جبير المليحان
في الحارات الصغيرة ، تمتد الشوارع الكثيرة مسافة ، ثم تنتهي .
الهواء الذي يملأ تلك الشوارع القصيرة..
يحرك الهواء الغبار و بقايا الأوراق .. و الروائح الطائرة من الأكوام المتروكة ..
هذا الهواء يخرج من شارع صغير ، إلى شارع ، إلى شارع ..
يدور في الشارع ، ماشيا على مهل ، ملتفا ، و ملتويا .. حتى يصرفه جدار ما ، فيتكوم قليلا .. و تسقط الأوراق منه ، و تتكوم مخشخة ..
كانت النسمة الصغيرة الباردة من ضمن الحزم الطائرة مع هذا الهواء .
دارت النسمة الصغيرة الباردة معه .. حملت أوراقا .. مبتعدة عن الروائح ..
أسرعت .. الروائح تلحقها ..
و عندما تكوم الهواء وسط الحارة مرة أخرى ، أمام جدار ، تحت تلك الشجرة ..
لم تستطع النسمة الصغيرة الباردة أن تستقر .. دارت و دارت ، ثم طارت بسرعة ، و هي تقول :
- لأخرج من هذا الجو الخانق !!
فرت ، لكن الجدار الكبير الواقف صدمها ، تلوت متألمة ، وانحدرت حتى استقرت في الظل ..
كانت أوراق الشجرة الكبيرة تحدق بها و هي واقفة منتظرة ..
هبت النسمة الصغيرة الباردة إلى الأغصان ، و هفهفت بين ثنايا الأوراق الخضراء فرحة ..
فرحت الأوراق و تحركت بطرب ، و أصدرت ألحانا صغيرة و جميلة كالغناء ..
توافدت العصافير : من الجدران القصيرة ، من الشقوق ، من فوق سعف النخيل اليابسة ، من السطوح حيث تخبئ أعشاشها ، من كل مكان ..
جاءت العصافير ، و حطت على الأغصان ..
توقف رجل محني الظهر ، و رفع عينيه الصغيرتين إلى أوراق الشجرة التي تعزف ألحانها .. شاهد العصافير الفرحة
و من نافذة قريبة أطلت فتاة صغيرة بضفيرتين طويلتين ، و عينين ذكيتين ، كانت تبتسم ، و هي تشرع النافذة للهواء ..
نور الشمس الناعم أخذ يتماوج من بين الأغصان مطاردا قطع الظل المرحة ..
ازداد فرح النسمة الصغيرة الباردة ، و تمدد جسمها و اتسع ..
تراقصت الأشجار الأخرى القريبة و اهتزت ..
طربت النسمة ، و لوحت بمناديلها البراقة ، و انطلقت من فوق الجدران ..
ماجت في الشوارع ..
و انطلقت إلى الحقول ..
كانت أسراب العصافير تتبع النسمة الباردة و هي تكسو الأشياء ..
و هاهم الأطفال اللاعبون يجرون خلفها ..
و أوراق الأشجار تلتفت ..
حتى المياه .. مياه البرك النائمة اختضت و تماوجت فرحة ..
الرجل العجوز يهمس باسما : يا لهذه النسمة الصغيرة الباردة !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق