أرض الأحلام
سن من7 إلى 12 سنة
القصة الفائزة بمسابقة ديوان العرب لأدب الطفل 2005
أحمد سامي خاطر
كَانَ صَوْتُ النَّاى هُوَ النِّدَاءُ الَّذِي يَجْمَعُنَا مَعَ غُرُوبِ شَمْسِ كُلِّ يَوْمٍ ، فَتَعْلُو عَلَىَ وُجُوهِنَا الدَّهْشَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ أَسْرَابٍ مِنْ طُيُورٍ غَرِيبةٍ ، تَظَلُّ وَاقِفَةً عَلَىَ أَفْرُعِ الشَّجَرِ وفَوْقَ أَسْطُحِ البيُوتِ حَتَى تَنْتَهِي الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ مِنْ سَرْدِ نَوَادِرَهَا ، وَمَعَ بَدْءِ الْعَزْفِ نَرَي الطُّيُورَ تَتَرَاقَصُ وَتَدُوُر فَوْقَ رُؤُوسِنَا ، وَتَكَادُ تَحُطُّ عَلَىَ أَكْتَافِنَا وَأَذْرُعِنَا في رِفْقٍ .
لَمْ تَكُنْ الْعَجُوزُ مِنْ قَرْيَتِنَا ، وَكُلَّمَاَ سَأَلْنَاهَا عَنْ ضَيْعَتِهَا الَّتِي تَأْتِي مِنْهَا كَانَتْ تُجِيبُنَا فَقَطْ بِعِبَارَةٍ قَصِيرَةٍ ( أَجِيءُ مِنْ أَرْضِ الأَحْلامِ ) وَكَانَتْ أَعْيُنُنَا تَتَّسِعُ ، وأَفْوَاهُنَا تَنْفَتِحُ في بَلاهَةٍ حِينَ نَرَاهَا تَسْتَرْسِلُ في وَصْفِ هَذِهِ الأَرْضِ الَّتي تُشْبِهُ أَعْشَابُهَا الطَّوِيِلَةُ أَعْوَادَ الذُّرَةِ الْوَاقِفَةِ في وَجْهِ النَّسِيمِ . النَّسِيمُ الَّذِي يَتَخَلَّلُ هَذِِهِ الأَعْشَابُ فَيُحَرِّكَهَا مِثْلَ مَوْجِ الْبَحْرِ ، فَيَبْدُو الْمُنْظَرُ مِنْ فَوْقِ أَسْطُحِ بيُوتِ الْقُرَى المُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ ؛ وَكَأَنَّهُ لَوْحَةٌ رَائِعَةٌ ، تُزِيدُهَا الْعَجُوزُ رَوْعَةً عِنْدَمَا تَقُومُ بالنَّفْخِ في غَابَتِهَا المُقَلَّمَةِ ذَاتَ الثُّقُوبِ ، فَيَنْبَعِثُ مِنْهَا ذَلِكَ الصَّوْتُ الشَّجَنُّى الْحَنُونْ .
صَارَتْ هِيَ الْقَرْيَةُ الَّتي تَطُوفُ بَيْنَ سَمَائِهَا وَأَرْضِهَا أَسْرَابٌ مِنْ طُيُورِ الْغَرَانِيقِ بُنِّيَةُ الْلَّوْنِ ذَاتَ الدَّلاَّيَةِ السَّمْرَاءِ عَلَى صَدْرِهَا كَأَنَّهَا تَتَعَاجَبُ بَأَلْوَانِ رِيشِهَا فَتَتَمَايَلُ طَرَبَاً لِعَزْفِ الْعَجُوزُ بِالنَّاي ، وَتَحُطُّ عَلَى الأَشْجَارِ والبيوتِ الْمُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ . قَالَتْ بِصَوْتٍ رَخِيمٍ : ( فَلْيَهْبِطَ عَلَيْكُمْ مَلاَكُ الْحُلْمِ يَا أَوْلاَدِي ) .. هَيَّا لِيَبْدَأَ كُّلٌ مِنْكُمْ في سَرْدِ حُلْمِهِ الآنَ .
الآنَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لأَحْلاَمِكُمْ أَجْنِحَةٌ تُحَلِّقُ بِهَا في سَمَاءِ الْقَرْيَةِ . فَتَتَحَقَّقُ مَعَ ارْتِفَاعِ صَوْتِ مَعْزُوفَاتي الَّتي مَا هي إلاَّ نِدَاءَاتٍ حَنُونَةٍِ لأَجْمَلِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ مِنْ طُيورِ الْغَرَانِيقِ الَّتي تُشْبِهُ صَفَاءَ النُّوْعِ الإِنْسَانِّي .
شَاهَدْنَا الْغَرَانِيقَََ وََهِيَ تَحُطُّ بمَنَاقِيرِهَا الْبُنِّيَةِ وَهِنْدَامِهَا حَوْلِنَا ، كَأَنَّهَا بَدَأَتْ تَتَسَمَّعُ الأَحْلاَمَ حُلْماً بَعْدَ حُلْمٍ ، فَتَطِيرُ وَتَحُطُّ عِدَّةَ مَرَّاتٍ ، لَكِنَّ صَوْتَاً وَحِيدَاً بَدَأَ يَقَضِي تَمَامَاً عَلَى أَحْلاَمِنَا الصَّغِيرَةِ حِينَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ الْقَذَائِفِ مُدَوِّيَةً في أَرْضِنَا ، فَتَرَاءَتْ لِعِيُونِنَا مَشَاهِدُ مَوْتِ الْغَرَانِيقِ الطَّيِّبَةِ ، وارْتِطَامِهَا بالْجُسُورِ الْعَالِيَةِ هَرَبَاً مِنْ الطَّائِرَاتِ والْبَنَادِقِ والْقَاذِفَاتِ .
صَارَ كَابُوسَاً يَا صِغَارِيَ .. وَصَارَتْ الأَحْلاَمُ لا تَنْمُو هُنَا ، لأَنَ أَرْضَ الْحُرُوبِ لا تُنْبِتُ أَزْهَارَ الْحُلْمِ الَّتي تَكْبُرُ فِينَا يَومَاً بَعْدَ يَوْمٍ ، وبالتَّالِي نَرَاهَا وَقَدْ عَلَتْ فِيهَا أَشْوَاكُ الصَّبَّارِ وَالنَّبَاتَاتِ الطُّفَيْلِيَّةِ ، وَحَلَّقَ في سَمَائِهَا الْجَرَادُ الَّذِي يَأْكُلُ في وَجْهِهِ الأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ . هَكَذَا قَالَتْ الْعَجُوزُ ، ونَحْنُ تَأَمَّلْنَاهَا جَيِّدَاً وَهِيَ تَرْوِي عَمَّا صَارَتْ عَلَيْهِ قُرَانَا الْمُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ ، وَعَنْ مَا يَحُوطُهَا مِنْ غَابَاتٍ . وَلِحَدِيثِهَا كُنَّا نَنْتَظِرُ ، وَهِيَ تُطْلِقُ عَزْفَهَا كُلُّ يَوْمٍ ، لَيْسَ فَقَطْ لِنَدَاءِ الْغَرَانِيقِ الطَّيِّبَةِ وَإِنَّمَا لاجْتِمَاعِنَا هُنَا بالأَرْضِ الَّتي نَأْمُلُ أنْ تُنْبِتَ فِيهَا زُهُورُ أَحْلاَمِنَا ، وَتَتَمَايَلُ عَلَيْهَا أَفْرُعُ الأَشْجَارِ الَّتي تُثْمِرُ مَا يَرُوقُ لَنَا أَنْ نَتَذَوَّقَهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ الطَّيبةِ .
كَانَتْ بدَاخِلِنَا الأَحْلاَمُ ، لاَ نَرْوِيهَا إِلاَّ إِذَا طَلَبَتْ مِنَّا الْعَجُوزُ ذلكَ ، أَوْ إِذَا حَلَّقْنَا في سَمَاءِ الْقَرْيَةِ بأَجْنِحَةٍ تُشْبهُ أَجْنِحَةَ الْغَرَانِيقِ . لِمَاذا غَابَتْ عَنَّا الْعَجُوزُ وَلمْ تَعُدْ مَعَ غُرُوبِ شَمْسِ كُلِّ الأَيَّامِ الَّتي ذَهَبَتْ ؟ لمْ نُعُدْ نَسْمَعُ صَوْتَ النَّاي الْحَنُونْ ، أوْ نَأَنَسُ برِؤْيَةِ هَذِهِ الطِّيُورِ الْمَلاَئِكِيَّةِ الشَّفَافَةِ . تَسَائَلْنَا عَنْ سِرِّ اخْتِفَاءِهَا ، كُنَّا نَجْتَمِعُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى أَمَلِ أَنْ تَأْتي بمَعْزُوفَاتِهَا وَطُيُورِهَا وَلكنَّهَا لا تَجِيء ، وَبِرَغْمِ أَحْلاَمِنَا الْكَثِيرَةِ الَّتي نُرِيدُ أنْ نَحْكِيَهَا لِتَطِيرَ بِأَجْنِحَةِ الْغَرَانِيِقِ في السَّمَاءِ وَتَعُودُ إِلَيْنَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ .
رَاحَتْ تَكْبُرُ مَعَنَا أَحْلاَمُنَا ، أَمَّا الْعَجُوزُ فَقَدْ بَحَثْنَا عَنْهَا ، وَعَنْ طِيُورِهَا وَمَعْزُوفَاتِهَا ، وَمَا زَالَتْ تَبْحَثُ عَنْهَا مَعَنَا الرِّيَاحُ وَالأَشْجَارُ وَالْعَصَافِيرُ وَالْمُرُوجُ الْخَضْرَاءِ وَأَعْوَادُ الذُّرَةِ الطَّوِيلَةِ ، وَحُقُولُ الشَّمْسِ الذَّهَبيَّةِ . اجْتَمَعْنَا في نَفْسِ الأَرْضِ الَّتي كُنَّا نَلْتَفُّ حَوْلَ الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ فِيهَا .
اقْتَرَحَ الْبَعْضُ أَنْ نَبْحَثَ وَرَاءَ أَسْبَابِ اخْتِفَاءِ الْعَجُوزْ .
عِلْمَاً بأَنَّ هُنَاكَ مَنْ رَأَوْهَا وَطُيُورِهَا وَقَدْ اعْتَادَتْ الذِّهَابَ إِلي أَرْضٍ أُخْرَي غَيْرَ أَرْضِنَا ، تَعْزِفُ هُنَاكَ ، وَتَسْتَمِعُ إِلي أَحْلاَمِ عَصَافِيرَهَا الصِّغَارَ ، وَتُسَرِّحُ طُيُورَهَا الْجَمِيلَةِ فَوْقَ سَمَائِهَا .
ارْتَسَمَتْ عَلَى وُجُوهِنَا الدَّهْشَةُ ، عُدْنَا نَتَسَاءَلُ : مَا الَّذي حَدَثَ ، وَهَلْ صَدَرَ مِنَّا مَا جَعَلَ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ تُغَيِّرُ طَرِيقَهَا إِلي أَرْضٍ أُخْرَي !!
قُلْنَا الْعَجُوزُ لا تَأْتِي قَرْيَةً إِلاَّ إِذَا كَانَ عَصَافِيرُهَا الصِّغَارِ يَحْلُمُونَ ، وَالأَحْلاَمُ لا تَتَحَقَّقَ إِلاَّ إِذَا انْطَلَقَتْ مِنْ أَرْضِ السَّلاَمِ وَالْمَحَبَّةِ ، فَهَلْ شُفِيَتْ قُرَانَا مِنْ حُرُوبِهَا وَتَنَاحُرِ أَهْلِهَا ، وَهَلْ تَخَلَّصَتْ بَعْدُ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ وَالْقَلَقِ وَالْفِتَنِ وَالأَحْقَادِ والْمُؤَامَرَاتِ ، حَتَّي يَكُونَ لأَحْلاَمِنَا أَجْنِحَةً تَطِيرُ بِهَا بَعِيدَاً عَنْ بُكَاءِ الطَّبيعَةِ وَأَنَّاتِ الأَرْضِ الَّتي تَشْهَدُ عَذَابَاتِ الإنْسَانِ ، وَتُدَمِّرُ الْحُقُولَ وَتُبَدِّدَ الثَّرَوَاتِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلكَ تَبَاعَدَتْ خُطَي الْعَجُوزَ عَنْ أَرْضِنَا وَحَطَّتْ هِيَ وَطُيُورِهَا وَمَعْزُوفَاتِهَا عَلَى أَرْضٍ أُخْرَي أَكْثَرَ أَمْناً وَسَلاَمَاً .
مَرَّتْ الأَيَّامُ سَرِيعَةً ، وَالْحَالُ عَلَى مَا هَوَ عَلَيْهِ ، نَلْتَقِي .. كُلٌّ مِنْ الأَصْدِقَاءِ يُمَثِّلُ قَرْيَتَهُ الصَّغِيرَةِ الَّتي أَتي مِنْهَا بَاحِثاً في أَرْضِنَا عَنِ الأَحْلاَمِ ، وَعَنْ عَجُوزِ الْحِكَايَاتِ الْقَدِيمَةِ الَّتي مَا فَرِغَ جِرَابُهَا يَومَاً مِنَ النَّوَادِرِ وَالأَسَاطِيرِ وَالْمَلاَحَمِ الْبُطُولِيَّةِ . وَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوس في ذَاتِ الْمَكَانِ اشْتدَّتْ رِيِحٌ عَاصِفَةٌ هَزَّتْ الأَشْجَارَ بِعُنْفٍ وَلَطَمَتْ أَبَوَابَ وَشَبَابِيكَ الْبيُوتِ الْقَرِيبَةِ ، وَسَكَنَتْ الْعَصَافِيرُ أعْشَاشَهَا ، وَمَلَئَتْ الأَتَرِبَةُ وَذَرَّاتُ الرِّمَالِ الْخَفِيفَةِ كُلَّ الآفَاقِ . انْتَبَهْنَا لِطَائِرٍ عِمْلاَقٍ رَاحَ يَحُطُّ عَلَى إِحْدَي التِّلاَلِ الْعَالِيَةِ وَيَصِيحُ مِنْ بَيْنِ مِنْقَارِهِ الطَّوِيلِ صَيْحَاتٍ أَرْعَدَتْنَا فَانْكَمَشْنَا خَائِفِينَ .
فَرَدَ الطَّائِرُ العِمْلاَقُ جَنَاحَيْهِ فَظَلَّلَ بهِمَا بيُوتَ الْقُرَى الْمُتَجَاوِرَةِ الصَّدِيقَةِ ، وابْتَسَمَ ابْتِسَامَةً كَأَنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُهَدِّئَ مِنْ رَوْعِنَا وَفَزَعِنَا .
بَدَأْنَا نَنْظُرُ إِلي الطَّائِرِ بعَيْنٍ أُخْرَي ، ظَهَرَ لَنَا كَأَنَّه يَبْكِي ، فَتَدْمَعَ عَيَنَاهُ بِدِمُوعٍ رَاحَتْ تَلْمَعُ مِنْ أَسْفَلِ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهَا جَوْهَرَةٌ تَتَقَلَّبُ تَحْتَ شَمْسِ النَّهَارِ .
وَعِنْدَئِذٍ رَاحَ يَهْبِطُ مِنْ التَّلِّ الْعَالِي وَيَمْشي بأَرْجُلِهِ الَّتي تُشْبِهُ أَرْجُلَ الآدَمِيينَ وَبَدَأَ جِسْمُهُ يَتَضَاءَلُ وَيَصْغُرَ كُلَّمَا خَطَى نَحْوَنَا حَتَّي رَأَيْنَاهُ مَجَسَّدَاً في الْمَرْأَةِ الْعَجُوزِ .
الْعَجُوزُ مَرَّةٌ أُخْرَي في أَرضِنَا ، إِنَّ مَا حَدَثَ الآنَ شَيءٌ يُثِيرُ الرُّعْبَ وَالْفَزَعَ .. الطَّائِرُ الْعِمْلاَقُ صَارَ هُوَ الْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ الَّتي نَبْحَثُ عَنْهَا .. أَحَسَّتْ الْمَرْأَةُ بِمَا يَدُورُ في أَذْهَانِنَا مِنْ أَسْئِلَةٍ ، تَبَسَّمَتْ وَلاَ تَزَالُ آثارُ الدُّمُوعِ في عَيْنَيْهَا ، وَرَاحَتْ تَتَنَهَّدُ تَنْهِيدَةً طَوِيلَةً ، قَالَتْ : أَرْضُ الأَحْلاَمِ يَا عَصَافِيرِي الصِّغَارِ هِيَ الأَرْضُ الَّتي يُمْكِنُ لَكُمْ أَنْ تَتَفَتَّحُوا فِيهَا ، وَتَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا وَتَسْتَنْشِقُوا هَوَاءَهَا الْعَلِيلَ ، أَمَّا الأَرْضُ الأُخْرَى فَإنَّها أَرْضٌ خَبيثَةٌ ، تُنْبِتُ فِيهَا الْفِتَنَ وَالْكَرَاهِيَةَ وَحُبِّ النَّفْسِ ، لَيْسَ تَعْرِفُ سَمَاءُهَا طَيُورَ الْغَرَانِيقَ الْمَلاَئِكِيَّةِ وَلاَ تَعْرِفُ أَرْضُهَا مِثَلَ أَحْلاَمِكُمْ الطَّيِّبَةِ النَّبيلَةِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلكَ تَحَوَّلْتُ إِلي ذَلكَ الطَّائِرَ الْعِمْلاَقِ غَرِيبَ الْمُنَظَرِ ، وَالَّذِي هُوَ انْعِكَاسٌ لِمَا صَارَتْ إِلَيْهِ أَحْوَالُ الْقُرَي مِنْ تَرْوِيعٍ وَدَمَارٍ .
وَلأَجْلِ ذَلكَ قَرَّرَتُ الاخْتِفَاءَ حتَّى لاَ تَفَرُّوا مَفْزُوعِينَ مِنْ هَيْئَتِي الْمُفْزِعَةِ بَعْدَ أَنْ أَلِفْتُمْ طُيُورِي الْمَلاَئِكِيِّةِ الْجَمِيلَةِ وَمَعْزُوفَاتِي الْحَنُونَةِ . وَلِكَيْ تَتَدَبَّرُوا أَمْرَكُمْ ، وَتَعْتَمِدُوا في تَحْقِيقِ أَحْلاَمِكُمْ وَأَمَانِيكُمْ عَلَى عَزَائِمِكُمْ وَإِرَادَتِكُمُ الْحُرَّةِ ، وَحُسْنِ تَعَاوُنِكُمْ وَصَنِيعِكُمْ ، وذلك بِأَنْ تُقَدِّمُوا الْوُعُودَ والآمَالَ لِغَدٍ سَوْفَ تُشْرِقُ شَمْسُهُ عَلَى أَحَلاَمِكُمْ الصَّغِيرَةِ ، لِكَيْ تَكْبُرَ وَتُنْبتَ في أَرْضٍ لا تُهَدِّدَهَا الْكَوَابيسُ .
وَبينَمَا شَرَعَتْ الْعَجُوزُ في تَفْسِيرِ مَا حَدَثَ تَلاَشَتْ شَيْئاً فَشَيْئاً آثَارُ الأَتْرَبَةِ وَالْغُبَارِ الَّذّيْنِ عَلَقَا في فَضَاءِ الْمَكَانِ ، وَتَبَدَّلَتْ الْعَاصِفَةُ نَسِيمَاً رَقِيقَاً رَاحَ يُدَاعِبُ خُدُودَنَا برِقِّةٍ وَرِفْقٍ ، بَيْنَمَا عَادَتْ لَوْحَةُ الْمُرُوجِ وَأَعْوَادُ الذُّرَةِ تَتَحَرَّكُ ، وَتَدُبُّ فِيهَا الْحَيَاةُ مَرَّةً أُخْرَي ، وقَدْ تَمَايَلَتْ طَرَبَاً لِصَوْتِ النَّاي الْحَنُونِ أَجْنِحَةُ الْغَرَانِيقِ الْمَلاَئِكِيَّةِ الَّتي مَلأَتْ السَّمَاءَ الزَّرْقَاءَ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق