الحمامة
قصة للفتيان
بقلم : طلال حسن
منذ خروجها
من البيضة ، والشيخ حامد يعتني بهذه الحمامة البيضاء ، ولأن أمها المسكينة ، أكلها
القط الأسود ، صار هو له أماً .
كان يزقها من فمه ، كما تزق الحمامة الأم صغيرتها ، حتى
كبرت ، وتعلمت الطيران ، وراحت تدور فوق الحقول المجاورة ، ثم تعود إلى الشيخ .
ومرض الشيخ ، واشتد مرضه ، وحاول ابنه وزوجة ابنه
معالجته ، دون جدوى ، وضعفت قواه ، حتى أوشك على الهلاك .
وذات صباح ، قالت الزوجة الطيبة ، على مسمع من الحمامة :
لو إنني أعرف دواء لعلاجه ، لجلبته له ، مهما كان الثمن .
وعلى الفور ، طارت الحمامة البيضاء ، طارت بعيداً ، ومع
غروب الشمس عادت متعبة ، وفي منقارها حزمة صغيرة من العشب .
وما إن رآها الزوج ، ورأى العشب الذي في منقارها ، حتى
استبد به الغضب ، فأخذ العشب منها ، وألقاه جانباً ، وصاح بها : أيتها اللعينة ،
هذا عشب سام ، اذهبي من هنا وإلا قتلتك .
وأطرقت الحمامة رأسها ، ثم خرجت ، وحلقت بعيداً ، وفي
اليوم التالي ، سأفر الزوج إلى قرية بعيدة ، وقال لزوجته : اهتمي بأبي حتى أعود .
واعتدل الشيخ بصعوبة في فراشه ، وقال لزوجة ابنه : هاتي
العشب ، الذي جاءت به الحمامة .
وجاءت الزوجة الشابة بالعشب ، فقال الشيخ بصوت واهن :
أغليه ، أريد أن أشربه .
واتسعت عينا الزوجة الشابة خوفاً ، وقالت : لكنه عشب سام
.
فصاح الشيخ حامد بصوت مرتعش : أغليه ، لا أريد أن أعيش
بعد أن طردت حمامتي .
" 2
"
ــــــــــــــــــــ
وأحضرت
الزوجة الشابة ، العشب الذي جاءت به الحمامة البيضاء ، وقطعته ، ووضعته قي قدر ،
وجعلته يغلي ، حتى أصبح كالحساء .
وقدمته إلى الشيخ المريض ، فاحتسى منه قليلاً ، وتمدد
ينتظر ، لكنه بدل أن يموت كما أراد ، صار ـ ويا للعجب ـ شاباً في مقتبل العمر .
وعاد الزوج ، وفوجىء بشاب يجلس في محل أبيه ، فنظر إلى
زوجته غاضباً ، وقال : أين أبي ؟
وأصيبت الزوجة بالخرس ، فقال الشيخ ـ الشاب : أنا أبوك ،
يا بنيّ .
والتفت الزوج إلى زوجته ، وسألها ثانية : أين أبي ؟
أخبريني وإلا ..
وأشارت الزوجة بيد مرتعشة إلى الشيخ ـ الشاب ، وقالت :
هذا هو أبوك .
واقترب الزوج منها ، وهو يصيح : أبي كان شيخاً ، فكيف
صار شاباً ؟
وهمت أن تجيبه ، فانقض عليها يريد قتلها ، فهربت مولولة
، ولاذت ببيت أحد الجيران ، فأغلق الزوج الباب ، وذهب إلى إخوتها ، وأخبرهم بما
جرى .
" 3
"
ـــــــــــــــــــ
حضر إخوتها
غاضبين ، وهمّوا بمعاقبة أختهم ، فقالت باكية : لم أخطىء ، أراد الشيخ أن أغلي
العشب فغليته ، وما إن شرب منه حتى صار شاباً .
لم يصدقها أحد ، فقال الجار الذي لاذت به : هاتوا شيخاً
، وليشرب من هذا الحساء ، من يدري ، لعل المرأة المسكينة صادقة .
وعلى الفور ، جاءوا بامرأة عجوز ، وشربت من الحساء ،
وإذا بها تصبح صبية في مقتبل العمر ، دهش الجميع ، وعرفوا أن الزوجة صادقة .
ونظرت الصبية العجوز إلى الشيخ ـ الشاب ، وقالت مذهولة :
حامد !
وحدق الشيخ الشاب فيها مذهولاً ، وقال : حمدية !
واقترب منها ، وقال ، والجميع ينظرون إليه مذهولين :
لقد حرمت سابقاً من الزواج بك ، فلنتزوج الآن .
وهذا ما حدث ، وهكذا انتهت الحكاية ، وعاشا عيشة سعيدة ،
أما الحمامة ، فبعد أن عرفت بما جرى ، عادت إلى صاحبها الشيخ ـ الشاب حامد ، ففرح
بعودتها أشد الفرح .
عن حكاية تركمانية من العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق