القدر
قصة للفتيان
بقلم: طلال حسن
" 1
"
ــــــــــــــــــــ
أرق الملك
ذات ليلة ، فخرج متنكراً من قصره ، وراح يتجول وحده في المدينة ، حتى وصل حيّاً لا
يسكنه غير الفقراء والمعدمين .
ومن أحد البيوت الفقيرة ، خرج شيخ يشع النور من وجهه ،
وملابسه بيضاء كلها ، وكذلك عمامته ، وكأنها منسوجة من شعاع القمر .
وحدق الملك فيه متعجباً ، وقال : يا للعجب ، لم أرَ
شيخاً مثلك في مملكتي من قبل .
فابتسم الشيخ ، وقال : أنت ترى الآن .
وتساءل الملك : من أنت ؟
فردّ الشيخ قائلاً : أنا القدَر .
وصمت لحظة ، ثم قال : رُزق صياد السمك بولد ، فكتبتُ قدَره
على جبينه .
وقال الملك : وماذا يمكن أن تكتب ؟ إنه ابن صياد سمك ،
فلن يكون ، حين يكبر ، إلا صياد سمك .
وسار الشيخ مبتعداً ، وهو يقول : بل سيكون زوجاً لابنتك
، التي ستولد بعد أسبوع .
ووقف الملك مذهولاً يتمتم : ابنتي ! هذا محال .
" 2 "
ــــــــــــــــــ
بعد أسبوع ،
رزقت زوجة الملك بطفلة جميلة ، وصُعق الملك ، وتراءى له الشيخ ـ القدر يقول له
أمام بيت صياد السمك : سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد أسبوع .
وهبّ من مكانه صارخاً : هذا محال .
واستدعى جلاده في الحال ، ودله على بيت صياد السمك ،
وأمره قائلاً : خذ ولدهم الصغير ، واذبحه في الغابة ، وجئني بشيء من دمه .
وانحنى الجلاد للملك وقال : أمر مولاي .
ولم يهدأ للملك بال ، حتى عاد الجلاد من الغابة ، ومعه
شيء من الدم ، قدمه للملك ، وقال بصوت مضطرب : هذا دمه ، يا مولاي .
" 3
"
ــــــــــــــــــــ
مرت السنون ،
وكبرت الأميرة ، حتى تفتحت شابة جميلة ، كما تتفتح الزهرة الفواحة ، وغدت في سنّ
تؤهلها للزواج .
وكان الملك يأمل أن يزوجها أميراً ، من عائلة ملكية ،
تدعم حكمه ، وتقوي مملكته ، في مواجهة الممالك العدوة ، التي تحيط بمملكته .
وذات يوم ، خرج الملك للصيد في الغابة ، ومعه عدد من
الحرس والمرافقين ، من بينهم الجلاد ، وأبقى وزيره المخلص نائباً له على الحكم في
غيابه ، كما أوصى المربية العجوز ، أن ترعى الأميرة الشابة ، وتحرص على راحتها ،
حتى يعود .
وتوغل الملك وحرسه في الغابة ، وراء الطرائد وخاصة
الغزلان ، وفي اليوم الثالث ، وقد توغلوا كثيراً في أعماق الغابة ، رأى حطاباً
كبير السن ، أسود البشرة ، ومعه شاب وسيم ، أبيض البشرة .
وتوقف الملك محدقاً في الشاب ، وقال للملك : أيعقل أنّ
هذا الشاب ابنك .
ورد الحطاب العجوز متلعثماً : إنه في الحقيقة ليس ابني ،
ولكني ربيته كابني .
وقال الملك ، وهو مازال يحدق في الشاب : لا أفهم .
فقال الحطاب العجوز : منذ سنين ، سنين عديدة ، جاء رجل
إلى هذا المكان ، ومعه طفل يريد أن يذبحه ، ولكن بدل أن يذبحه أعطاه لي .
وأشار الملك إلى الجلاد ، وقال : أهذا هو الرجل ؟
ولاذ الحطاب بالصمت ، فتقدم الجلاد من الملك ، وانحنى
بين يديه ، وقال : الأمان ، يا مولاي .
فقال الملك : لك الأمان ، تكلم .
ورمق الجلاد الشاب بنظرة سريعة ، وقال : كان طفلاً
بريئاً ، يا مولاي ، فلم أستطع ذبحه ، وذبحت بدله أرنباً برياً ، وجئتك بدمه .
وهمهم الملك ، وقد امتقع وجهه ، وتراءى له القدر ـ الشيخ
يقول : سيكون زوجاً لابنتك ، التي ستولد بعد أسبوع .
" 4
"
ـــــــــــــــــــــ
كتب الملك
رسالة إلى وزيره ، وطلب من الشاب ، أن يحملها إليه على جناح السرعة ، وعلى جناح
السرعة ، ركب الشاب حصانه ، وانطلق به إلى الوزير ، حاملاً معه رسالة الملك .
وعند منتصف الليلة التالية ، وصل الشاب على حصانه قصر
الملك ، لم يكن الوزير موجوداً ، فاستقبلته الأميرة ومربيتها العجوز ، فأخذتا منه
الرسالة ، وقرأتها الأميرة خفية ، فهالها مضمونها .
وتساءلت المربية العجوز : ماذا يقول الملك للوزير ، يا
سيدتي ؟
فردت الأميرة قائلة : يقول له ، عندما تصلك رسالتي ،
اقطع رأس حاملها فوراً .
وشهقت المربية العجوز هلعاً ، وقالت : يقطع رأس هذا
الشاب ؟ يا للهول .
وأمسكت الأميرة الرسالة ، وقالت ، وعيناها الجميلتان
تلمعان : سأغيرها .. وسأتزوجه .
وصاحت المربية العجوز : ماذا !
فقالت الأميرة : هذا الشاب قدري .
" 5
"
ــــــــــــــــــ
عاد الملك من
الصيد ، وفوجىء بالقصر يتلألأ بالأفراح ، وأقبل الوزير يستقبله ، وفي أثره أقبلت الأميرة
والشاب ، ويد كل منهما في يد الآخر ، وقد غمرهما الفرح الشديد .
وهمس الملك
للوزير غاضباً : ماذا فعلت !
فردّ الوزير قائلاً : ما طلبته مني في رسالتك بالضبط ،
يا مولاي .
واقترب الملك من الأميرة ، وقال : بنيتي ..
وقاطعته
الأميرة قائلة : كلّ وقدره ، وهذا قدري ، يا أبي ، أرجوك باركني .
وأطرق الملك رأسه ، آه من القدر ، ولأنه يحب ابنته ،
ويريد لها الخير ، مدّ يديه الأبويتين ، وضمها إلى صدره ، وقال : أتمنى لكِ
السعادة ، يا بنيتي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق