زقزاقة
الأسماك
طلال حسن
" 1 "
ــــــــــــــــــ
منذ أيام ، وسمكة اللشك ، الملقبة بالسمكة الصنارة ، تسأل عن السلحفاة
العجوز ، وتبحث عنها في كلّ مكان ، دون جدوى .
لقد سمعت مراراً ، ومن أسماك عديدة ،
أن السلحفاة العجوز تتحدث بإعجاب عن طائر صغير ، يعيش على اليابسة ، اسمه الزقزاق
.
وتوقفت أخيراً عن السؤال والبحث ،
فقد قيل لها ، إن السلحفاة العجوز ، مضت إلى اليابسة ، وأنها ستبقى هناك ، لفترة
غير محددة .
وطالت فترة غياب السلحفاة العجوز ،
بعيداً عن عالم محيط الباسفيك ، حيث تقيم في بيت على رمال القاع ، وربما لم تطل
فترة الغياب ، أكثر من المعتاد ، لكن هذا ما شعرت به سمكة اللشك .
وذات أمسية ، جاءتها السمكة المهرجة
، وقالت لها متهللة : أبشري ، عادت السلحفاة العجوز .
وتساءلت سمكة اللشك بلهفة : أين هي
الآن ؟
وردت السمكة المهرجة قائلة : في
بيتها ، على رمال القاع .
وتطلعت سمكة اللشك حولها ، كان الليل
يفرد ستائره المعتمة في كلّ مكان ، فقالت كأنما تحدث نفسها : غداً ، مع شروق الشمس
، سأذهب إليها .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
حاولت سمكة اللشك أن تنام ، لعلها ترتاح بعد تعب النهار ، لكنها لم تنم ،
إلا نوماً متقطعاً ، ومضطرباً ، عند حوالي الفجر .
ومما أزعجها إزعاجاً شديداً ، حديثها
عن طائر الزقزاق ، الذي يعيش على اليابسة ، وكأنه الأعجوبة الوحيدة من نوعها في
الطبيعة .
لقد أشادت بشجاعته ، التي لا مثيل
لها ، فهو يتقدم من التمساح ، ويدخل فمه المليء بأسنان كالخناجر ، ويخرج منه ، دون
تردد أو خوف .
صحيح إنها لم تذكرها بسوء ، لكنها لم
تتحدث مجرد حديث ، عن أعمالها التي تفوق ما يفعله طائر الزقزاق مع التمساح ، وهذا
ما ستلومها عليه ، حين تذهب إليها غداً ، مع شروق الشمس .
وازداد انزعاجها من السلحفاة العجوز
، فها هو الليل قد انتصف ، دون أن يغمض لها جفن ، ولو أنها قد أنصفتها ، وتحدثت
عنها ، كما تحدثت عن الزقزاق ، لكانت الآن تنعم بنوم عميق .
ومرة أخرى تساءلت ، وهي تتقلب منزعجة
، لماذا لم تنصفها ، وتتحدث عن أعمالها ، التي يعرف الجميع أنها لا تقل جرأة عن
أعمال طائر الزقزاق ، إن لم تفوقها غرابة وجرأة و .. خ خ خ خ .
واستغرقت سمكة اللشك في نوم عميق ،
والفجر يطل شيئاً فشيئاً على العالم ، لكن السلحفاة العجوز لم تغب عنها حتى في
منامها .
" 3 "
ـــــــــــــــــــــــ
عند شروق الشمس ، أسرعت سمكة اللشك ، إلى السلحفاة العجوز ، ورأتها تجلس
هادئة ، على رمال قاع البحر ، أمام باب بيتها .
واقتربت منها ، وقد تفاقم غيظها
وانزعاجها ، وما إن رأتها السلحفاة العجوز مقبلة عليها ، حتى وقفت باسمة ، وقالت
مهللة ، ومرحبة : أهلاً ومرحباً بعزيزتي ، أهلاً سمكة اللشك .
وقبل أن تردّ سمكة اللشك عليها ،
قالت السلحفاة العجوز : تعالي إلى جانبي ، سأحدثك بالتفصيل عما قلته عنك لطائر
الزقزاق .
ولاذت سمكة اللشك بالصمت ، وقد توقفت
إلى جانبها ، فقالت السلحفاة العجوز : قلت له ، أيها الزقزاق ، لعلكَ أعجوبة بين
الطيور ، على اليابسة ، لكن لدينا في البحر ، أعجوبة أكبر منكَ .
وصمتت لحظة ، وقد بدأ الفرح يشيع في
أعماق سمكة اللشك ، وقالت السلحفاة العجوز : إنها سمكة صغيرة ، غاية في الجرأة
والشجاعة ، اسمها اللشك ، تتسلق ظهور الأسماك والسلاحف ، لها قبضة قوية تمكنها من
أن تدخل فم سمك القرش ، وتلتصق به آمنة ، وتتخير الطعام الذي يدخل فمه ، ثم تخرج
من فمه حين تشبع ، وتسبح مبتعدة عنه .
ولبثت سمكة اللشك صامتة ، لا تنبس
بكلمة واحدة ، ثم استدارت ببطء ، ومضت تشق الماء ، تسبح عائدة إلى مكانها ، وبدل
الغيظ والانزعاج ، تملكها شعور بالرضا عن السلحفاة العجوز .
وراحت السلحفاة العجوز ، تتابع
بنظرها الشائخ المتعب سمكة اللشك ، حتى غابت ، فهزت رأسها ، وقالت : آه جاءت سمكة
اللشك ، لتقول لي شيئاً ، ترى ماذا أرادت أن تقول لي ؟
× ـ اللشك : سمك يكثر في مياه المحيط الباسفيكي
، يلتصق بقوة فوق ظهر
السمك والسلاحف ، ويدخل فم سمك القرش ، ويلتصق به ،
ويشاركه فيما يدخل فمه من طعام .
السمك والسلاحف ، ويدخل فم سمك القرش ، ويلتصق به ،
ويشاركه فيما يدخل فمه من طعام .
24 / 9 /
2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق