ليلى
والأسماك الطائرة
طلال حسن
" 1 "
ــــــــــــــــــــ
حين عدتُ إلى غرفتنا ، في الباخرة ، التي كانت تمخر بنا عباب مياه البحر ،
رأيتُ جدي يقف قرب الكوة ، بعيداً عن فراشه ، رغم تعبه الشديد .
والتفت إليّ ، وقال لي بنبرته
الهادئة : تأخرتَ .
ورفعتُ عينيّ الحائرتين إليه ، دون
أن أردّ بكلمة ، فابتسم ، وقال : ليلى هي السبب .
لم أبتسم ، وإنما قلتُ : اسمها ليس
ليلى .
وصمتُ لحظة ، ثم قلتُ : كانت أمها
معها ، وجلسنا نتحدث ، على سطح الباخرة .
وتقدم جدي من فراشه ، وتمدد فيه ،
وقال : لابد أنها تحدثت عن فلسطين ..
وهززتُ رأسي أن نعم ، فأضاف جدي
قائلاً : إن الفلسطيني ، يحمل فلسطين معه ، حيثما يذهب .
وجلستُ على سريري ، وقلتُ : لم تتحدث
عن فلسطين ، وإنما تحدثت عن عالم البحار ، و . .
وانتبهتُ إلى جدي ، كان يغط في النوم
، فنهضت من على سريري ، ورددتُ الغطاء فوقه ، ثم أطفأت مصباح الغرفة ، وعدتُ إلى
فراشي .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
أفقتُ قبل شروق الشمس ، وخمنتُ أن من أسماها جدي " ليلى " ، قد
تكون وحدها على السطح ، فقد قالت لي البارحة ، إنها تحب أن ترى الشمس ، وهي تصعد
من أعماق البحر .
لم أرَ " ليلى " على السطح
، رغم أن الشمس توشك أن تشرق ، لكني رأيتُ ـ ويا للعجب ـ عدداً من الأسماك ،
الغريبة الشكل ، التي لم أرَ مثلها من قبل ، تنتثر على امتداد سطح الباخرة .
وقفلتُ عائداً إلى الغرفة ، وإذا جدي
مستيقظ ، وقبل أن يبادرني بالحديث ، قلتُ له : جدي ، رأيتُ عدداً من الأسماك
الغريبة ، متناثرة على السطح .
واعتدل جدي في فراشه ، وقال : هذه
أسماك الرنجة الطائرة ، يا بنيّ .
وحدقتُ في جدي ملياً ، ثم قلتُ في
نفسي حزيناً آسفاً : " آه .. لقد خرف جدي " .
واستأنف جدي حديثه قائلاً : هذا
النوع من الأسماك ، تقفز وتطير في الفضاء ، إلى ارتفاع مائة قدم ، وخاصة حين
يهاجمها أحد أعدائها ، وتطير بقوة إلى مسافة تتراوح بين الخمسين والمائة متراً ،
وأشهر هذه الأسماك ، السمكة الحمراء النارية .
وصمت جدي مرة أخرى ، ثم قال : تصور
إن بعض هذه الأسماك الطائرة ، تتسلق الأشجار بزعانفها ، تاركة ماء البحر وراءها .
وأطرقتُ رأسي دون أن أتفوه بكلمة ،
وقد ازداد شعوري بالحزن والأسف ، سمكة تطير ، وتتسلق الأشجار ؟ حقاً لقد خرف جدي .
" 3 "
ـــــــــــــــــــ
قبيل منتصف النهار ، خرجتُ من الغرفة وحدي ، ومضيتُ مباشرة إلى سطح الباخرة
، على أمل أن أرى " ليلى " وأمها هناك .
وقبل أن أرى " ليلى "
رأتني ، وكانت وحدها على السطح ، فأقبلت عليّ مسرعة ، وقالت : تأخرت اليوم ، ففاتك
أمر مثير للدهشة .
وتوقفتُ قبالتها مبتسماً ، وقلتُ
بلهجة مازحة : لابد أنها الشمس ، وهي تخرج ضاحكة من أعماق البحر ، والماء يقطر
منها .
وضحكت " ليلى " للهجة ،
التي تكلمتُ بها ، وقالت : لا ، ليس الشمس ، بل أسماك عجيبة ، كانت مبعثرة على سطح
الباخرة .
ونظرتُ إليها ، وقلتُ مازحاً : لابد
أنها أسماك طائرة ، انطلقت من البحر ، وحطت لسبب من الأسباب ، على سطح باخرتنا ،
في ساعات الفجر الأولى .
ورفعت " ليلى " عينيها
إليّ مندهشة ، ثم قالت : هذا ما قالته ماما بالضبط ، بل وقالت أيضاً ، إن بعض هذه
الأسماك تتسق الأشجار .
ولذت بالصمت ، وقد داخلني شعور غامر
بالفرح ، إن جدي الحبيب ، لم يصب بالخرف إذن ، وإن كلّ ما قاله عن السمكة الطائرة
، كان صحيحاً .
السمكة الطائرة : من أسرع
الأسماك في العوم ، وهي تقفز وتطير في
الفضاء إلى ارتفاع مائة قدم ، وبعض هذه الأسماك تتسلق
الأشجار بزعانفها ، تاركة الماء وراءها .
الفضاء إلى ارتفاع مائة قدم ، وبعض هذه الأسماك تتسلق
الأشجار بزعانفها ، تاركة الماء وراءها .
25 / 9 /
2016
هناك 4 تعليقات:
جوب في مصر في ذكرى
أريد تلخيص لهذا النص من فضلكم
تلخيص نص
الفكرة عن كل فقرة وعنوان كل فقرة
إرسال تعليق