لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الأحد، 24 سبتمبر 2017

"الساحر" قصة للفتيان بقلم : طلال حسن



الساحر
قصة للفتيان
بقلم : طلال حسن

     " 1 "
ـــــــــــــــــــ
    لسبب ما ، أراد جحا أن يتعلم السحر ، ربما ليغنيه عن العمل المتعب مع حماره " الحمار " ، ويمكنه من مجابهة زوجته الشرسة ، وإيقافها عند حدها .
لكنه لم يعرف ، أين يتعلم السحر ، حتى إنه فكر أن يذهب إلى عمشة ، الساحرة العجوز ، التي تعيش في خيمتها وسط الصحراء ، مع عنزتها المجنونة .
وذات أمسية ، طُرق الباب ، يا للعنة ، أهذا وقته ؟ إنه وحده في البيت ، وقد قلى سمكة الشبوط ، ونثر فوقها البهارات التي يحبها ، ترى من القادم ؟
طُرق الباب ثانية ، فخبأ جحا سمكة الشبوط المقلية ، ثم فتح الباب ، وإذا هو وجهاً لوجه مع الساحر ، وحدق فيه ملياً ، إذا لم يكن هذا هو الساحر ، فكيف يكون الساحر إذن ؟ 
وتمتم جحا قائلاً : أهلاً ومرحباً بالساحر .
وفتح لساحر عينيه الكبيرتين ، المكحلتين ، على سعتهما ، وقال  : أهلاً بك .
وتنحى جحا قليلاً ، وقال : تفضل ، ادخل ، على الرحب والسعة .
ودخل الساحر بملابسه الغريبة ، ولحيته الكثة ، وقلائد الخرز الملونة حول عنقه ، وقبل أن يجلس ، قال : جحا ، أنا جائع .
كيف عرف اسمه ؟ لا عجب ، إنه ساحر ، ويبدو أنه ساحر عظم ، وعلى الفور ، أخرج جحا سمكة الشبوط المقلية ، ناسياً أنه يتضور جوعاً ، ووضعها أمام الساحر ، وقال : كلها، حلال عليك .
وانكبّ الساحر على السمكة ، يفترسها بتلذذ ، فمال جحا عليه ، وقال : أريد منك ، بعد أن تشبع طبعاً ، أن تعلمني ولو بضع عبارات من السحر .
وهمهم الساحر ، وهو مستمر على افتراس سمكة الشبوط : آه سمكة لذيذة .
وهنا حطّ غرابان فوق إفريز الكوة الصغيرة للغرفة ، فتوقف الساحر عن افتراس السمكة ، وفحّ كما تفح الأفعى : هشبور .. خنشور ..
وانتفض جحا خائفاً ، فاستطرد الساحر فاحّاً كالأفعى : يا عدوا النور .
ومال الغرابان برأسيهما الأسحمين ، كأنهما ينصتان إلى ما يُقال ، فصاح الساحر : إنهما ينصتان .. هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وصاح الساحر بأعلى صوته : ها ..
فهبّ الغرابان من مكانيهما مذعورين ، ولاذا بالفرار ، فقال الساحر : ها هما يهربان .. هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وهبّ الساحر من مكانه ، وقد أجهز على سمكة الشبوط المقلية ، وقبل أن يخرج ، ويصفق الباب وراءه ، صاح : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .

     " 3 "
ــــــــــــــــــــ
     طوال أيام ، راح جحا يردد كلمات الساحر ، التي حفظها عن ظهر قلب  " هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور "  حتى أن زوجته ، التي انتبهت إليه ، ظنت أنه أصيب بالجنون .
ولعل جحا ، أراد أن يختبر تأثير هذه الكلمات السحرية على الآخرين ، لكنه لم يختر لذلك لا ابنه جحيح ، ولا زوجته أم جحيح ، وإنما اختار حماره ، فهو مخلوق هادىء ، حكيم ، صبور ، طالما تفهمه ، في أصعب محنه مع زوجته الشرسة أم جحيح .
وعلى الفور تسلل إلى السرداب ، دون علم زوجته أم جحيح ، خشية أن تبطل بشراستها مفعول الكلمات السحرية ، وفي العتمة الشفافة ، رأى حماره يقف هادئاً ، صافناً ، مفكراً ، لابد أن يتأمل في حماقات البشر ، وكيف يمكن إصلاحها .
واقترب جحا منه ، وربت برفق على رأسه ، ثم قال محاكياً صوت الساحر : هشبور .. خنشور .. يا سارق النور .
والتفت الحمار إليه ، وقال : جحا ، إنني حمار ، اذهب وجرب هذه الكلمات مع غيري .
وتوقف جحا مفكراً ، ثم تراجع ، واتجه إلى الخارج ، لكنه سرعان ما جمد مصعوقاً ، لقد تكلم الحمار ، إنها كلمات سحرية مؤثرة حقاً ، أنطقت الحمار العجوز نفسه ، وعلى الفور ، انطلق خارج السرداب ، يبحث عن زوجته أم جحيح  .
 ورآها في غرفتها ، تتأمل وجهها في المرآة ، فاقترب منها ، وهمس لها قائلاً : هشبور ..
وأبعدت أم جحيح المرآة عنها ، وحدقت فيه قائلة : ماذا ؟ هشبور  !
فتابع جحا قائلاً : خنشور .. يا سارق النور .
وتراجع جحا خائفاً ، إذ تقادحت عينا زوجته أم جحيح ، وهي تقترب منه ، وتقول ، وقد كشرت عن أنيابها ، وكأنها لبؤة شرسة : جحا ، أيها المخبول ، أنت سرقت شبابي ، اغرب عني ، قبل أن أفترسك .
وفي لمح البصر ، غرب جحا عنها ، إن هذه الكلمات السحرية ، لم تؤثر إلا في الحمار وحده ، ترى ما السبب ؟
وفكر جحا لحظة ، لعل الساحر كذاب ، لقد أكل سمكة الشبوط المقلية ، ولم يقدم له سوى كلمات كاذبة ، ربما لا معنى لها ، وإلا ما معنى ..  هشبور .. خنشور .. يا سارق النور ؟
وصمت لحظة ، لكن هيئته ، ملابسه الغريبة ، لحيته الكثة ، قلائد الخرز الملون حول رقبته ، وعيناه الواسعتان المكحلتان ، كلّ هذا يدل على أنه ساحر ، ساحر كبير ، إذن أين العلة ؟
ولمعت عينا جحا ، نعم ، لقد وجدها ، وجد العلة ، الظلام هو العلة ، لقد أثرت الكلمات السحرية في الحمار ، بسبب ظلام السرداب ، ولم تؤثر في زوجته أم جحيح ، لأن الغرفة ليست مظلمة ، آه لن يردد كلمات الساحر ، بعد الآن ، إلا في الظلام .  

      " 3 "
ـــــــــــــــــــــ
    لم ينم جحا ، رغم أن الليل كاد ينتصف ، ليس لأنه يشعر بالخوف ، فقد ذهبت زوجته أم جحيح ، منذ المساء ، عند أختها ، وأخذت معها ابنها جحيح ، بل لأنه ، وربما بسبب الخوف ، راح يردد : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور " .
وفي الأثناء ، تسلل لصان إلى بيت جحا ، وتوقفا عند باب غرفته ، ينصتان إلى دمدمة غريبة ، غير مفهومة ، تقول : هشبور .. خنشور .. يا عدوا النور .
وتبادل اللصان نظرات خائفة ، حائرة ، مترددة ، وقال الأول : هشبور .. وخنشور ؟
وقال الثاني : يا عدوا النور .
وقال الأول بصوت مرتعش : يبدو أنه عرفنا .
ونظر الثاني إليه ، وقال : إنني لست هشبور ولا خنشور ، وكذلك أنت .
فقال الأول بصوت خافت : أنت محق ، وإن كنا لا نحب النور كثيراً ، والآن لننصت .
ومالا نحو الباب ، وراحا ينصتان ، وسمعا جحا يدمدم قائلاً : إنهما ينصتان .. هشبور .. خنشور ..
وتراجع اللصان خائفين ، والثاني يهمس خائفاً : لقد عرف بوجودنا هنا .
وقال الثاني ، وهو يتراجع خائفاً : الظلام كثيف جداً ، فكيف تسنى له ذلك ؟
وهنا صاح جحا بأعلى صوته : هشبور .. خنشور ..
وانتفض اللصان مرعوبين ، وصاح الأول : لقد أحاط بنا هشبور .. وخنشور .. و .. أهم جن ؟
وانطلق الثاني كالسهم عبر النافذة ، وهو يقول : فلنهرب وإلا وقعنا في أيديهم .
ولحقه الأول على عجل ، قافزاً عبر النافذة ، وسرعان ما ذابا في الظلام الحالك ، وساد الهدوء والصمت ، ولم تعد تسمع من الظلام نأمة واحدة .
وفتح جحا باب الغرفة ببطء ، وتردد ، وقد استبد به الخوف ، وحين رأى الغرفة مفتوحة ، قال بارتياح : آه لقد جاءا .
ودُفع الباب ، ودخل جحيح وأمه ، وتوقفت  أم جحيح ، تحدق في جحا ، وقد اتسعت عيناه رعباً ، ثم قالت : يبدو أنك رأيت كابوساً .
وردّ جحا بصوت متحشرج : هشبور .. خنشور .. ونظرت الأم إلى جحيح ، فهزّ رأسه ، وقال : فلنأخذه غداً إلى السيد حامد ، ليخرج الجن منه .
وصاح جحا مرعوباً ، وهو يدخل الغرفة الأخرى ، ويصفق الباب وراءه : لا .. السيد لا .
فقالت الزوجة : إنني لا ألومه ، السيد سيفري جسمه بسياطه ، ولن يخرج الجن منه .
ومن الغرفة الأخرى ، ارتفع صوت جحا يصيح بصوت مجنون : هشبور .. خنشور .. يا سارقا النور .

 
                                  21 / 8 / 2016


ليست هناك تعليقات: