لنشر عملك بالمدونة Ahmedtoson200@yahoo.com



الاثنين، 25 سبتمبر 2017

"السمكة" قصة للفتيان بقلم: طلال حسن



السمكة
قصة للفتيان
بقلم: طلال حسن   
     " 1 "
ــــــــــــــــــــ
    تهيأ الكاهن العجوز للنوم ، فيومه كان طويلاً ، ومتعباً ، في معبد الإله مردوخ ، وقبل أن يدخل فراشه ، سمع طرقاً على الباب .
وتوقف مستغرباً ، فمن يمكن أن يأتيه ، في مثل هذا الوقت من الليل ؟ وحين فتح الباب ، وقد رفع بيده القنديل ، رأى أمامه صياد السمك .
ومال الصياد عليه ، وقال : عفواً مولاي ، الوقت متأخر ، لكن الأمر هام .
وحدق الكاهن العجوز فيه ، بشيء من الضيق ، دون أن يتفوه بكلمة ، فقال الصياد : معجزة ، معجزة إلهية ، يا مولاي .
والتمعت عينا الكاهن العجوز ، وهو يتمتم بصوت غير مسموع : معجزة  !
فقال الصياد مؤكداً : نعم ، يا مولاي ، معجزة .
ودمدم الكاهن العجوز ، وكأنما يخاطب نفسه : آه ، المرتدون ، الويل لهم ، إنهم يشيعون أن زمن المعجزات قد ولى .
وصمت لحظة ، ثم قال : البارحة ، عند منتصف الليل ،
أثناء هبوب العاصفة الماطرة ، رأيت البرق يضيء بشعلته الوهاجة الشجرة المعمرة .
وكأنما الصياد كان ينتظر هذه الفرصة ، فمال على الكاهن العجوز ، وقال : المعجزة هنا ، يا مولاي ، ولكن ليس الشجرة المعمرة ، بل السمكة .
وتمتم الكاهن العجوز مذهولاً : السمكة  !
فتابع الصياد كلامه قائلاً : مررت بالشجرة المعمرة ، مساء هذا اليوم ، وحانت مني نظرة إلى تجويفها الضخم ، المليء بمياه الأمطار ، فرأيتها ..
وفغر الكاهن العجوز فاه ، وقد اتسعت عيناه الكليلتين ، فقال الصياد : رأيت المعجزة ، سمكة صغيرة ملونة ، لم أرَ مثلها من قبل ، تدور سابحة في مياه تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
ورفع الكاهن العجوز القنديل ، وتطلع إلى الشجرة الضخمة المعمرة ، التي كانت تنتصب كالشبح ، تحت ضوء القمر ، وسط الحقل ، ثم قال : لابد أن أراها ، هذه المعجزة ، الآن .
واندفع الكاهن العجوز ، وسط الليل ، نحو الشجرة الضخمة المعمرة ، والقنديل في يده ، ولحق الصياد به مسرعاً ، وقال : الوقت متأخر ، يا مولاي ، دع هذا إلى صباح الغد .
واستمر الكاهن العجوز في اندفاعه ، وهو يقول : لن أستطيع أن أنام ، إذا لم أرَ المعجزة .
وتوقف الكاهن العجوز ، أمام فجوة الشجرة الضخمة المعمرة ، وقد اتسعت عيناه المذهولتين ، وعلى ضوء القنديل رأى المعجزة ، رأى السمكة الصغيرة الملونة ، وهي تدور سابحة في مياه الفجوة .
وتمتم خاشعاً : حقاً إنها معجزة ، آه الإله مردوخ قادر على كلّ شيء ، الويل للمرتدين .

     " 2 "
ـــــــــــــــــــ
    من كل مكان ، حيثما سمعوا بالمعجزة ، تقاطر الناس رجالاً ونساء وحتى أطفالاً ، لرؤية المعجزة ، والتبرك بها .
وما إن رأوا السمكة الصغيرة الملونة ، تدور سابحة في المياه المتجمعة في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة ، حتى تأكدوا أنها معجزة حقيقية ، أرسلها ـ كما قال الكاهن العجوز ـ الإله العظيم مردوخ .
ويوماً بعد يوم ، وتجربة بعد تجربة ، شاع بين الناس ، الذين زاروا السمكة ،  كراماتها وقدرتها العجيبة على تلبية دعوات الناس ، مهما كان نوعها .
جاءت امرأة بطفلتها ، التي ولدت ضريرة ، وطلبت من السمكة راجية ، أن تفتح طفلتها عينيها ، أسوة بالأطفال الآخرين ، وترى العالم .
وفتحت الطفلة عينيها ، وتلفتت حولها مندهشة فرحة ، وصاحت : ماما ، إنني أرى .
ولأول مرة ، رأت الطفلة الأشجار والعصافير والسماء ، وكذلك رأت المعجزة ، السمكة الصغيرة الملونة ، وهي تدور سابحة في مياه الفجوة .
وفي اليوم التالي ، جاءت المرأة إلى الكاهن العجوز ، ومعها دجاجة مكتنزة ، قدمتها له ، وقالت له على استحياء : أرجوك ، اقبلها ، إنها هدية .
وأخذ الكاهن العجوز الدجاجة المكتنزة ، وقال : سأقبلها منكِ ، مادامت هدية .
وبعد أيام ، جاء شاب يحمل أمه العجوز ، التي أصيبت بالشلل ، وما إن رأت الأم السمكة ، حتى شعرت بالدماء تتدفق في عروقه ، فصاحت : بنيّ ، أنزلني ، لقد شفيت .
وفي ذلك اليوم ، عاد الشاب فرحاً إلى القرية ، وكيف لا وأمه العجوز ، التي كانت مصابة بالشلل ، تسير إلى جانبه ، وكأنها عادت إلى أيام شبابها الأولى .
وفي اليوم التالي ، جاء الشاب ، وقدم للكاهن جدياً صغيراً ، فأخذه الكاهن العجوز ، حتى دون أن يشكره ، نعم فهو هدية .
وذات مرة ، جاءت شابة مع أمها ، ومالت على السمكة الصغيرة الملونة ، وهمست لها بصوت لا يكاد يُسمع : أريد طفلاً .
وانحنت الأم على السمكة الصغيرة الملونة ، وعيناها مغرورقتان بالدموع ، وقالت : ابنتي تزوجت منذ ثلاث سنوات ، ولم ترزق بطفل .
وأقسمت الأم ، فيما بعد ، أن السمكة الصغيرة الملونة ، توقفت لحظة ، وتطلعت إليها وإلى ابنتها الشابة ، وبعد عدة أشهر ، جاءت الأم ، ومعها خروف ، قدمته هدية للكاهن العجوز ، وهمست له فرحة : ألف شكر للسمكة المعجزة ، لقد حملت ابنتي .
وجاءت امرأة بطفل في حوالي العاشرة من عمره ، وعلى العكس من أقرانه ، لم ينطق بكلمة واحدة ، وما إن رأى السمكة الصغيرة الملونة ، حتى صاح منبهراً : ماما انظري ، سمكة صغيرة ملونة .
ورغم أن المرأة كانت أرملة فقيرة ، إلا أنها أهدت الكاهن العجوز بطة ، وقالت له : اقبلها ، يا مولاي ، فأنا لا أملك غيرها .
وقبل الكاهن العجوز البطة عابساً ، فهي على أية حال هدية ، هدية للسمكة الصغيرة الملونة المعجزة ، والهدية لا ترد ، مهما كانت قيمتها .
ومع الأيام ، امتلأ بيت الكاهن العجوز بالهدايا ، ولم يعد يتسع لمزيد من الدجاج والبط والجديان والحملان ، فباع معظمها ، ونوه للزائرين ، أن أفضل هدية تقدم للمعجزة هي النقود .
وهكذا انهالت النقود على الكاهن العجوز ، كلّ هذا وصياد السمك ، يرى سمكته الصغيرة الملونة ، التي وضعها بنفسه في ماء التجويف ، تدرّ ذهباً على الكاهن العجوز ، فقرر أن يطالب بحصته .

     " 3 "
ــــــــــــــــــــ  
    تهيأ الكاهن العجوز للنوم ، بعد يوم طويل متعب ، قضاه استعداداً للاحتفال بمرور سنة على ظهور المعجزة ، السمكة الصغيرة الملونة ، في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
وقبل أن يدخل فراشه ، سمع طرقاً على الباب ، فتوقف متضايقاً ، ترى من يطرق الباب في هذا الوقت من الليل ؟ لابد أنه أحد زوار المعجزة .
وفتح الباب ، والقنديل في يده ، وفوجىء بصياد السمك يقف مبتسماً أمامه ، ترى ماذا يريد هذا الأحمق ؟ فقال متضايقاً : الوقت متأخر ، وأنا متعب .
فمال الصياد عليه ، وقد اختفت ابتسامته ، وقال : مولاي ، ليس لديّ ما أقتات به .
وحدق الكاهن العجوز فيه ، وقال بجفاء : أنت صياد سمك ، ومازلتَ شاباً .
فقال الصياد بصوت متعب : إنني مريض ، يا مولاي ، ولم أعد أقوى على الصيد .
وتململ الكاهن العجوز متضايقاً ، وقال : غداً هو العيد الأول للمعجزة ، والناس جاءوا من كلّ مكان ، وهم يحيطون بها الآن ، والشموع مضاءة في أيديهم ، اذهب غداً إليها ، وستشفيك .
وحدق الصياد في الكاهن العجوز ، وقال : أعطني شيئاً مما أعطتك السمكة .
وبشيء من الغضب ، قال الكاهن العجوز : هذه أموال الإله مردوخ ، ومعجزته السمكة ، يا بنيّ ، ولا يجوز لأحد ، مهما كان ، أن يمد يده إليها .
وابتسم الصياد ، وقال : مولاي ، فيما يخص السمكة المعجزة ، أريد أن أصارحك .
وحدق الكاهن العجوز فيه صامتاً ، فقال الصياد : تلك السمكة الصغيرة الملونة ، يا مولاي ، أنا اصطدتها بنفسي من النهر ، ووضعتها في تجويف الشجرة الضخمة المعمرة .
ورفع الكاهن العجوز القنديل ، متطلعاً إلى الشجرة الضخمة المعمرة ، وقد أحاطت بها مئات الشموع المضاءة ، وقال : هذا التجديف ، الذي تنطق به ، لو سمعه هؤلاء المؤمنون لمزقوك إرباً .
جمد الصياد في مكانه مرعوباً ، لا يحير بكلمة واحدة ، فصفق الكاهن العجوز الباب في وجهه ، ومضى إلى الداخل ، وأوى إلى فراشه .
واختفى الصياد ، لا أحد يعرف أين ، ولا ماذا حلّ به ، وظلت السمكة المعجزة ، تدور سابحة في مياه التجويف ، في الشجرة الضخمة المعمرة ، ومريدوها وزوارها يزدادون يوماً بعد يوم .

                            26 / 7 / 2016

·       ـ عن حكاية صينية قديمة .





ليست هناك تعليقات: