملكة تركض وراءه قلقة ، وتوقف يحدق
في الأميرة ، ثم قال : أخشى أن الأمر خطير ، فلنستدع الطبيب .
وحضر الطبيب ، وحضر بعده أكثر من طبيب ، وأجروا فحوصات عديدة للأميرة لايلي
، وانتهوا إلى قرار واحد : إن الأميرة نائمة .
وقال الملك : هذا أمر غريب .
وتساءلت الملكة : متى تستيقظ ؟
فردّ الطبيب الخاص بالعائلة الملكة : بوذا وحده يعلم .
وصمت لحظة ، ثم قال : قد تستيقظ غداً ، أو بعد غد ، أو بع أسبوع ، أو بعد
شهر ، أو ..
وصمت الطبيب ، ولم يضف كلمة أخرى ، نعم ، الأميرة لايلي نائمة ، ولم تستيقظ
من نومها ، لا في اليوم التالي ، ولا في الأسبوع التالي ، ولا في الشهر التالي ،
بل ولا في السنة التالية ، وها قد مرت حوالي سبع سنوات ، والأميرة لايلي نائمة .
" 3 "
ـــــــــــــــــــ
ذات يوم ، حوالي منتصف النهار ،
دخل الحاجب على الملك والملكة ، وكانا في قاعة العرش ، وانحنى لهما ، وقال مخاطباً
الملك : مولاي ، الأمير دينتال ، أمير مملكة بلاد الفانالا .
واتسعت عينا الملكة ، وتمتمت : دينتال !
وهب الملك من مكانه ، وقال منفعلاً : الأمير دينتال ؟ أين هو ؟
ورد الحاجب مضطرباً : بالباب ، يا مولاي .
وبدل أن يقول الملك للحاجب كالعادة " فليدخل " ، نحّاه عن طريقه
، وأسرع بخطاه الشائخة إلى الباب ، ووراءه أسرعت الملكة ، وإذا الأمير دينتال يقف
بالباب ، نافد الصبر ، فرحب به قائلاً : أهلاً ومرحباً بك ، أيها الأمير العزيز ال
..
وقاطعه الأمير دينتال متسائلاً : أين الأميرة لايلي ؟ لقد جاءني الإله بوذا
، وطلب مني أن آتي إليها .
ونظر الملك إلى زوجته محرجاً ، لا يدري ماذا يقول ، فقالت الملكة الأم :
إنها نائمة ..
ونظر الأمير دينتال إلى الملك ، الذي قال : نعم ، إنها نائمة منذ أن
غادرتنا .
فقال الأمير دينتال : خذاني إليها ، أريد أن أراها .
وسارت الملكة الأم ، متجهة إلى غرفة الأميرة لايلي ، وهي تقول : تفضل ،
سآخذك إليها .
وسار الأمير دينتال وراءها ، وفي أثرهما سار الملك ، ودخلوا غرفة الأميرة
لايلي ، فنهضت المربية العجوز مندهشة ، ووقفت جانباً .
وتوقفت الملكة أمام سرير الأميرة لايلي ، التي كانت مستغرقة في نوم عميق ،
وقالت : ها هي الأميرة لايلي ، وهي نائمة منذ حوالي سبع سنوات .
وتقدم الأمير دينتال من الأميرة لايلي ، وانحنى عليها ، ثم قال بصوته
الهادىء الدافىء : لايلي .
وعلى الفور ، تحركت رموش الأميرة لايلي ، وسرعان ما فتحت عينيها ، وما إن
رأت الأمير دينتال ، حتى تساءلت فرحة :
دينتال !
فردّ الأمير دينتال قائلاً : نعم ،
دينتال .
واعتدلت الأميرة لايلي ، وقالت : كنتُ أظنّ أنك عدت إلى مملكتك ، في بلاد
الفانالا .
فقال الأمير دينتال : لن أعود إلى مملكتي ، إلا وأنتِ معي ، يا لايلي .
ونظرت الأميرة لايلي إلى أبيها ، وقالت : بابا .
وهزّ الملك رأسه مغالباً دموعه ، ولم يتفوه بكلمة ، ونظرت لايلي إلى أمها ،
وقالت : ماما .
فقالت الملكة الأم من بين دموعها : سأفرح لفرحك ، أينما كنتِ ، يا عزيزتي
لايلي .
27 / 8 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق