الصبي الوقح
هانس كريستيان أندرسن
ترجمة : سمير عبدالجبار
كان يا ما كان، كان ذات مساء شاعر عجوز في بيته حينما انقلب الطقس بشكل ينذر بالرعب، فقد هطلت أمطار غزيرة وهبت رياح شديدة.
انتحى الشاعر في منزله ركناً دافئاً حيث النار أضرمت في المدفأة.
(أيها البؤساء الذين بلا ملجأ
في العراء
حيث لم يبق ثوب بلا بلل)
ردد الشاعر مع نفسه.
"افتحْ الباب، أنا بردان، بللني المطر" صرخ من الخارج طفل وهو يطرق الباب، كان المطر يهطل بقسوة والرياح تهز النوافذ.
"أه أيها المسكين الصغير" قال الشاعر العجوز ونهض ليفتح الباب.
كان صبياً صغيراً عارياً والماء يسيل من شعره الأشقر الطويل، كان يرتعش من البرد ولو لم ينجده الشاعر لكان قد مات في هذا الطقس القاسي.
"أيها البائس الصغير" ردد الشاعر وأخذه بين يديه.
"تعال، تعال ستدفأ عندي، سأعطيك تفاحة ونبيذاً فأنت صبي لطيف"
كانت عيناه تشعان كنجمتين، وبرغم الماء الذي كان يسيل من شعره فقد كانت خصلاته الذهبية تبدو جميلة، كان يبدو وكأنه ملاك صغير لكنه شاحب مما أصاب جسده من برد. كان يمسك قوساً جميلة لكن أتلفها المطر وكذلك النبال فقد نصلت ألوانها جلس الشاعر قرب المدفأة وقد أجلس الصبي في حضنه وراح يجفف له شعره ويدفئ يديه، سخن له نبيذاً حلواً، شرب منه فاحمرت وجنتاه، قفز على الأرض وراح يدور حول الشاعر راقصاً ببهجة.
"أنت صبي مرح، ما اسمك؟" سأل العجوز
"اسمي أمور[1]".
أجاب الصبي، ثم أضاف:
"ألم تعرفني؟ هذه قوسي وهذه نبالي، ألا تثق بي؟ انظرْ! الآن تحسن الطقس في الخارج وبزغ القمر"
"ولكن قوسك أتلفت" قال الشاعر العجوز
"هذا شيء رديء" قال الصبي ثم أخذ قوسه يتفحصها.
"لا، إنها جافة، لم يصبها أي تلف، الوتر مشدود بإحكام، الآن سأُجربها"
رفع القوس ثم أخذ نبلة من نباله، وتّر القوس مسدداً ثم رمى باتجاه الشاعر الرحيم فأصابه في قلبه تماماً.
"والآن ألا ترى أن قوسي لم يصبها أي تلف؟" قال الصبي ذلك ثم فرّ مقهقهاً.
هكذا جحد أمور أفضال الشاعر عليه، حيث أنه أدخله بيته وقدم له النبيذ والتفاح. سقط الشاعر على الأرض باكياً فقد كانت إصابته بالغة، كان يردد:
"أوووه أمور، يا وقح، سأخبر جميع الصبيان كي يتجنبوا صحبتك."
وعلى الرغم من أن الشاعر قد أخبر جميع الفتية والفتيات بأمر أمور الوقح إلا أن أمور استطاع أن يوقع بهم، فحينما يعود الطلاب من المحاضرات كان يصطف معهم ببذلته السوداء وقد وضع كتاباً تحت إبطه، يموه نفسه فيحسبونه واحداً منهم حينها يغرز نبلته في صدر أحدهم. وحينما تعود الفتيات من الكنيسة بعد الصلاة فإن أمور يتعقبهن.
وهكذا هو في كل حين، يقتفي خطوات الناس، يجلس في ثريا المسرح مموهاً نفسه بالضياء فلا أحد يراه حينما يرمي الناس بنباله، ويركض في حديقة الملك عابثاً.
مرة رمى أمه وأباه فأصاب قلبيهما، اسألهما عنه فسيأتيك الجواب: "أمور الوقح لا تصحبه! تصورْ إنه مرة رمى جدته العجوز بسهم فأصاب قلبها، كان ذلك من زمن بعيد ولكنها لم تنس ذلك.
هذا هو أمور
والآن عرفت أي صبي وقح هو.
([1]) amor: إله الحب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق