الكشكوشة الصغيرة
بقلم: طلال حسن
أدركت الكشكوشة الصغيرة ، بينها وبين نفسها ،
بأنها ضعيفة ، لا لأنها صغيرة ، بل لأنها بدون أصدقاء أقوياء .
نعم ، فمن يستطيع الاقتراب من
السمكة المهرجة ، وهي بين لوامس شقيق البحر ؟ ومن يتمكن التعرض للسمكة المنظفة ،
وهي تسبح إلى جانب القرش ؟ ومن يجرؤ على التحرش بسمكة الجوبي ، وهي ترتع في أحضان
مرجان المخ ؟
ولأنها مجرد كشكوشة صغيرة ،
وبدون صديق قوي ، تعرضت منذ يومين ، هي وإحدى أخواتها ، لهجوم من سمكة ضخمة ،
والتهمت السمكة الضخمة أختها ، وكادت أن تلتهمها هي الأخرى ، لو لم تلذ بالفرار ،
وتختبىء في شق صغير بين صخور المرجان .
وظلت في الشق ، حتى اليوم
التالي ، ومع الأضواء الأولى للصباح ، خرجت تبحث عن بغيتها ، إن البحر مليء
بالأسماك والكائنات القوية ، ولابد لها أن تجد من يصادقها ، ويدافع عنها ، ويحميها
من الأسماك القوية المعتدية .
وسارت بمحاذاة الجدار المرجاني
، محاذرة الاقتراب من مرجان المخ ، فلن تنسى كيف أطلق قبل أيام ، خيوطاً حلزونية ،
وسهاماً مسمومة ، نحو سمكة صغيرة مرت قربه ، فكبلها وخدرها ، ثم سحبها بهدوء ، وغيبها
في فمه .
وانتبهت في الوقت المناسب ، إلى
ثعبان بحري ، يطل برأسه من مخبئه ، ويتحين الفرصة للانقضاض عليها ، والتهامها ،
فمالت بزعانفها ، وانطلقت بعيداً عن الجدار المرجاني .
يبدو أن من الصعب ، الحصول على
صديق هنا ، فالمكان يعج بالأعداء ، ولكن مادامت المهرجة والمنظفة والجوبي قد وجدن
أصدقاء ، فمن المحتمل أن تجد هي الأخرى صديقاً قوياً ، تلجأ إليه ، عندما يحدق بها
أي خطر .
وها هو الخطر ، فأين الصديق ؟
ولاحت على البعد ، سمكة تشبه العصا ، أو الزمارة ، إنها سمكة الخرمان ، وتوقفت
الكشكوشة الصغيرة ، وتراجعت إلى الوراء ، لكنها ما كادت تستدير ، حتى واجهتها
أنياب سمكة العقام ، فانتفضت مرعوبة ، وضربت الماء بزعنفتها ، ولاذت بالفرار ،
واستفزت هذه الحركة سمكة العقام ، فاندفعت في أثرها ، وقد فتحت فمها على سعته ،
وظهرت أنيابه المرعبة القاتلة .
وأوشكت سمكة العقام ، أكثر من
مرة ، أن تدرك الكشكوشة الصغيرة ، لكنها راحت تراوغها ، وتفلت من أنيابها ، وفجأة
.. لاح الخلاص ، فقد أقبلت من بعيد سحابة ضخمة من أسماك الكشكوشة ، تمتد في صفوف
متراصة ، على مسافة تربو المائة متر ، فأسرعت الكشكوشة الصغيرة ، ولاذت بأعماق السحابة
، وتوقفت سمكة العقام ، وقد أصيبت بالارتباك ، وسرعان ما تراجعت ، وآثرت الهرب .
وتنفست الكشكوشة الصعداء ، فهذه
أول مرة تشعر فيها بأنها ليست صغيرة ، ولا ضعيفة ، فطولها أكثر من مائة متر ،
وتخافها حتى سمكة العقام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق