أماني العشماوي
كانت صبيةٌ، تعيشُ مع أمِّها وأبيها في بيتٍ صغيرٍ وسط المراعي والحقولِ.
كانت الصبيةُ تنظرُ كلَّ مساءٍ من نافذةِ غُرفتِها في أعلى البيتِ، فترى النُّجومَ تتلألأُ في السماء، فتقولُ لنفسِها: "كم هي جميلةٌ وبديعةٌ.. ليتني أصِلُ إليها".
سألتِ الصَّبيَّةُ أمَّها: "هل تعرفينَ الطَّريقَ إلى نجومِ السَّماءِ؟". ضحِكَتْ الأمُّ وقالَتْ: لا.. لا أعرفُ الطَّريقَ إليها".
سألتِ الصَّبيةُ أباها: "كيفَ أصلُ إلى نجومِ السماءِ؟". ضمَّهَا أبوهَا وقالَ لها: "هذا شيءٌ مستحيلٌ". لكنَّها ظلَّتْ تنامُ كلَّ ليلةٍ وهي تحلُمُ أنَّها وصلَتْ إلى النُّجومِ.
ذاتَ ليلةٍ.. خرجَتْ الصَّبيةُ وحدَها، تبحثُ عن النُّجومِ.. فمرَّتْ بطاحونةٍ عَتيقةٍ إلى جِوارِ بِرْكَةِ ماءٍ، فسألَتْها: "هل رأيتِ نجومَ السَّماء؟".
قالتِ الطَّاحونةُ: "طبعًا.. طبعًا، إنَّها كثيرًا ما تنزلُ لتسبحَ في بِرْكَةِ الماء".
نزلَتِ الصَّبيةُ إلى البركةِ، وسَبَحَتْ في الماءِ.. سبَحَتْ حتى تَعِبَتْ.. لكنَّها لم ترَ النُّجومَ، وإنما وجدَتْ جَدولاً صغيرًا.. فسألته: "هل تعرفُ نجومَ السَّماء؟".
قالَ الجدولُ: "طبعًا أعرفُها.. إنَّها كثيرًا ما تأتي لتتنزَّهَ على ضِفافي".
خَرجتِ الصَّبيةُ من الماءِ، وسارت على ضفَّةِ الجدولِ.. سارت حتى تعِبَتْ، لكنَّها لم تصِلْ إلى النُّجومِ.. وإنَّما وصلَتْ إلى حقلٍ واسعٍ ترقُصُ فيه الجنِّياتُ.. فسألتهن: "كيف أعثرُ على نجومِ السَّماء؟".
أجابتِ الجنياتُ: "إنها كثيرًا ما تهبطُ إلى الحقلِ، فتضيءُ وتتلألأُ على الحشائشِ التي نرقُصُ عليها".
رقصَتِ الصبيَّةُ مع الجنِّيات.. رقصتْ حتى تَعِبَتْ، لكنَّها لم تعثُرْ على النجومِ.. فجلَسَتْ في جَانبِ الحقلِ تبكي وتقولُ: "لقد سبحتُ.. وسِرْتُ..
رقصْتُ، لكني لم أعثرْ على نجومِ السَّماء.. فمن يساعدُني في العثورِ عليها؟".
تجَمَّعَتِ الجنِّياتُ حولَ الصبيَّةِ، ورُحْنَ يرقُصْنَ ويُغَنِّين:
يا أيَّتُها الصبيَّةُ الصّغيرةُ..
سيري إلى الأمام ولا تتوقَّفي..
حتَّى تَصِلي إلى ذي الأقدامِ الأربعةِ..
الذي سيحمِلُكِ إلى من ليسَ له قدمٌ على الإطلاق..
الذي سيحملُكِ إلى سُلَّمٍ بلا درجاتٍ..
فإذا صَعِدْتِ هذا السُّلَّمَ..
ربَّما وصَلْتِ إلى النُّجومِ..
وربما وصلْتِ إلى مكانٍ آخرَ؟؟!!
نهضَتِ الصَّبيةُ.. وشكرتِ الجنيَّاتِ، وسارتْ إلى الأمامِ.. حتى وصلَتْ إلى غابةٍ كثيفةٍ.. ووجدَتْ عندها حصانًا يقفُ إلى جوارِ شجرةٍ عاليةٍ.. فركِبَتْ على ظَهرِهِ، وقالَتْ لهُ: "يا سيِّدي الحصانَ.. يا ذا الأقدامِ الأربعةِ.. ساعدني في الوصولِ إلى نجومِ السماء".
خرجَ الحصانُ من الغابةِ، وسار في طريقٍ واسعٍ.. حتى وصلَ إلى بحرٍ كبيرٍ.
فوقفَ عندَهُ وقال لها: "لقد حملْتُكِ إلى آخرِ الأرضِ.. وهذا أقصى ما أستطيعُهُ.. فإِلى اللِّقاء".
بعد قليل، خرجَتْ من البحرِ سَمكةٌ كبيرةٌ غريبةُ الشَّكْلِ.. فركِبَتِ الصَّبيةُ على ظهرِها وقَالَتْ لها: "أيَّتُها السَّمكةُ الكريمةُ.. يا من ليس لكِ أقدامٌ على الإطلاقِ.. ساعِديني في الوُصولِ إلى نجومِ السَّماء".
سبَحَتِ السمكةُ في البحرِ.. حتى وصلَتْ إلى قوسٍ كبيرةٍ مُضيئةٍ.. لها ألوانٌ زاهيةٌ.. طرفُها في الماءِ، وطَرفُها الآخرُ يصلُ إلى السَّماءِ.
توقَّفَتِ السَّمكةُ عند طَرَفِ القوسِ، وقَالتْ للصبيَّةِ: "لقد حملْتُكِ إلى سُلَّمٍ بلا دَرَجاتٍ.. وهذا أقصى ما أستطيعُهُ.. فإلى اللقاءِ".
نزلَتِ الصبيَّةُ عن ظهرِ السَّمكة، وشكرَتْها.. ثم وقفَتْ تنظرُ بخوفٍ إلى القَوسِ العِملاقِ الممتدِّ إلى السماءِ..
استجمعَتِ الصَّبيَّةُ شجاعتَها، وراحَتْ تصعَدُ السلَّمَ.. كانت تصعَدُ بصعوبَةٍ.. وكلَّما ارتفعَتْ، أصبحَ السُّلَّمُ أكثرَ ضياءً، وأكثرَ انزلاقًا.. وزاد انبهارُها بجمالِهِ وبهائِهِ.
صَعِدَتِ الصَّبيةُ وصَعِدَتْ.. لكنَّها لم تصِلْ إلى السَّماءِ.. وإنما شَعَرتْ بالدُّوارِ.. وانزلَقَت قدَمُها، وهَوَتْ..
هَوَتْ إلى أسفلَ..
انحدَرَتْ وانحَدَرتْ.. حتى ارتطَمَتْ بالأرضِ.. إلى جِوارِ سَريرها.. في غُرفةِ نومها..
فتحتِ الصبيَّةُ عينيها. ونظرَتْ من النَّافذَة..
فوجدَتِ الشَّمسَ مشرقةً.. تملأُ الدُّنيا بنورِها وضيائِها..
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/1196/100/#ixzz1o9BbhBUd
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق