جحا الياباني
قصة للأطفال
بقلم: طلال حسن
" 1 "
ــــــــــــــــــــ
نحن لا نؤمن بالحلول ، على العكس
من بعض اليابانيين ، وبحسب أستاذ في " الحكايات الشعبية العالمية ، من
هيروشيما في اليابان ، حلت روح جحا البغدادي ، في شخص ولد في قرية يابانية قريبة
من طوكيو ، قبل مئات السنين .
ولأن جحا هو جحا ، في كلّ زمان ومكان ، وقد عرفناه في العراق وتركيا والصين
و .. و .. و .. تعالوا نراه في اليابان القديمة ، تعالوا نرَ .. جحا الياباني .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
ذات ليلة شتائية باردة ، جلس
جحا الياباني في كوخه ، إلى جانب موقد تشتعل فيه نار ، تشيع الدفء في الكوخ ، وفي
حضنه هرّه العجوز .
كان جحا الياباني وحده في الكوخ ، يتمتع بالدفء والأمان ، لكن ، في الخارج
، كان هناك لص فتيّ ، يراقبه من شقّ صغير في الباب .
وعلى عادته ، راح جحا يتحدث إلى هره العجوز ، ويودعه سره ، فهو ليس مجنوناً
، ليحدث غير هره العجوز ، ويودع لديه سره ، وأي سرّ .
وبصوت لا يكاد يُسمع ، قال جحا : اسمع أيها الهر العجوز ، اسمعني جيداً ،
ولا تخبر أحداً ، ولا حتى زوجتك ، التي رحلت في شتاء العام الماضي ، ما سأقوله لك
الآن ، فهو سرّ حياتي .
وصمت جحا الياباني ، ثم قال بصوت أشد خفوتاً : لؤلؤتي الغالية ، التي
ورثتها عن جدي ، حرامي بغداد ، هذا ما تقوله جدتي ، سأضعها في صندوق صغير ، وأدفنها
في أرضية الكوخ ، وأغطيها بالبساط .
ورفع الهر العجوز رأسه محدقاً فيه ، فصمت لحظة ، ثم قال : لست أحمق ، يا
هري العجوز ، لقد أوصيت اللؤلؤة ، أن تصير فأرة وتلوذ بالهرب ، إذا جاءها لص ،
وأراد أن يأخذها .
ونام جحا الياباني مطمئناً تلك الليلة ، فلم يسمع حديثه إلى الهرّ العجوز ،
سوى الهرّ العجوز ، فمن أين له أن يعرف ، أن اللص الفتيّ اللعين ، سمع ما قاله ،
وهو يرتجف من البرد خارج باب الكوخ ؟
" 3 "
ـــــــــــــــــــ
عاد جحا الياباني من رحلته ،
بعد بضعة أيام ، ودخل كوخه متلهفاً لرؤية لؤلؤته الغالية ، التي ورثها عن جده
" حرامي بغداد " .
واستقبله هره العجوز مرحباً : ميو .
وربت جحا الياباني على رأسه ، وقال : آه هري العزيز ، تعال نستخرج اللؤلؤة
.
ورفع البساط على عجل ، وعلى عجل استخرج الصندوق من أرضية الكوخ ، ونفض عنه
الغبار ، آه هنا تستقر لؤلؤته آمنة مطمئنة ، وقال لهره العجوز : انظر ، سأفتح
الصندوق ، وسترى لؤلؤتي الغالية ، التي ورثتها عن جدي حرامي بغداد .
وفتح جحا الياباني الصندوق الصغير ، وبدل لؤلؤته الغالية ، رأى فأرة صغيرة
، ما إن رأته ، حتى قفزت هاربة من الصندوق .
وفغر فاه وتمتم مذهولاً : لؤلؤتي !
وتقادحت عينا الهر العجوز ، وتذكر أنه لم يتذوق فأرة منذ أشهر عديدة ، ومدّ
جحا يديه نحو الفارة للامساك بها ، وقال : مهلاً يا لؤلؤتي ، أنا لستُ لصاً ، أنا
جحا ، صاحبك جحا .
لكن الفأرة الصغيرة لم تلتفت إلى كلامه ، وانطلقت مذعورة ، وكادت تجتاز
عتبة باب الكوخ ، لكن الهرّ العجوز ، كان لها بالمرصاد ، فوثب عليها ، وأمسكها بين
أسنانه ، فصاح به جحا الياباني : تمهل ، يا هري ، لا تبلعها ، إنها لؤلؤتي .
لكن الهر العجوز ، على عادته ، لم يتمهل ، وابتلع الفأرة الصغيرة ، وغيبها
في جوفه ، الذي لم تزينه فأرة منذ أشهر عديدة .
وتوقف جحا الياباني مذهولاً ، يكاد يبكي ، فلؤلؤته الغالية ، التي ورثها عن
جده حرامي بغداد ، ضاعت إلى الأبد ، ابتلعها هره العجوز الأرعن .
والتمعت عيناه ، حين أبرقت فكرة في رأسه ، فمدّ يديه ، وأخذ هره العجوز إلى
صدره ، إن لؤلؤته الغالية في مكان أمين ، لن يصل إليها إي حرامي ، حتى لو كان من
بغداد ، وتمتم فرحاً : آه ، يا لحمقي ، كيف لم أفكر في هذا منذ البداية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق