مكان لائق
أميمة عز الدين
كان الغبار الكثيف يعلوه لذلك بدا منهكا تعيسا تصدر منه بين الحين والآخر أنات ضعيفة غير مسموعة ..أصبحت ورقاته صفراء يفوح منها زخم وعبق التاريخ ..هو يدرك جيدا دوره وأهميته فهو ليس مجرد كتاب يعلو احد رفوف المكتبة لذا هو ينتظر أن يتحرك من مكانه الذي التصق به رغما عنه ..يتوق ليد واعية تعشق المعرفة تمتد إليه وتنفض عنه غبار الإهمال حتى الحروف التي تتشكل كلمات أصبح طول الرقاد يؤرقها ..قد تتلاشى ملامحها شيئا فشيئا وتصبح غير ذات معنى ، إنها ترغب في النهوض من غفوتها وسباتها حتى يقرؤها إنسان عاقل يفهم ويعي ويدرك ويعرف .
الفت الكتاب إلى اقرانه وحثهم على التمرد على وضعهم الحالي ، قال احدهم في خيبة أمل :
-لم يعد بوسعنا أن نثير اهتمام احد أو حتى أن نلفت النظر إلينا يا اخى ..فالكمبيوتر وتوابعه انقضوا على مكاننا واستأثروا باهتمامات الناس .
قال أخر :
-حتى الكتب الملونة البراقة باتت شحيحة وان وجدت لا يقبل عليها احد لارتفاع أسعارها .
قال كتاب ثالث وقد انتفخت أوداجه زهوا وغرورا :
- انظروا إلى يا رفاق ..من يراني لأول وهلة يظن أنني كتاب قيم ونفيس أحوى بين جنباتى كنوزا شتى من المعرفة .
ثم اخذ يضحك في سخرية واستطرد قائلا :
- لكنني مجرد قطعة ديكور على شكل كتاب فقط لأزين واجهة المكتبة .
ثم واصل ضحكه واستخفافه لأنه ببساطة فارغ من المحتوى والمضمون .
لم ييأس الكتاب وواصل دفاعه عن نفسه والكتب الأخرى الجادة المفيدة وقال :
- ماذا لو استيقظ البشر ذات يوم ولم يجدونا ؟ حتما سيشعرون بندم بالغ ..لأنهم بدوننا لا يعرفون شيئا وسوف يعم ظلام الجهل وتعشش خفافيش الظلام بعقولهم وعندئذ ..........
أضيء النور بالغرفة ودخل ولد لا يتعدى الثانية عشرة وفتح الشباك على مصراعيه فتسلل نور النهار براقا قويا وأخذت عيناه تدور بأرفف المكتبة ..كل كتاب يمنى نفسه بمكان لائق بين يديه الصغيرتين، قال الصغير بصوت مسموع :
-يجب أن اخبر أمي بان الكتب في حاجة إلى من ينفض عنها هذا الغبار .
ثم أخذ الكتاب ومسحه بمنديله برفق وقد انشرحت أساريره وهو يطالعه قائلا :
- الحمد لله ..لقد وجدت ضالتي اخيرا !
بالطبع سعدت الكتب الأخرى بما حدث لزميلهم الكتاب الثائر وتمنت أن يكون مصيرها مثله في يوم من الأيام وهاهي تنتظر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق