ريما في مأزق!
عواطف بصيص أبو حيّة
ريما طِفْلَةٌ مُؤَدَّبَةٌ، تَتَعَلَّمُ في الْـمَدْرَسَةِ، يُحِبُّها الْجَميعُ لِأَنَّها طِفْلَةٌ ذَكِيَّةٌ، هادِئَةٌ، وَلا تُؤْذي أَحَدًا، فَهِيَ تُحِبُّ اللَّعِبَ مَعَ جَميعِ أَصْدِقائِها وَصَديقاتِها.
عائِلَةُ ريما تُحِبُّها كَثيرًا، والِداها يَهْتَمّانِ بِها، وَيُساعِدانِها في دُروسِها، وَيُشارِكانِها أَلْعابَها.
في الْآوِنَةِ الْأَخيرَةِ تَغَيَّرَ تَصَرُّفُ ريما كَثيرًا؛ في الْبَيْتِ أَصْبَحَتْ تَرْفُضُ تَناوُلَ الطَّعامِ، وَتَدْخُلُ إلى غُرْفَتِها وَلا تَخْرُجُ مِنْها، وَعِنْدَما يَأْتِي أَحَدُ والِدَيْها لَلتَّحَدُّثِ مَعَها كَانَتْ تَأْبى الْحَديثَ، وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ ما يُؤلِـمُها.
في الْـمَدْرَسَةِ أَصْبَحَتْ ريما أَقَلَّ مَرَحًا في الاسْتِراحاتِ، وَعِنْدَما يَقْتَرِبُ مِنْها أَحَدٌ كانَتْ تَبْتَعِدُ عَنْهُ وَقَلَّتْ مُشارَكَتُها في الدُّروسِ، وَتَراجَعَتْ تَحْصيلاتُها، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ السَّبَبَ.
عادَتْ ريما في أَحَدِ الْأَيّامِ إلى الْبَيْتِ، دَخَلَتْ غُرْفَتَها، ارْتاحَتْ قَليلًا، وَأَخَذَتْ تَلْعَبُ بِأَلْعابِها. أُمُّها كانَتْ قَلِقَةً كَثيرًا، فَقَرَّرَتْ أَنْ تَعْرِفَ ما تَفْعَلُهُ ريما حينَ تَدْخُلُ إلى غُرْفَتِها، فَبَقِيَتْ خارِجَ الْغُرْفَةِ تَنْظُرُ بِقَلَقٍ دونَ أَنْ تَراها ريما.
أَخَذَتْ ريما لُعْبَةً مِنْ أَلْعابِها، وَهِيَ لُعْبَتُها الْـمُفَضَّلَةُ، وَأَخَذَتْ تَتَحَدَّثْ إلَيْها وَتَقولُ لَها:
- ما أَجْمَلَكِ يا لُعْبَتي، احْذَري أَنْ يُمْسِكَ جَسَدَكِ أَحَدٌ، لا تَكوني ضَعيفَةً، عِنْدَما اقْتَرَبَ مِنّي ذلِكَ الشِّرّيرُ الْيَوْمَ وَأَمْسَكَ يَدي وَآلَـمَني، لَمْ أَبْكِ بَلْ صَرَخْتُ، فَخافَ مِنّي وَتَرَكَني، لكِنَّهُ هَدَّدَني، وَقالَ: إذا قُلْتِ لِوالِدِكِ، سَآتي مَعَ أَوْلادٍ آَخَرينَ، وَسَنُبَرِّحُكِ ضَرْبًا. ضَمَّتْ ريما لُعْبَتَها وَبَدَأَتْ تَبْكي.
سَمِعَتْ أُمُّها ذلِكَ الْحَديثَ مَعَ اللُّعْبَةِ، وَلَمْ تَعْرِفْ كَيْفَ تَتَحَدَّثُ إلَيْها، فَفي الْفَتْرَةِ الْأَخيرَةِ كانَ هَمُّها أَنْ لا تَتَراجَعَ ريما في دُروسِها، لذلِكَ لَمْ تَعْرِفْ مِمَّ تَشْتَكي ريما بِالْفِعْلِ.
دَخَلَتِ الْأُمُّ إلى غُرْفَةِ ريما، وَبَدَأَتْ تَتَحَدَّثُ مَعَ اللُّعْبَةِ كَما فَعَلَتْ ريما.
أَخَذَتْ تَقولُ لَها: «أَيَّتُها اللُّعْبَةُ اللَّطيفَةُ، وَجْهُكِ حُلْوٌ، مَلابِسُكِ نَظيفَةٌ، بَسْمَتُكِ لَطيفَةٌ، لا يَنْقُصُكِ إلَّا أَنْ تَتَحَدَّثي أَجْمَلَ الْكَلامِ، احْكي لي ما الَّذي يُضايِقُكِ!».
طَبْعًا، لَمْ تُجِبِ اللُّعْبَةُ عَنِ السُّؤالِ، لكِنْ ريما فَهِمَتْ ما تَرْمُزُ إلَيْهِ الْأُمُّ، فَقالَتْ لَها: «سَوْفَ أَقولُ لَكِ ما الَّذي يُضايِقُني».
نَظَرَتِ الْأُمُّ إلى ريما بِعَطْفٍ وَحَنانٍ، وَقالَتْ: حَدِّثيني يا ابْنَتي!
تَنَهَّدَتْ ريما، ثُمَّ بَدَأَتْ بِالْحَديثِ...
- لا أَعْرِفُ كَيْفَ أَقولُ لَكِ هذا يا أُمّي، رُبَّما كُنْتُ أَنا السَّبَبُ لِـما يَحْدُثُ لي، لكِنّى أُقْسِمُ لَكِ أَنّي لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا سَيِّئًا.
بَدَأَ ذلِكَ عِنْدَما كُنْتُ عائِدَةً مِنْ بَيْتِ صَديقَتي مَرَح... الْتَقَيْتُ بِشابٍّ صَغيرٍ مَنَعَني عُبورَ الشّارَعِ، حاوَلْتُ أَنْ أَهْرُبَ مِنْهُ، لكِنَّهُ أَمْسَكَ بي، أَخَذَ يَتَحَسَّسُ جَسَدي، وَبَدَأْتُ بِالْبُكاءِ، عِنْدَها هَرَبَ ذلِكَ الشَّابُّ لَيْسَ بِسَبَبِ بُكائي، لكِنّي تَفاجَأْتُ بِاقْتِرابِ سَيِّدَةٍ عَجوزٍ مَنْ ذلِكَ الْـمَكانِ.
سَأَلَتِ الْأُمُّ قَلِقَةً مُضْطَرِبَةً: لِـماذا لَمْ تُخْبِرينا يا ريما؟
أَجَابَتْها بِصَوْتٍ مُتَقَطِّعٍ، وَأَجْهَشَتْ بِالْبُكاءِ: خِفْتُ يا أُمّي، أَنا لا أَعْرِفُ ذلِكَ الشّابَّ، وَلا أَعْرِفَ لِـمَاذا فَعَلَ هذا!
- وَهَل الْتَقَيْتِ بِهِ مَرَّةً أُخْرى؟
سَأَلَتِ الْأُمُّ.
أَجابَتْ ريما بِصَوْتٍ خافِتٍ: «نَعَمْ، كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ عَوْدَتي لِلْبَيْتِ مِنَ الْـمَدْرَسَةِ يَكونُ بانْتِظاري في الشّارِعِ الْـمُقابِلِ لِشارِعِ مَنْزِلِنا، عِنْدَها أَرْكُضُ سَريعًا حَتَّى لا يُمْسِكُني، وَالْيَوْمَ حينَ أَمْسَكَ بِيَدي بَدَأْتُ أَصْرُخُ، خَافَ وَهَرَبَ لِأَنَّ صَوْتي كانَ أَعْلَى مِنْ قُوَّتِهِ.
- لِـماذا لَمْ تَقولي لَنا يا ريما عَمّا يَحْدُثُ لَكِ؟
الْأُمُّ وَهِيَ تَحْضُنُ ابْنَتَها.
- خِفْتُ أَنْ أُعاقَبَ يا أُمّي.
أَجابَتْ ريما وَهِيَ تَضَعُ رَأْسَها عَلى صَدْرِ أُمِّها.
قالَتِ الْأُمُّ بِصَوْتٍ حَنونٍ: لكِنَّكِ لَسْتِ الـمُذْنِبَةَ يا بُنَيَّتي، ذلِكَ الشّابُّ سَيِّءُ الْأَخْلاقِ وَتَصَرُّفاتُهُ خَطيرَةٌ، جَسَدُكِ هُوَ مُلْكٌ لَكِ، وَلا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمَسَّكِ بِسوءٍ.
عَلَيْنا أَنْ نَضَعَ حَدًّا لِهذا التَّصَرُّفِ.
- كَيْفَ يا أُمّي؟
سَأَلَتْ ريما.
أَجابَتِ الْأُمُّ: سَتَعودينَ إلى الْبَيْتِ بِمُفْرَدِكِ، أَنا وَوَالِدُكِ سَنُراقِبُكِ مِنْ مَكانٍ قَريبٍ، وَعِنْدَما يَقْتَرِبُ ذلِكَ الشّابُّ، لا تَهْرُبي وَلا تَخافي، سَيَأْتي الشُّرْطًيُّ وَيَأْخُذُهُ إلى السِّجْنِ لِيُعاقِبَهُ عَلى أَعْمالِهِ الْـمُشينَةِ.
تَنَهَّدَتْ ريما لِسَماعِ خُطَّةِ الْأُمِّ.
وَفي الْيَوْمِ التّالي، عادَتْ ريما مُتَباطِئَةً في خُطُواتِها، فاجَأَها ذلِكَ الشّابُّ، وَجَرَّها إلى الْبِنايَةِ الْقَريبَةِ حَيْثُ لا يَراهُما أَحَدٌ، وَفي تِلْكَ اللَّحْظَةِ حَضَرَ والِدا ريما بِرِفْقَةِ الشُّرْطِيِّ.
رَكَضَتْ ريما نَحْوَ والِدَيْها، ضَمّاها وَهُما يَقولان لَها: أَنْتِ أَنْقَذْتِ بِتَصَرُّفِكِ الشُّجاعِ هذا الْكَثيرَ مِنَ الْأَطْفالِ، هذا الشّابُّ رُبَّما تَحَرَّشَ بِالْكَثيرِ مِنَ الْأَطْفالِ غَيْرِكِ، وَالْآنَ بِمُساعَدَتِكِ انْتَهَتْ هذِهِ الْأَعْمالُ غَيْرُ الْـمَقْبولَةِ.
حَكَتْ ريما ما حَدَثَ لِـمُعَلِّمَتِها وَلِطُلَّابِ صَفِّها، وَفَتَحَتْ قَلْبَها.
شَجَّعَتِ الْـمُعَلِّمَةُ تَصَرُّفَها هذا لِأَنَّها كَانَتْ شُجاعَةً وَلَمْ تَسْتَسْلِمْ لِلْخَوَفِ.
عادَتْ ريما لَتَكونَ الطِّفْلَةَ الْـمَرِحَةَ الْـمُؤَدَّبَةَ.. وَالْقَوِيَّةَ.
أَمّا الشّابُّ السَّيِّىءُ، فَقَدْ نالَ جَزاءَهُ بِوَضْعِهِ في السِّجْنِ لِفَتْرَةٍ مُتَوَاصِلَةٍ.
عائِلَةُ ريما تُحِبُّها كَثيرًا، والِداها يَهْتَمّانِ بِها، وَيُساعِدانِها في دُروسِها، وَيُشارِكانِها أَلْعابَها.
في الْآوِنَةِ الْأَخيرَةِ تَغَيَّرَ تَصَرُّفُ ريما كَثيرًا؛ في الْبَيْتِ أَصْبَحَتْ تَرْفُضُ تَناوُلَ الطَّعامِ، وَتَدْخُلُ إلى غُرْفَتِها وَلا تَخْرُجُ مِنْها، وَعِنْدَما يَأْتِي أَحَدُ والِدَيْها لَلتَّحَدُّثِ مَعَها كَانَتْ تَأْبى الْحَديثَ، وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ ما يُؤلِـمُها.
في الْـمَدْرَسَةِ أَصْبَحَتْ ريما أَقَلَّ مَرَحًا في الاسْتِراحاتِ، وَعِنْدَما يَقْتَرِبُ مِنْها أَحَدٌ كانَتْ تَبْتَعِدُ عَنْهُ وَقَلَّتْ مُشارَكَتُها في الدُّروسِ، وَتَراجَعَتْ تَحْصيلاتُها، وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ السَّبَبَ.
عادَتْ ريما في أَحَدِ الْأَيّامِ إلى الْبَيْتِ، دَخَلَتْ غُرْفَتَها، ارْتاحَتْ قَليلًا، وَأَخَذَتْ تَلْعَبُ بِأَلْعابِها. أُمُّها كانَتْ قَلِقَةً كَثيرًا، فَقَرَّرَتْ أَنْ تَعْرِفَ ما تَفْعَلُهُ ريما حينَ تَدْخُلُ إلى غُرْفَتِها، فَبَقِيَتْ خارِجَ الْغُرْفَةِ تَنْظُرُ بِقَلَقٍ دونَ أَنْ تَراها ريما.
أَخَذَتْ ريما لُعْبَةً مِنْ أَلْعابِها، وَهِيَ لُعْبَتُها الْـمُفَضَّلَةُ، وَأَخَذَتْ تَتَحَدَّثْ إلَيْها وَتَقولُ لَها:
- ما أَجْمَلَكِ يا لُعْبَتي، احْذَري أَنْ يُمْسِكَ جَسَدَكِ أَحَدٌ، لا تَكوني ضَعيفَةً، عِنْدَما اقْتَرَبَ مِنّي ذلِكَ الشِّرّيرُ الْيَوْمَ وَأَمْسَكَ يَدي وَآلَـمَني، لَمْ أَبْكِ بَلْ صَرَخْتُ، فَخافَ مِنّي وَتَرَكَني، لكِنَّهُ هَدَّدَني، وَقالَ: إذا قُلْتِ لِوالِدِكِ، سَآتي مَعَ أَوْلادٍ آَخَرينَ، وَسَنُبَرِّحُكِ ضَرْبًا. ضَمَّتْ ريما لُعْبَتَها وَبَدَأَتْ تَبْكي.
سَمِعَتْ أُمُّها ذلِكَ الْحَديثَ مَعَ اللُّعْبَةِ، وَلَمْ تَعْرِفْ كَيْفَ تَتَحَدَّثُ إلَيْها، فَفي الْفَتْرَةِ الْأَخيرَةِ كانَ هَمُّها أَنْ لا تَتَراجَعَ ريما في دُروسِها، لذلِكَ لَمْ تَعْرِفْ مِمَّ تَشْتَكي ريما بِالْفِعْلِ.
دَخَلَتِ الْأُمُّ إلى غُرْفَةِ ريما، وَبَدَأَتْ تَتَحَدَّثُ مَعَ اللُّعْبَةِ كَما فَعَلَتْ ريما.
أَخَذَتْ تَقولُ لَها: «أَيَّتُها اللُّعْبَةُ اللَّطيفَةُ، وَجْهُكِ حُلْوٌ، مَلابِسُكِ نَظيفَةٌ، بَسْمَتُكِ لَطيفَةٌ، لا يَنْقُصُكِ إلَّا أَنْ تَتَحَدَّثي أَجْمَلَ الْكَلامِ، احْكي لي ما الَّذي يُضايِقُكِ!».
طَبْعًا، لَمْ تُجِبِ اللُّعْبَةُ عَنِ السُّؤالِ، لكِنْ ريما فَهِمَتْ ما تَرْمُزُ إلَيْهِ الْأُمُّ، فَقالَتْ لَها: «سَوْفَ أَقولُ لَكِ ما الَّذي يُضايِقُني».
نَظَرَتِ الْأُمُّ إلى ريما بِعَطْفٍ وَحَنانٍ، وَقالَتْ: حَدِّثيني يا ابْنَتي!
تَنَهَّدَتْ ريما، ثُمَّ بَدَأَتْ بِالْحَديثِ...
- لا أَعْرِفُ كَيْفَ أَقولُ لَكِ هذا يا أُمّي، رُبَّما كُنْتُ أَنا السَّبَبُ لِـما يَحْدُثُ لي، لكِنّى أُقْسِمُ لَكِ أَنّي لَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا سَيِّئًا.
بَدَأَ ذلِكَ عِنْدَما كُنْتُ عائِدَةً مِنْ بَيْتِ صَديقَتي مَرَح... الْتَقَيْتُ بِشابٍّ صَغيرٍ مَنَعَني عُبورَ الشّارَعِ، حاوَلْتُ أَنْ أَهْرُبَ مِنْهُ، لكِنَّهُ أَمْسَكَ بي، أَخَذَ يَتَحَسَّسُ جَسَدي، وَبَدَأْتُ بِالْبُكاءِ، عِنْدَها هَرَبَ ذلِكَ الشَّابُّ لَيْسَ بِسَبَبِ بُكائي، لكِنّي تَفاجَأْتُ بِاقْتِرابِ سَيِّدَةٍ عَجوزٍ مَنْ ذلِكَ الْـمَكانِ.
سَأَلَتِ الْأُمُّ قَلِقَةً مُضْطَرِبَةً: لِـماذا لَمْ تُخْبِرينا يا ريما؟
أَجَابَتْها بِصَوْتٍ مُتَقَطِّعٍ، وَأَجْهَشَتْ بِالْبُكاءِ: خِفْتُ يا أُمّي، أَنا لا أَعْرِفُ ذلِكَ الشّابَّ، وَلا أَعْرِفَ لِـمَاذا فَعَلَ هذا!
- وَهَل الْتَقَيْتِ بِهِ مَرَّةً أُخْرى؟
سَأَلَتِ الْأُمُّ.
أَجابَتْ ريما بِصَوْتٍ خافِتٍ: «نَعَمْ، كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ عَوْدَتي لِلْبَيْتِ مِنَ الْـمَدْرَسَةِ يَكونُ بانْتِظاري في الشّارِعِ الْـمُقابِلِ لِشارِعِ مَنْزِلِنا، عِنْدَها أَرْكُضُ سَريعًا حَتَّى لا يُمْسِكُني، وَالْيَوْمَ حينَ أَمْسَكَ بِيَدي بَدَأْتُ أَصْرُخُ، خَافَ وَهَرَبَ لِأَنَّ صَوْتي كانَ أَعْلَى مِنْ قُوَّتِهِ.
- لِـماذا لَمْ تَقولي لَنا يا ريما عَمّا يَحْدُثُ لَكِ؟
الْأُمُّ وَهِيَ تَحْضُنُ ابْنَتَها.
- خِفْتُ أَنْ أُعاقَبَ يا أُمّي.
أَجابَتْ ريما وَهِيَ تَضَعُ رَأْسَها عَلى صَدْرِ أُمِّها.
قالَتِ الْأُمُّ بِصَوْتٍ حَنونٍ: لكِنَّكِ لَسْتِ الـمُذْنِبَةَ يا بُنَيَّتي، ذلِكَ الشّابُّ سَيِّءُ الْأَخْلاقِ وَتَصَرُّفاتُهُ خَطيرَةٌ، جَسَدُكِ هُوَ مُلْكٌ لَكِ، وَلا يَحِقُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمَسَّكِ بِسوءٍ.
عَلَيْنا أَنْ نَضَعَ حَدًّا لِهذا التَّصَرُّفِ.
- كَيْفَ يا أُمّي؟
سَأَلَتْ ريما.
أَجابَتِ الْأُمُّ: سَتَعودينَ إلى الْبَيْتِ بِمُفْرَدِكِ، أَنا وَوَالِدُكِ سَنُراقِبُكِ مِنْ مَكانٍ قَريبٍ، وَعِنْدَما يَقْتَرِبُ ذلِكَ الشّابُّ، لا تَهْرُبي وَلا تَخافي، سَيَأْتي الشُّرْطًيُّ وَيَأْخُذُهُ إلى السِّجْنِ لِيُعاقِبَهُ عَلى أَعْمالِهِ الْـمُشينَةِ.
تَنَهَّدَتْ ريما لِسَماعِ خُطَّةِ الْأُمِّ.
وَفي الْيَوْمِ التّالي، عادَتْ ريما مُتَباطِئَةً في خُطُواتِها، فاجَأَها ذلِكَ الشّابُّ، وَجَرَّها إلى الْبِنايَةِ الْقَريبَةِ حَيْثُ لا يَراهُما أَحَدٌ، وَفي تِلْكَ اللَّحْظَةِ حَضَرَ والِدا ريما بِرِفْقَةِ الشُّرْطِيِّ.
رَكَضَتْ ريما نَحْوَ والِدَيْها، ضَمّاها وَهُما يَقولان لَها: أَنْتِ أَنْقَذْتِ بِتَصَرُّفِكِ الشُّجاعِ هذا الْكَثيرَ مِنَ الْأَطْفالِ، هذا الشّابُّ رُبَّما تَحَرَّشَ بِالْكَثيرِ مِنَ الْأَطْفالِ غَيْرِكِ، وَالْآنَ بِمُساعَدَتِكِ انْتَهَتْ هذِهِ الْأَعْمالُ غَيْرُ الْـمَقْبولَةِ.
حَكَتْ ريما ما حَدَثَ لِـمُعَلِّمَتِها وَلِطُلَّابِ صَفِّها، وَفَتَحَتْ قَلْبَها.
شَجَّعَتِ الْـمُعَلِّمَةُ تَصَرُّفَها هذا لِأَنَّها كَانَتْ شُجاعَةً وَلَمْ تَسْتَسْلِمْ لِلْخَوَفِ.
عادَتْ ريما لَتَكونَ الطِّفْلَةَ الْـمَرِحَةَ الْـمُؤَدَّبَةَ.. وَالْقَوِيَّةَ.
أَمّا الشّابُّ السَّيِّىءُ، فَقَدْ نالَ جَزاءَهُ بِوَضْعِهِ في السِّجْنِ لِفَتْرَةٍ مُتَوَاصِلَةٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق