السمكة
النطاطة
بقلم: طلال حسن
" 1 "
ــــــــــــــــــــ
على عادتها كلّ يوم ، غادرت السمكة النطاطة بيتها في الأعماق ، صاعدة نحو
السطح ، لتتوجه إلى مكانها المعهود ، على حافة البركة .
وقريباً من السطح ، صادفتها سمكة
عجوز ، استوقفتها ، وقالت : بنيتي ، لا تغادري الأعماق .
ومازحتها السمكة النطاطة قائلة : لكن
السطح جذاب ، ومليء بالحشرات والعصافير .
ونظرت السمكة العجوز إليها ، وقالت
بصوت شائخ مرتعش : جدتي الحكيمة قالت ، السمكة التي تغادر الأعماق تموت .
وعامت السمكة النطاطة مبتعدة ، وهي
تقول : جدتكِ لم ترَ العصافير ، ولم تذق طعم الحشرات .
وتبعتها السمكة العجوز بعينيها
الغائمتين ، حتى غابت عن نظرها ، وقالت بصوتها الشائخ : هذا الجيل من الأسماك ،
سيجلب البلاء على البركة .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
جلست السمكة النطاطة على حافة البركة ، وذيلها مغمور بالماء ، فهي تتنفس
وتمتص حاجتها من الماء ، عن طرق الذيل .
وهنا مرّت بعوضة ، تبحث عن إنسان ،
تغرز في جلده خرطومها الحاد ، وتمتص منه شيئاً من دمه ، فقفزت نحوها ، وأمسكت بها
، وسرعان ما ابتلعتها ، ثم عادت بظهرها إلى الماء ، وغمرت ذيلها بماء البركة .
وخلال فترة قصيرة ، اصطادت الكثير من
الحشرات ، على اختلاف أنواعها ، وأكلتها متلذذة الواحدة بعد الأخرى ، حتى كادت
معدتها تمتلىء ، وتشبع .
وهمت أن تنسحب من حافة البركة ،
وتعود إلى بيتها في الأعماق ، حين رأت فراشة ، ترفرف متباهية بألوانها الزاهية ،
وكأنها قوس قزح .
وتوقفت الفراشة مرفرفة على مسافة
آمنة ، وهي تقول ساخرة : أيتها النطاطة ..
وأستُفِزت السمكة النطاطة فعلاً ،
فنظرت إليها ، وقالت : اقتربي لأسمعكِ جيداً .
وتراجعت الفراشة مرفرفة ، وقالت :
هذه الحيلة لن تنطلي عليّ .
وتوجهت صاعدة نحو قمة شجرة قريبة ،
وحطت على أحد أغصانها ، وقالت : سأغفو هنا قليلاً في مأمن منكِ ، فأنت سمكة ،
والسمكة لا تبتعد عن الماء .
ولاذت السمكة النطاطة بالصمت ،
وعيناها الغاضبتان لا تفارقان الفراشة ، الزاهية الألوان ، كما لو كانت قوس قزح ،
وهي تغفو فوق غصن الشجرة .
" 3 "
ـــــــــــــــــــ
أغفت الفراشة على غصن الشجرة ، بأمل أن تفيق بعد قليل ، وتواصل جولتها بين
الأزهار ، تمتص الرحيق ، وتتمتع بجمال الحياة .
وعند حافة البركة ، سحبت السمكة
النطاطة ذيلها من الماء ، وزحفت على الأرض ، حتى وصلت الشجرة ، التي تقف الفراشة
على أحد أغصانها .
ورفعت رأسها إلى الأعلى ، ورأت
الفراشة غافية ، فتسلقت الشجرة بمهارة ، ممنية نفسها بالتهام الفراشة ، بكل
ألوانها الشبيهة بألوان قوس قزح .
واقتربت السمكة النطاطة من الفراشة ،
التي كانت ما تزال غافية ، وفتحت فمها على سعته لالتهامها ، وهنا مرت نحلة صغيرة ،
ورأت السمكة النطاطة والفراشة ، فصاحت بأعلى صوتها : أيتها الفراشة ، انتبهي ،
السمكة النطاطة ..
وقفزت الفراشة من مكانها مبتعدة ،
ولم تصدق عينيها ، حين رأت السمكة النطاطة ، تقف على الغصن ، وتكاد تنقض عليها .
وحامت الفراشة حول السمكة النطاطة
مرات ومرات ، وقلبها يخفق بشدة ، هذا كابوس لم تكن لتصدقه ، حتى لو رأته في المنام
.
وأمام عينيها المذهولتين ، نزلت
السمكة النطاطة من أعلى الشجرة ، وسارت على الأرض ببطء ، حتى وصلت إلى البركة ،
فتوقفت لحظة ، ثم عامت في الماء ، وغاصت
إلى الأعماق .
السمكة النطاطة : سمكة تعيش
في الهند الاستوائية ، تستطيع التجول على الأرض ،
وتتسلق الأشجار بمهارة ، تتغذى على الحشرات الطائرة ، وتتنفس
عن طريق ذيلها ، الذي تبقيه مغموراً بالماء .
وتتسلق الأشجار بمهارة ، تتغذى على الحشرات الطائرة ، وتتنفس
عن طريق ذيلها ، الذي تبقيه مغموراً بالماء .
23 / 9 / 2016
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق