الفأْرُ والغُرابُ وَجُبْنَةُ الفُلاّح
القاضي أحمد ناطور
أُعَرِّفُكُمْ عَلى الفَلاَّحِ النَّشيْطِ، العَمِّ سُلَيْمانَ، الّذِي يَعْمَلُ فِي حَقْلِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الصَّباحِ البَاكِرِ حَتَّى مَغِيْبِ الشَّمْسِ، حَيْثُ نَجِدُ في حَقْلِهِ الزُّهُورَ وَالْخُضْرَواتِ وَأَشْجارَ الفَوَاكِهِ مِنْ عِنَبٍ وَتُفَّاحٍ وَتِيْنٍ.
كانَ العَمُّ سُلَيْمانُ يُحْضِرُ زُوَّادَةً كُلَّ صَباحٍ. يَضَعُها فِي عَرِيْشَتِهِ حَتَّى مَوْعِدِ الإِفْطَارِ، فَيَأْكُلُها لِيَعُودَ بَعْدَ ذلِكَ إلى عَمَلِهِ.
ذَاتَ يَومٍ، جَاءَ فَأْرٌ إِلى الْعَرِيشَةِ، فَشَمَّ رَائِحَةَ الْجُبْنِ مِنَ الزُّوَّادَةِ، فَاقْتَرَبَ منْها لِيَحْظَى بِوَجْبَةٍ شَهِيَّةٍ مِنَ اْلجِبْنِ، لَكِنَّهُ شاهَدَغُراباً يَنْظُرُ إِلى الزُّوّادَةِ وَيَسْتَعِدُّ لِخَطْفِها.
رَكَضَ الفَأْرُ مُسْرِعًا إِلى الزُّوَّادَةِ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ قَفَزَ الغُرابُ عَلى الزُّوَّادَةِ، وَأَمْسَكَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما بِطَرَفِها، وَأَخَذَ يَشُدُّها إِلَيْهِ.
قالَ الفَأْرُ: شَمَمْتُها أَوَّلاً، فَهِيَ لِيْ!
قالَ الْغُرابُ: بَلْ إِنَّها لِي. أَنا رَأَيْتُها قَبْلَكَ، وَقَدْ رَآني ذلِكَ الْفَلاَّحُ الَّذِي يَعْمَلُ هُناكَ!
طَالَ خلافُ الْفَأْرِ وَالْغُرابِ عَلَى قِطْعَةِ الْجِبْنِ الَّتِي فِي الزُّوَّادَةِ: اْلفَأْرُ يَقوْلُ إِنَّها لَهُ، وَالْغُرابُ يَقُولُ إِنَّها لَهُ.
قَالَ الْغُرابُ: دَعْنا نَذْهَبُ إِلَى القَاضِيَ رَزِينٍ لِيَحْكُمَ بَيْنَنَا..
وَافَقَ اْلفَأْرُ عَلَى هذا الاِقْتِراحِ، فَذَهَبا إِلى اْلقَاضِي رَزَيْنٍ وَمَعَهُما الزُّوَّادةٌ مَعَ قِطْعَةِ اْلجِبْنِ.
قالَ الغُرابُ لِلْقَاضِي رَزِين: يَا حَضْرَةَ القَاضِي: هذا اْلفَأْرُ اعْتَدَى عَلى جُبْنَتِي اَّلتِي كَانَتْ مَلْفُوفَةً بِقِطْعَةِ قِماشٍ مَعَ بَعْضِ اْلخُبْزِ، في عَرِيْشَةِ الفَلاَّحِ، فَقَدْ رَأَيْتُها قَبْلِهُ، فَاحْكُمْ لِي بِالجُبْنَةِ يا سَيِّدِي.
قَالَ القاضِيْ لِلْفَأْرِ: بِماذا تُدافِعُ عَنْ نَفْسِكَ أَيُّها اْلفَأْرُ: أَنَا الّذِي شَمَمْتُ رَائِحَةَ الْجُبْنَةِ أَوَّلاً، وَلَمَّا نَوَيْتُ أَخْذَها، جاءَ الغُرابُ لِيَأْخُذَها مِنِّي...
قالَ الْغُرابُ: هَل كُلُّ مِنْ يَشُمُّ شَيْئًا يُصْبِحُ مُلْكًا لَهُ..
أَجَابَ اْلقاضِي: أَنْتَ بِحاجَةٍ إِلى تَقْدِيْمِ دَلِيْلٍ، إِنْ كان أَحَدٌ رآكَ تَلْتَقِطُ اْلجُبْنَةً أَوَّلاً، وَأَنَّ اْلجُبْنَةَ لاَ صَاحِبَ لَها.
قَالَ الغُرابُ: رَآنِيَ اْلرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي اْلحَقْلِ وَأَنا أَقِفُ عَلى خَشَبَةِ الْعَرِيشَةِ وَأُراقِبُ الزُّوَّادَةُ، أَرْجُوْ أَنْ تَسْتَمِعَ شَهادَتُهُ يَا سَيِّدِي.
حَضَرَ الْفَلاَّحُ فَسَأَلَهُ اْلقاضِي رَزِيْنٌ: هَلْ تَشْهَدُ بِأَنَّ هذا الْمُدَّعِي – الغُرابُ، قَدْ وَجَدَ الْجُبْنَةَ قَبْلَ هذا اْلفَأْرِ اْلمُدَّعِى عَلَيْهِ..؟
قالَ الْفَلاَّحُ: نَعَمْ أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ واقِفًا عَلَى خَشَبةِ اْلعَرِيْشَةِ، لكِنَّ هذِهِ الْجُبْنَةَ لَيْسَتْ لَهُ، وَلَيْسَتْ لِلْفَأْرِ، بَلْ هِيَ زُوَّادَتِي.. فَهِيَ لِي وَليْسَتْ مِنْ حَقِّ أَحَدِهِما...
قَالَ اْلقاضِي: أَنْتَ لَسْتِ شاهِدًا إِذَنْ، بل أَنْتَ تَدَّعِي بِأَنَّ الْجُبْنَةَ لَكَ..
رَدَّ الْفَلاّحُ: إِنَّها زْوَّادَتِي، وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَ لَكَ كُلَّ مَا فِيها وَلَوْنَ قِماشِ الزُّوَّادَةِ، وَحَجْمَ الْجُبْنَةِ وَكَمِّيَّةَ اْلخُبْزِ...
قَالَ اْلقاضِي: إِنَّكَ عَلَى حَقّ ٍ، وَتَسْتَطِيْعَ أَنْ تَسْتَعِيْدَ زُوَّادَتَكَ.
رَدَّ الْفَلاّحُ عَلَى كَلامِ اْلقاضِي: ما دَامَ أَخَذاهَا، فَإنَّنِي مُتَنازِلٌ عَنِ اْلجُبْنَةِ، وَلا مَانِعَ، أَنْ يَقْتَسِمَاها بَيْنَهُما، وَلكِنْ لِيْ طَلَبٌ عِنْدَ سَماحَةِ الْقاضِي.
سَأَلَ اْلقاضِي: مَا هُوَ مَطْلَبُكَ أَيُّها اْلفَلاّحُ.
قالَ اْلفَلاّحُ: أَن لا يَعْتَدِيَ اْلفَأْرُ عَلى حَقْلِي، وَبِالْمُقَابِلِ أَتْرُكُ لَهُ بَعْضَ الطَّعامِ، عِنْدَ الْعَرِيْشَةِ، وَكَذلِكَ أَنْ لا يَعْتَدِيَ الْغُرابُ عَلى كَرْمِي، مُقابِلَ أَنْ أَضَعَ لَهُ بَعْضَ الثِّمارِ عِنْدَ الْعَرِيْشَةِ.
سَأَلَ اْلقَاضِي اْلفَأْرَ وَاْلُغرابَ عَنْ رَأْيِهِما فِي اقْتِراحِ اْلفَلاّحِ، فَوافَقا بِكُلّ ِ سُرُورٍ وَتَعَهَّدا بِعَدَمِ الاِعْتِداءِ عَلَى مَحْصُولاتِ اْلفَلاّحِ.
أَمَرَ اْلقاضِي بَعْدَ ذَلِكَ بِتَقْسِيْمِ اْلجُبْنَةِ بَيْنَ اْلفَأَرِ وَالْغُرابِ، وَعاشَ الْجَمِيعُ، سُعَدَاء قَنُوعِينَ، فَالقَناعَةُ كَنْزٌ لا يَفْنَى.
كانَ العَمُّ سُلَيْمانُ يُحْضِرُ زُوَّادَةً كُلَّ صَباحٍ. يَضَعُها فِي عَرِيْشَتِهِ حَتَّى مَوْعِدِ الإِفْطَارِ، فَيَأْكُلُها لِيَعُودَ بَعْدَ ذلِكَ إلى عَمَلِهِ.
ذَاتَ يَومٍ، جَاءَ فَأْرٌ إِلى الْعَرِيشَةِ، فَشَمَّ رَائِحَةَ الْجُبْنِ مِنَ الزُّوَّادَةِ، فَاقْتَرَبَ منْها لِيَحْظَى بِوَجْبَةٍ شَهِيَّةٍ مِنَ اْلجِبْنِ، لَكِنَّهُ شاهَدَغُراباً يَنْظُرُ إِلى الزُّوّادَةِ وَيَسْتَعِدُّ لِخَطْفِها.
رَكَضَ الفَأْرُ مُسْرِعًا إِلى الزُّوَّادَةِ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ قَفَزَ الغُرابُ عَلى الزُّوَّادَةِ، وَأَمْسَكَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما بِطَرَفِها، وَأَخَذَ يَشُدُّها إِلَيْهِ.
قالَ الفَأْرُ: شَمَمْتُها أَوَّلاً، فَهِيَ لِيْ!
قالَ الْغُرابُ: بَلْ إِنَّها لِي. أَنا رَأَيْتُها قَبْلَكَ، وَقَدْ رَآني ذلِكَ الْفَلاَّحُ الَّذِي يَعْمَلُ هُناكَ!
طَالَ خلافُ الْفَأْرِ وَالْغُرابِ عَلَى قِطْعَةِ الْجِبْنِ الَّتِي فِي الزُّوَّادَةِ: اْلفَأْرُ يَقوْلُ إِنَّها لَهُ، وَالْغُرابُ يَقُولُ إِنَّها لَهُ.
قَالَ الْغُرابُ: دَعْنا نَذْهَبُ إِلَى القَاضِيَ رَزِينٍ لِيَحْكُمَ بَيْنَنَا..
وَافَقَ اْلفَأْرُ عَلَى هذا الاِقْتِراحِ، فَذَهَبا إِلى اْلقَاضِي رَزَيْنٍ وَمَعَهُما الزُّوَّادةٌ مَعَ قِطْعَةِ اْلجِبْنِ.
قالَ الغُرابُ لِلْقَاضِي رَزِين: يَا حَضْرَةَ القَاضِي: هذا اْلفَأْرُ اعْتَدَى عَلى جُبْنَتِي اَّلتِي كَانَتْ مَلْفُوفَةً بِقِطْعَةِ قِماشٍ مَعَ بَعْضِ اْلخُبْزِ، في عَرِيْشَةِ الفَلاَّحِ، فَقَدْ رَأَيْتُها قَبْلِهُ، فَاحْكُمْ لِي بِالجُبْنَةِ يا سَيِّدِي.
قَالَ القاضِيْ لِلْفَأْرِ: بِماذا تُدافِعُ عَنْ نَفْسِكَ أَيُّها اْلفَأْرُ: أَنَا الّذِي شَمَمْتُ رَائِحَةَ الْجُبْنَةِ أَوَّلاً، وَلَمَّا نَوَيْتُ أَخْذَها، جاءَ الغُرابُ لِيَأْخُذَها مِنِّي...
قالَ الْغُرابُ: هَل كُلُّ مِنْ يَشُمُّ شَيْئًا يُصْبِحُ مُلْكًا لَهُ..
أَجَابَ اْلقاضِي: أَنْتَ بِحاجَةٍ إِلى تَقْدِيْمِ دَلِيْلٍ، إِنْ كان أَحَدٌ رآكَ تَلْتَقِطُ اْلجُبْنَةً أَوَّلاً، وَأَنَّ اْلجُبْنَةَ لاَ صَاحِبَ لَها.
قَالَ الغُرابُ: رَآنِيَ اْلرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي اْلحَقْلِ وَأَنا أَقِفُ عَلى خَشَبَةِ الْعَرِيشَةِ وَأُراقِبُ الزُّوَّادَةُ، أَرْجُوْ أَنْ تَسْتَمِعَ شَهادَتُهُ يَا سَيِّدِي.
حَضَرَ الْفَلاَّحُ فَسَأَلَهُ اْلقاضِي رَزِيْنٌ: هَلْ تَشْهَدُ بِأَنَّ هذا الْمُدَّعِي – الغُرابُ، قَدْ وَجَدَ الْجُبْنَةَ قَبْلَ هذا اْلفَأْرِ اْلمُدَّعِى عَلَيْهِ..؟
قالَ الْفَلاَّحُ: نَعَمْ أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ واقِفًا عَلَى خَشَبةِ اْلعَرِيْشَةِ، لكِنَّ هذِهِ الْجُبْنَةَ لَيْسَتْ لَهُ، وَلَيْسَتْ لِلْفَأْرِ، بَلْ هِيَ زُوَّادَتِي.. فَهِيَ لِي وَليْسَتْ مِنْ حَقِّ أَحَدِهِما...
قَالَ اْلقاضِي: أَنْتَ لَسْتِ شاهِدًا إِذَنْ، بل أَنْتَ تَدَّعِي بِأَنَّ الْجُبْنَةَ لَكَ..
رَدَّ الْفَلاّحُ: إِنَّها زْوَّادَتِي، وَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَصِفَ لَكَ كُلَّ مَا فِيها وَلَوْنَ قِماشِ الزُّوَّادَةِ، وَحَجْمَ الْجُبْنَةِ وَكَمِّيَّةَ اْلخُبْزِ...
قَالَ اْلقاضِي: إِنَّكَ عَلَى حَقّ ٍ، وَتَسْتَطِيْعَ أَنْ تَسْتَعِيْدَ زُوَّادَتَكَ.
رَدَّ الْفَلاّحُ عَلَى كَلامِ اْلقاضِي: ما دَامَ أَخَذاهَا، فَإنَّنِي مُتَنازِلٌ عَنِ اْلجُبْنَةِ، وَلا مَانِعَ، أَنْ يَقْتَسِمَاها بَيْنَهُما، وَلكِنْ لِيْ طَلَبٌ عِنْدَ سَماحَةِ الْقاضِي.
سَأَلَ اْلقاضِي: مَا هُوَ مَطْلَبُكَ أَيُّها اْلفَلاّحُ.
قالَ اْلفَلاّحُ: أَن لا يَعْتَدِيَ اْلفَأْرُ عَلى حَقْلِي، وَبِالْمُقَابِلِ أَتْرُكُ لَهُ بَعْضَ الطَّعامِ، عِنْدَ الْعَرِيْشَةِ، وَكَذلِكَ أَنْ لا يَعْتَدِيَ الْغُرابُ عَلى كَرْمِي، مُقابِلَ أَنْ أَضَعَ لَهُ بَعْضَ الثِّمارِ عِنْدَ الْعَرِيْشَةِ.
سَأَلَ اْلقَاضِي اْلفَأْرَ وَاْلُغرابَ عَنْ رَأْيِهِما فِي اقْتِراحِ اْلفَلاّحِ، فَوافَقا بِكُلّ ِ سُرُورٍ وَتَعَهَّدا بِعَدَمِ الاِعْتِداءِ عَلَى مَحْصُولاتِ اْلفَلاّحِ.
أَمَرَ اْلقاضِي بَعْدَ ذَلِكَ بِتَقْسِيْمِ اْلجُبْنَةِ بَيْنَ اْلفَأَرِ وَالْغُرابِ، وَعاشَ الْجَمِيعُ، سُعَدَاء قَنُوعِينَ، فَالقَناعَةُ كَنْزٌ لا يَفْنَى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق