وجبة بدون جزر
بقلم : طلال حسن
نصحته أرنوبة وسلحوفة ، وكذلك
دبدوب ، أن لا يأكل من النبتة الغريبة ، لكن أرنوب غافلهم ، وأكل من تلك النبتة
الغريبة .
وذهب إلى البركة ، وتطلع في مياهها الصافية ، وكأنه يتطلع في مرآة ، وتأمل
نفسه ملياً ، لم يطرأ عليه تغير ، عدا لمعة غريبة في عينيه .
وتلفت حوله ، وقد غشيه شعور عميق من الرقة والحنان والود ، وتلفت حوله ، آه
ما أجمل الأزهار والأشجار والشجيرات ، وما أروع العصفور والزرزور والبلبل و .. ، وحتى
البومة ، التي لم يكن يطيقها ، بدت له في غاية الجمال .
وسار متجولاً في الغابة ، يحيي الجميع ، دون استثناء ، ومنهم البعوضة
والفراشة والذبابة والخنفساء .
وتوقف يرتاح قليلاً ، تحت إحدى الأشجار ، ويصغي بإعجاب إلى ضفدع عجوز ينق
قرب البركة .
وأقبل الثعلب العجوز ، وما إن رآه حتى توقف أمامه ، وبدل أن يلوذ أرنوب
بالفرار ، ابتسم له ، وقال بصوت رقيق : أهلاً بعزيزي الثعلب .
ومال الثعلب العجوز عليه ، وقال : إن عزيزك الثعلب ، يكاد يموت جوعاً .
وردّ أرنوب قائلاً : يا للأسف ، تجوع يا عزيزي ، وحولك كلّ هذا الطعام ؟
وتلفت الثعلب العجوز حوله حائراً ، فقال أرنوب : دع ِ الطيور والأرانب
والخشف ، وكل من هذه النباتات اللذيذة ،
آه لو تعرف كم هو لذيذ .. الجزر .
وتمتم الثعلب العجوز : الجزر !
ثم ابتسم لأرنوب ، وقال : لي أمنية ، أتمنى أن تتحقق ، قبل أن أعمل برأيك ،
وأصير نباتياً .
فقال أرنوب بصوت رقيق : تمنّ ، يا عزيزي ، تمنّ .
وشبك الثعلب العجوز يديه ، وقال : أتمنى أن آكل ، مع الجزر ، أرنباً فتياً
.
ودمعت عينا أرنوب تأثراً ، وتقدم من الثعلب العجوز ، وقال : كُلني .
وعلى الفور ، انقض الثعلب العجوز عليه ، وقد كشر عن أنيابه المتآكلة ، ولو
لم يحضر دبدوب ، في الوقت المناسب ، لكان أرنوب وجبة لذيذة للثعلب العجوز ، وبدون
جزر .
ومنذ ذلك اليوم ، لم يقرب أرنوب تلك النبتة الغريبة ، التي سببت له ما يشبه
الجنون المؤقت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق