رسالة إلى صديقى عمر
سماح أبوبكر عزت
صديقى العزيز عمر
أعلم أنك غاضب منى، معك حق فقد خذلتك ولم أكن فى متناول يدك عندما
احتجتنى فى أهم يوم بالنسبة لك.. يوم الامتحان، عاقبتنى يا عمر وتركتنى
وحدى فى هذا المكان مع من تعاليت عليهم فى البداية لكنى عرفت قيمتهم وتعلمت
منهم أن الاعتذار فضيلة لا تنقص من قدرى بل تزيدنى طولاً وتقديراً..
أرجوك سامحنى يا عمر لن أكرر الخطأ الذى فعلته وسأظل معك من اليوم ولن أفارق أناملك حتى آخر لحظة فى عمرى..
ها هو عام دراسى جديد يبدأ.. أعدك أن أساعدك وأكون دائما فى عونك
أنا وأصدقائى الممحاة والمبرة الذى لا يكتمل عملى إلا بوجودهما بجانبى …
أنا قلمك الرصاص الذى تركته فى درج مكتبك منذ العام الماضى ونسيته لكنه لم
ينسك، وكما تعلمت أنت فى المدرسة دروساً ذاكرتها وامتحنت فيها ونجحت
وانتقلت من عام لعام، تعلمت أنا درساً لن أنساه.
مازلت أذكر أول يوم فى العام الدراسى الماضى عندما ذهبت للمكتبة
واخترتنى من دون جميع الأقلام، بعناية أمسكتنى وتأملت بإعجاب الرسومات التى
تزينى ثم وضعتنى فى مقلمتك الصغيرة لكنى اكتشفت أننى لم أكن وحدى، كان معى
شيئان عرفت فيما بعد أن اسميهما.. الممحاة والمبراة … وفى أول حصة فى
المدرسة، أدخلت رأسى فى المبراة التى آلمتنى؛ لكنك فرحت عندما وجدتنى
أساعدك على الكتابة بسرعة وبخط جميل، انتهى اليوم الدراسى، وفى المنزل جلست
على مكتبك تستذكر دروس اليوم وتكتب الواجب، أمسكتنى وكتبت ثم اكتشفت خطأ
وهنا وجدت السيدة ممحاة تقوم بعملها بنشاط وتمحو ما كتبته …
يوما بعد يوم صرت أقصر فأقصر، وكرهت الممحاة التى تمحو ما أكتب
والمبراة التى تؤلمنى وتعجل بفنائى.. حاولت أن أجعلهما يرفضان العمل لكنهما
أصرا على القيام بواجبهما الذى من أجله اشتريتهما، وحصة بعد حصة، ومادة
بعد مادة من مسائل الرياضة، وأشكال الهندسة ورسومات تجارب الكيمياء ولوحات
الرسم والزخرفة، مع كل درس ويوم دراسى، كان يقل طولى بينما أجدك أنت كلما
كبرت يزداد طولك، لذلك قررت أن أطرد من ظننت أنهم أعدائى وقد كان… فى ليلة
الامتحان وبينما أنت تستذكر دروسك نسيت المقلمة على المكتب دون أن تغلقها
وبسرعة دفعت أنا الممحاة والمبراة خارجها حتى وقعتا أسفل المكتب.
فى اليوم التالى وأثناء الامتحان، أمسكتنى وكتبت ورسمت ثم بحثت عن
الممحاة عندما أردت أن تصحح خطأ فى مسألة الحساب، وبالطبع لم تجدها فى
المقلمة، فأعطاك زميلك ممحاة كانت أشد قسوة علىّ من الممحاة التى دفعتها
خارج المقلمة، ثم أردت أن ترسم شكلاً هندسياً فبحثت عن المبراة ولم تجدها
أيضاً.. وانتهى الامتحان..
وعدت للمنزل لأكتشف وجودهما تحت المكتب، فشعرت بالغضب، وألقيت بالمقلمة فى درج المكتب ولم يكن فيها سواى..
داخل الدرج المظلم، وجدت قلم رصاص صغيراً فى حجم عقلة الإصبع، قلت له ساخراً.. ماذا تفعل هنا أيها القلم الصغير؟
ابتسم القلم قائلاً فى هدوء: أنا فى عمر جدك، ألا تعرف أننا كلما
زادت أعمارنا قل طولنا.. ولكن لماذا جئت إلى هنا وأنت لا تزال قادراً على
العمل؟ حكيت للقلم العجوز حكايتى ووجدت بجانبه بقايا ممحاة صغيرة كانت
رفيقته فى رحلته.. عملا معاً ورافقا عمر فى أول عام له فى المدرسة، فأراد
أن يحتفظ بهما كذكرى لا تفارقه.
قالت الممحاة الصغيرة: عشت حياة سعيدة وكلما محوت خطأ صغر حجمى ولكن
هكذا لا بد أن نضحى من أجل الآخرين حتى نمنحهم السعادة، إنها نعمة من الله
أن تجد من يمحو أخطاءك ولهذا ما زال عمر يتذكرنى أنا ورفيقى القلم
الرصاص.، همست لنفسى.. . معك حق أيتها الممحاة علمتنى درساً لن أنساه.
صديقى عمر.. امنحنى الفرصة أن أشاركك رحلتك أتعلم معك وأذاكر معك،
نلهو ونرسم شمساً وقمراً ونجوماً تضىء مستقبلك، وكلما تعلمت وكتبت وكبرت
عاماً، سأشعر بالسعادة مهما صرت أقصر ولكن عدنى أنك لن تنسانى ويوماً ما
ستضعنى مع جدى أول قلم رصاص أمسكته يدك الصغيرة لترسم أحلاماً كبيرة.
إمضاء
قلمك الرصاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق