الكذاب الأكبر
قصة للفتيان
بقلم : طلال حسن
بعض الملوك ،
في الحكايات ، يحبون القطط ، أو الكلاب ، أو الخيول ، أو الحروب ، أو الجواري ،
لكن ملك حكايتنا هذه كان يحب الكذب .
ولحبه الشديد للكذب ، قرر هذا الملك ، أن يجري مسابقة
لاختيار الكذاب الأكبر في مملكته ، ويقدم للفائز صندوقاً مليئاً بالذهب والجواهر
واللؤلؤ ، أما الخاسر فينزل فيه أشدّ العقاب .
ورغم الطمع بالصندوق ، المليء بالذهب والجواهر واللؤلؤ ،
إلا أن الخوف من العقاب الشديد ، جعل الناس جميعاً يترددون ، فلم يتقدم للمسابقة
غير ثلاثة أشخاص فقط لا غير .
وفي اليوم المعين للسباق ، اتخذ الملك مجلسه في قاعة
العرش ، وحوله جلست حاشيته ، ووقف بالقرب من الباب الحاجب ، وعدد من الحراس .
واعتدل الملك في جلسته على العرش ، وقال : والآن لنبدأ
المسابقة ، ونختر الكذاب الأكبر .
وعلى الفور ، تقدم المتسابق الأول ، وانحنى للملك ، وقال
: مولاي .
فحدق الملك فيه ، ثم قال : اكذبْ .
فقال المتسابق الأول : مولاي ، أفقت البارحة ، حوالي
منتصف الليل ، وعصافير بطني تزقزق من الجوع ، ولأن زوجتي كانت نائمة ، ولم أشأ أن
أوقظها لتعد لي
بعض الطعام ، ركبت حماري الطائر ، وذهبت إلى جزيرة واق
واق ، وأكلت هناك سمكاً مشوياً ، ثم عدت إلى البيت ، فوجدت زوجتي ما تزال نائمة .
وحدق الملك فيه ممتعضاً ، وقال : هذا هراء ، إنني لا أرى
فيما قلته أي كذب .
ثم التفت إلى الحراس ، وقال : خذوه هو وحماره الطائر ،
وانفوه إلى جزيرة واق واق .
وفيما أخذ الحراس المتسابق الأول إلى خارج القاعة ، تقدم
المتسابق الثاني من الملك ، وانحنى له بإجلال وتعظيم ، وقال : مولاي .
فنظر الملك إليه ، وقال : اكذب .
فقال المتسابق الثاني : مولاي ، عطشت عنزتي ، فأخذتها
صباح اليوم إلى البحيرة ، وبشفطة واحدة شربت كلّ ما فيها من ماء ، ولم ترتوِ .
وحدق الملك فيه ممتعضاً ، وقال : أيها الأبله ، ليس فيما
قلته أي كذب .
ثم التفت إلى الحراس ، وقال : خذوا هذا الأبله ، وضعوه
هو وعنزته في طوف ، وادفعوه وسط البحيرة ، لعله يتعلم شيئاً من الكذب .
وأخذ الحراس المتسابق الثاني إلى خارج القاعة ، فالتفت
الملك إلى رجال حاشيته ، وقال : يا للأسف ، يبدو أنه لا يوجد في مملكتي كذاب واحد
.
وهنا تقدم المتسابق الثالث ، وانحنى للملك بإجلال ، وقال
: مولاي .
فنظر الملك إليه ، ثم قال : حسن ، اكذب .
وقال المتسابق الثالث بصوت مثير : عفو مولاي ، سأتكلم
لكن لن تصدق كلامي ، وستقول لي على الفور ، أنت تكذب .
وقال الملك : هذا ما أتمناه ، تكلم .
فقال المتسابق الثالث بصوت هادىء : مولاي ، قبل أن ينتقل
جلالة الملك والدكم ، إلى الرقيق الأعلى ، جاءه أبي في قاعة العرش هذه ، وأودع عنده
جرة كبيرة مليئة بالليرات الذهبية .
ولم يتمالك الملك نفسه ، فهب من مكانه ، وصاح منفعلاً :
أيها اللعين ، أنت تكذب .
ولاذ المتسابق الثالث بالصمت ، فقال الملك ، وهو يحاول
أن يتمالك نفسه دون جدوى : أبوك اللعين ، ماذا كان يعمل ؟
فردّ المتسابق الثالث قائلاً بصوته الهادىء المثير : كان
يعمل حمالاً ، يا مولاي .
وصاح الملك منفعلاً : حمال يملك جرة ..
وقال المتسابق الثالث : مليئة بالليرات الذهبية .
ومرة أخرى ، لم يتمالك الملك نفسه ، فصاح منفعلاً : أنت
أكبر كذاب في ..
وصمت الملك ، وجلس مهزوماً على عرشه ، فتقدم المتسابق
الثالث منه ، وقال : مولاي ، إذا كنتُ صادقاً ، فأعد لي الجرة المليئة بالليرات
الذهبية ، التي أودعها أبي عند جلالة الملك والدكم ، أما إذا كنتُ أكبر كذاب ،
فأعطني الجائزة .
وتناول الملك الصندوق ، ودفعه بشيء من الخشونة إلى
المتسابق الثالث ، وقال : خذ جائزتك ، لكن لا تفتح الصندوق إلا في بيتك .
وأخذ المتسابق الثالث الصندوق ، وانحنى للملك ، وقال :
أشكرك ، يا مولاي .
وأسرع المتسابق الثالث بالصندوق مبتعداً عن القصر ، وما
إن دخل البيت ، حتى نادى زوجته فرحاً : تعالي ، لقد فزت بالصندوق ، وسأفتحه الآن .
وأمام عيني زوجته المترقبتين المتلهفتين ، فتح المتسابق
الثالث الصندوق ، وإذا هو مليء .. بالحصى والحجارة والرمال .
13 / 9 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق