اللؤلؤة
طلال حسن
" 1 "
ــــــــــ
منذ ساعات ،
وملكة السمك الملائكي الأزرق ، وأمير فتي ، جميل ، من نوعها ، يلعبان لعبة
الاستخفاء ، بين النباتات البحرية .
وانسلت الملكة بهدوء ، وتخفت متعلقة بلا حراك تقريباً ،
بين جذوع النباتات المائية . وتناهت إليها خفقات زعانف الأمير ، يحوم باحثاً عنها
. ولبثت في مكانها ، تنتظر أن يجدها كالعادة ، ويسارع لاحتضانها بزعانفه ، وهو
يصيح فرحاً : وجدتك .
وبدل الأمير ، برز من بين النباتات المائية ، قادوح أسود
، ذو بقع وخطوط صفراء وبرتقالية ، وذيل زعنفي أسود لامع .
وتوقف القادوح ، يتأملها مذهولاً ، ثم تقدم منها ، وقال
: أنت جميلة ، أريدك .
وسمعه الأمير ، فأطل برأسه خلسة ، من بين جذوع النباتات
المائية ، وراح ينصت ، مراقباً ما يدور أمامه . وابتسمت الملكة ، وقالت :إنني سمكة
ملائكية ، وأنت من سمك القادوح .
فردّ القادوح قائلاً : ومع ذلك أريدك .
ولاذت الملكة بالصمت ، ثم ابتسمت ثانية ، وقالت : إن
مهري غال ، أريد لؤلؤة .
وتمتم القادوح : لؤلؤة !
فردت الملكة قائلة : قلت لك ، إن مهري غال .
وتطلع القادوح إليها ، ثم قال : سآتيك بما أردت ، مهما
كان الثمن .
ومضى القادوح مسرعاً ، فبرز الأمير من خلف جذوع النباتات
المائية ، وابتسم قائلاً : ملكتي العزيزة ، حين عرفتني ، لم تطلبي مني .. لؤلؤة .
فاندفعت الملكة نحوه ، حتى كادت ترتمي بين زعانفه ، وهي
تقول : لأني أردت ما هو أثمن من أية لؤلؤة ، أردتك أنت .
" 2 "
ــــــــ
لم يكد
القادوح ، يبتعد قليلاً عن الملكة ، حتى نوقف مفكراً ، وقال : يا لبلاهتي ، إنني
لا أعرف أين أبحث عن اللؤلؤة ، ولا كيف يمكن أن أحصل عليها .
وتلفت حوله حائراً ، ولمح سمكة قادوح عجوزاً ، تسبح
بمحاذاة النباتات المائية ، فأسرع إليها هاتفاً : أيتها الجدة.
وتوقفت سمكة القادوح العجوز ، وقالت بصوت شائخ : نعم ،
بنيّ .
فقال القادوح : أريد لؤلؤة ، ولا أعرف أين ، وكيف ، أحصل
عليها .
وتطلعت سمكة القادوح العجوز إليه متسائلة ، فقال :
أرادتها مني سمكة .
وابتسمت سمكة القادوح العجوز ، وقالت : لابد أنها لؤلؤة
.
فرد القادوح قائلاً : أجمل من لؤلؤة .
وهزت سمكة القادوح العجوز رأسها ، وقالت : الحصول على
لؤلؤة ، يا ولدي ، ليس بالأمر الهين ، فاللآليء لا توجد إلا في المحار ، وقد تفتح
ألف محارة حتى يحالفك الحظ ، فتعثر على لؤلؤة واحدة .
فمضى القادوح يشق الماء مسرعاً ، وهو يقول : سأفتح مليون
محارة ، وسأجد اللؤلؤة .
" 3 "
ــــــــ
أخذ
القادوح ، يجوب قاع البحر ، بحثاً عن
المحار، وفتح بأسنانه الإزميلية ، خلال بضعة أيام ، مئات المحارات ، حتى عثر على
لؤلؤة .
وفي الحال ، أسرع القادوح باللؤلؤة إلى الملكة ، ممنياً
نفسه بالفوز برضاها ، و .. وفوجىء بالملكة ، وقد وقف إلى جانبها أمير فتي ، جميل ،
من نوعها ، ترش بزعانفها الماء على بيض ، وضع فوق أوراق نبتات مائية .
وبأم عينيه ، رأى الأمير ، يتقدم من الملكة ، وهو يقول :
كفى ، يا عزيزتي ، لقد مرّ يومان ، أو أكثر ، على وضعك للبيض ، تعالي نشق قشوره .
وتوقفت الملكة عن رش الماء ، وقالت : يا إلهي ، كم أنا
خائفة .
واقترب الأمير من البيض ، وقال : لا داعي للخوف ، أنظري
، سأشق قشرة بيضة .
وأمسك إحدى البيضات ، وشق فشرها ، وأخرج منها سمكة صغيرة
، شبيهة بالملكة ، ووضعها برفق فوق ورقة من أوراق النباتات المائية .
واقتربت الملكة من السمكة الصغيرة ، ونظرت إليها بفرح ،
وقالت : عزيزي ، أنظر إلى صغيرتنا ، ما أجملها ، هيا نشق قشور البيضات الأخرى
ونخرج ..
وندت حركة من ورائها ، فكفت عن الكلام ، والتفتت خائفة ،
فأخذها الأمير بين زعانفه ، وقال : لا تخافي ، لعلها سمكة ملائكية من نوعنا .
ولمحت الملكة لؤلؤة ، تتلامع أسفل النباتات المائية ،
فانسلت من بين زعانفه ، وأخذت اللؤلؤة متمتمة : القادوح المسكين .
وأسرع الأمير إليها ، فأرته اللؤلؤة ، وقالت بصوت تبلله الدموع
: لقد جاءني .. باللؤلؤة .. أنظر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق