الساحر جحا وتيمورلنك
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
" 1 "
ــــــــــــــــــــ
منذ أشهر ، وجحا يبحث عن عمل ،
يناسب " عبقريته " ، لكن دون جدوى ، وذات يوم ، ربما عند منتصف الليل ،
وزوجته أم جحيح ، تغط في النوم إلى جانبه ، هبّ من رقاده صارخاً : وجدته .
وفزّت أم جحيح ، وراحت تخبط بيديها الثقيلتين يميناً ويساراً ، متسائلة :
ماذا .. ماذا ؟
وردّ جحا : العمل ، وجدته .
وحدقت أم جحيح فيه ، رغم ظلام الغرفة ، وقالت : لن يصلح لك إلا عمل واحد ،
يا ..
وقاطعها جحا صارخاً : لن أعمل حمالاً ، أنا جحا ، وليس حمالاً .
وصمت لحظة ، ثم قال : عمل سهل ، ومربح ، سأعمل ساحراً ، وستكوني مساعدتي .
وفتحت أم جحيح عينيها في الظلام ، وقد طار النوم منهما ، وسرعان ما أغلقت
عينيها خائفة ، حين سمعت جحا يقول : سيكون لي شيطان يخدمني .
" 2 "
ــــــــــــــــــ
أفاق جحا في صباح اليوم التالي
، ليس فقط على صياح ديك ملا قادر ، بل على مأمأة عنزة جارتهم العجوز عيوشة أيضاً .
وبحث ملا قادر عن ديكه ، لكنه لم يجد له أثراً ، وكيف يجد له أثراً ،
والساحر جحا قال أمام العديد من الناس ، إن الثعلب قد اختطفه ؟
ودارت العجوز عيوشة في كلّ مكان ، باحثة عن عنزتها العزيزة ، لكن دون جدوى
، ترى أين اختفت العنزة ؟ هذا ما حيّر عيوشة ، وأحزنها .
وذات ليلة ، دُفع باب العجوز عيوشة ، ودخلت امرأة كأنها قطعة من الليل ،
وخاطبت العجوز عيوشة قائلة : إذا أردتِ أن تعرفي مكان عنزتك ، اذهبي إلى الساحر
العظيم جحا ، واسأليه .
ولم تتمالك العجوز عيوشة نفسها ، فتساءلت مستغربة ، ومستنكرة : جحا !
فردت قطعة الليل ، قبل أن تغادر الكوخ ، وتصفق الباب وراءها : لن تجدي
عنزتك إذن .
ورغم ذلك ، أخذت عكازها ، وقصدت بيد جحا ، وطرقت باب بيته ، وسرعان ما أطلّ
جحا ، وقال مغالباً فرحته : عيوشة ، أهلاً
ومرحباً ، تفضلي .
فقالت العجوز عيوشة بصوتها الحاد : قيل لي إنك تعرف مكان عنزتي .
فردّ جحا قائلاً : نعم ، أعرف مكانها .
ورقت ملامح العجوز عيوشة ، وقالت :
جحا ، سأموت إذا لم أعثر على عنزتي .
وحدق جحا في وجهها الشائخ ، كما يفعل السحرة المتمرسين عادة ، ثم قال : لا
تخافي ، يا عيوشة ، ها هي عنزتك الرعناء ، ترعى العشب على ضوء القمر ، في بستان
الشيخ صالح .
وفي فجر اليوم التالي ، ذهبت العجوز عيوشة إلى بستان الشيخ صالح ، ووجدت عنزتها
العزيزة ، راقدة تحت إحدى أشجار البستان .
وشاع خبر عنزة العجوز عيوشة ، وكيف أنها ضاعت ، ولم تعثر لها على أثر ، حتى
دلّ على مكانها ، الساحر العظيم جحا ، وانتشر الخبر من مكان إلى مكان ، حتى وصل
إلى .. تيمورلنك .
" 3 "
ــــــــــــــــــــ
استدعى تيمورلنك جحا إلى قصره ،
بعد عدة أيام ، ومثل جحا بين يديه منهاراً
، فقال له : جحا ، عرفت بقدراتك السحرية ، وأريدك في أمر هام .
واتسعت عينا جحا ، وقلبه يخفق بشدة ، وقال متأتئاً : مو .. مو ..لاي .
وتابع تيمورلنك قائلاً : فقدتُ خاتماً ثميناً ، أهداه لي جدي ، أريد أن
تجده لي .
واشتدت تأتأة جحا ، وهو يقول مضطرباً ، مرعوباً : لكن .. مو.. مو .. ومو .. لاي ..
فقاطعه تيمورلك ثانية ، وقال مهدداً بصوت حاسم : أريد هذا الخاتم غداً وإلا
..
ولكي يضمن تيمورلنك استرجاع الخاتم ، في الموعد المحدد ، ولكي لا يفكر جحا
في الهرب ، أمر بإيداعه في إحدى غرف القصر المنعزلة .
وعند منتصف تلك الليلة ، جاءته جارية من جواري تيمورلنك ، وقالئ له متوسلة
، وهي تكاد تنهار : جحا ، استر عليّ وإلا هلكت .
وخمن جحا ما تريد الجارية أن تقوله ، فقال لها : قولي الحقيقة ، ولكِ
الأمان .
فقالت الجارية ، وهي تتشبث بجحا ، ودموعها تغرق عينيها : أمي مريضة ، تكاد
تموت ، وليس لدينا ما نعالجها به ، فسرقتُ الخاتم .
وتنفس جحا بشيء من الارتياح ، وقال لها : أين هو ، هذا الخاتم ؟
فردت الجارية قائلة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة القصر .
وفي صباح اليوم التالي ، مثل جحا بين يدي تيمورلنك ، وكان مرتاحاً هذه
المرة ، وقال : مولاي ، اطمئن ، لقد وجدنا خاتك الثمين .
وبدا الفرح على تيمورلنك ، وقال : أحسنت ، يا جحا ، سأجعلك ساحر القصر ،
أين هو ؟
فقال جحا بنفس الروح المطمئنة : إنه تحت شجرة الرمان ، في نهاية حديقة
القصر .
ونظر تيمورلنك إلى وزيره ، فقال الوزير : في نهاية الحديقة ، يا مولاي ،
هناك شجرتا رمان ، الأولى رمانها حلو ، والثانية رمانها حامض .
والتفت تيمورلنك إلى جحا ، وقال : تحت أي الشجرتين ، خاتمي ، يا جحا ؟
وأسقط في يد جحا ، ووقف حائراً مرتبكاً ، فالجارية لم تخبره بوجود شجرتي
رمان ، فما العمل ؟ فقال متردداً : الحلو .. لا .. نعم .. نعم .. الحلو .
وحدق تيمورلنك فيه مهدداً ، وقال : إذا لم يجدوا الخاتم ، تحت شجرة الرمان
الحلو ، كما تقول ، يا جحا ، سأجلدك خمسين جلدة .
" 4 "
ــــــــــــــــــــ
من سوء حظ جحا ، إنهم لم يجدوا
خاتم تيمورلنك ، تحت شجرة الرمان الحلو ، وإنما وجدوه تحت شجرة الرمان الحامض .
وأحضر جحا ، ووقف منهاراً أمام تيمورلنك ، وقال : عفو مولاي ، الخطأ ليس
خطئي .
وتساءل تيمورلنك غاضباً : خطأ من إذن ؟
فردّ جحا قائلاً : خطأ شيطاني .
واتسعت عينا تيمورلنك ، وتمتم : شيطانك
!
فقال جحا : إنه غاضب مني ، هذا اللعين ، وأراد أن يعاقبني ، ف ..
وحدق فيه تيمورلنك ملياً ، ثم قال : لن أعاقبك ، يا جحا ، بل سأعاقب شيطانك
.
ونظر جحا إلى تيمورلنك صامتاً ، مترقباً ، قلقاً ، فتابع تيمورلنك قائلاً :
سأجلده ، سأجلد شيطانك ، وهو في داخلك ، خمسين جلدة .
وشهق جحا منهاراً ، فصاح تيمورلنك : أيها الجلاد ..
وانهار جحا ، راكعاً أمام تيمورلنك ، وقال : سأموت قبل الجلدة العاشرة ،
لكن هذا لا يهمني ، يا مولاي ، فأنا أخاف عليك .
وحدق تيمورلنك في جحا متسائلاً ، فتابع جحا قائلاً : أخبرني شيطاني ،
بأني سأعيش طويلاً ، وإذا متّ فسيموت سيدي
تيمورلنك بعدي بثلاثة أيام .
وتراجع تيمورلنك ، وقلبه يخفق بشدة ، والتفت إلى وزيره ، وقال : فليخصص قصر
كبير لجحا وعائلته ، يحيط به الحرس المدججون بالسلاح ليل نهار ، وليعين له طبيب
خاص يعنى بصحته ، فأنا لا أريده أن يمرض ، و .. ويموت .
وانحنى الوزير لتيمورلنك ، وقال : أمر مولاي .
29 / 8 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق