الجمل
بقلم: طلال حسن
قبيل المغرب ، أقبل حامد على
خيمة أخيه " أبو أحمد " ، ورأى فرسه مربوطة إلى نخلة قريبة ، فخمن أنه
موجود ، فتوقف قريباً من الخيمة ، وصاح : أخي ، أبا أحمد .
وبدل أبو أحمد ، أقبلت زوجته أم أحمد من داخل الخيمة ، فبادرها حامد قائلاً
: آمل أن يكون أخي أبو أحمد بخير اليوم .
فردت أم أحمد قائلة بشيء من القلق : لقد ذهب إلى الصيد ، منذ الصباح .
وهز حامد رأسه ، ناظراً إلى الفرس ، وقال : عجباً ، لكن فرسه هنا لا.
فقالت أم أحمد : ذهب على الجمل .
وأطرق حامد رأسه لحظة ، ثم استدار ، وقال وهو يسير مبتعداً : سأذهب إلى
خيمتي ، وسأعود فيما بعد ، تحياتي إلى الجد .
وبعد العشاء ، جاء حامد ثانية ، وتوقف على مقربة من الخيمة ، وصاح : أبا
أحمد .
وأقبلت أم أحمد مسرعة ، من داخل الخيمة ، وقبل أن ينطق حامد بكلمة ، قالت :
لم يعد بعد .
وشعر حامد بقلقها ، فنظر إليها ، وقال : لا عليكِ ، سنذهب أنا وأخي ، ونبحث
عنه ، اطمئني .
لم تطمئن أم أحمد ، فأبو أحمد لم
يشفَ من وعكته الأخيرة تماماً ، وقد تعرض للاغماء أكثر من مرة ، ومن يدري ، لعله
أغمي عليه ، و ..
ودخلت الخيمة ، وجلست إلى جانب الجد المقعد ، ولم تنم حتى الفجر ، وكيف
تنام ، وأبو أحمد غائب ، ولا تعرف أي شيء عما جرى له في الصحراء .
وعاد حامد وأخوه الشاب ، في صباح اليوم التالي ، واستقبلتهما أم أحمد
بعينين متعبتين ، لم تذوقا طعم النوم لحظة واحدة ، فقال حامد : بحثنا في كلّ مكان
، ولم نعثر له على أثر .
وحاول الأخ الشاب أن يخفف عنها ، فقال : لا عليكِ ، سنذهب ثانية ، ونبحث
عنه حتى نجده .
وحانت من أم أحمد نظرة ، فانفرجت أساريرها ، وصاحت بشيء من الفرح : آه إنه
أبو أحمد ، ها هو قادم على الجمل .
والتفت حامد وأخوه الشاب ، ونظرا حيث تنظر أم أحمد ، وإذا الجمل قادم من
بعيد ، وقد انكب أبو أحمد فوقه ، فأسرعا إليه ، وأنزلاه عن الجمل .
وصاحت أم أحمد بصوت باكٍ : يا ويلتي ، مات .
وأدخ الخيمة ، ووضعاه في فراشه ، فنظر الجد المقعد إليه ، وقال : لا .. لا
.. إنه حيّ .
وقبيل منتصف النهار ، أفاق أبو أحمد ، وفتح عينيه المتعبتين ، فأعدت له أمه
حساء ، وأطعمته قليلاً منه ، ثم أرقدته ، لعله يرتاح أكثر .
ونظر حامد إلى أخيه ، وتساءل قائلً : ترى كيف قاد الجمل إلى هنا ، وهو في
هذه الحالة ؟
فقال الجد المقعد : لم يقد هو الجمل إلى هنا ، بل الجمل هو الذي قاده .
ونظروا إليه مندهشين ، فتابع قائلاً : إذا ضلّ الجمل طريقه في الصحراء ،
فإنه يتجه مباشرة إلى مسقط رأسه ، وهنا مسقط رأس هذا الجمل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق