الذي يطهو في القصر
محمد عاشور هاشم
كان هناك إمبراطور عظيم ، يحكم بلدا كبيرة ، مترامية الأطراف . لدى ذلك الإمبراطور كل أسباب الراحة والسعادة .
لكنه رغم ذلك لم يكن سعيدا ، فهو لم يكن لديه أصدقاء . لم يكن ذلك لأنه قاسيا أو فظّا في معاملة الناس ، ولكن لأنه كان ذا هيبة ، يخشاه الجميع ، بما في ذلك وزرائه ورجاله المقربين .
لم يكن أحد منهم ليستطيع أن يفضي إليه بسر ما .
ظل الإمبراطور وحيدا يعاني من شعور جارف بالحزن ، لا يعرف ماذا يفعل ، ولا كيف يخرج من هذه الحالة .
إلى أن فكر في نفسه قائلا " الناس تنصرف عني لأنني الإمبراطور .. إذا أردت أن أحظى بصديق ، فعليّ أن أخفي ذلك عنهم " .
اقتنع الإمبراطور بالفكرة وقرر أن ينفذها .
ذات يوم ارتدى ملابس العامة وخرج إلى المدينة . وتوجه إلى حانوت صغير يُقدّم المأكولات والمشروبات بأسعار زهيدة . جلس الإمبراطور بجانب رجل بسيط من عامة الناس . رآه يأكل فتة بالأرز ، مع لحم الضأن ، فطلب نفس الطعام .
كانت فرصة طيبة لكي يتجاذب أطراف الحديث مع الرجل . تعرف عليه ، وعرَّفه باسمه . ثم شربا معا كوبا من الشاي ، وقدحا من القهوة المحوّجة .
كان الرجل ذا حديث ممتع ، عرف الإمبراطور أنّه تاجر ، يفتح دكانا للأقمشة في السوق . ذهب معه ، وتفرّج على بضاعته ، وأعجبته قطعة حرير موصلي ، فأخذها ، وحينما أراد أن يدفع ثمنها ، رفض التاجر ، طالبا منه أن تكون هدية صداقة ومحبة بينهما .
عاد الإمبراطور إلى قصره يكاد يطير من الفرح ، فها هو ذا قد أصبح له صديق .
تكررت زيارات الإمبراطور لصديقه في دكانه ، ولقاءاته به في الحانوت ، يجلسان فيتغدّيان أو يتعشّيان ، ثم يفيئان إلى السمر والصحبة الطيبة .
قال الإمبراطور لصديقه أنّه يعمل في قصر الإمبراطور ، وحينما سأله عن طبيعة عمله قال له :
- أنا أطهو في مطبخ القصر !!
لم يُرِدْ الإميراطور أن يكذب ، ولما كان ينزل في بعض الأوقات إلى المطبخ ، يُعِدّ بنفسه بعض الوجبات لذا لم يجد حرجا في أن يقول ذلك.
- إذن فأنت طاهي الإمبراطور ؟
سأله صديقه ، فقال الإمبراطور وهو يضحك :
- أنا أطهو في مطبخ القصر !!
كان الإمبراطور جالسا في قاعة الحكم مجتمعا بكبار رجال دولته ، حينما دخل عليه حاجبه ، فقال له بصوت خفيض : - هنالك يا سيدي من يسأل على طاهي الإمبراطور !!
تنبه الإمبراطور ، وقال لنفسه : إنه صديقي التاجر !!
كان قد نبّه عليه أن يُخبره إذا ما سأل أحدهم عن طاهي الإمبراطور.
قام على الفور ، وأمر وزراءه ورجال دولته أن ينتظروه حتى يعود .
ارتدى ملابس الطهاة بسرعة ، وذهب يستقبل صديقه . أمضى معه وقتا جميلا ، أكلا فيه وشربا وتحدثا في أمور شتى . وحينما أراد الصديق أن ينصرف . ودّعه الإمبراطور حتى باب القصر الخلفي .
وعاد الإمبراطور إلى كبار رجال دولته المنتظرين على أحر من الجمر ، وبينما كانوا جالسين متململين ، يبدو على وجوههم التقطيب والاستياء ، ظهر على ثغر الإمبراطور ظل لابتسامة واسعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق