أين
تذهب أسماك البركة في الصيف ؟
طلال حسن
منذ البداية ، قال الجد ثعلب ، لحفيده ثعلوب
: ستكون مثلي ، يا ثعلوب ، ثعلباً مفكراً .
ولأنه
، كما قال جده ، سيكون ثعلباً مفكراً ، راح ثعلوب يتدرب على التفكير ، فيتساءل عن
كلّ شيء ، عن الريح ، والمطر ، والأسود ، والحمير ، و .. و ..
وثعلوب
مثل جده ، يحب السمك ، وذات يوم ، من أيام أوائل الصيف ، اقترب ثعلوب من أمه ،
وكانت تعد الغداء ، وقال : ماما ، أريد سمكة .
وردت
أمه قائلة ، بنبرة مؤنبة : نحن في فصل الصيف ، يا ثعلوب .
واحتج
ثعلوب قائلاً : وما شأني أنا وفصل الصيف ؟
فانصرفت
أمه عنه ، وهي تقول : اسأل البركة .
وصمت
ثعلوب حائراً ، يبدو أن أمه تظن أنه أحمق ، أين البركة ليسألها ؟ لقد جفّ ماؤها
منذ .. منذ .. آه لقد أدرك ما تعنيه أمه .
وقبيل
المساء ، في ذلك اليوم ، خرج ثعلوب على عادته ، يتمشى مع جده ، ومرّا بالبركة ،
وقد جفت تماماً ، فنظر ثعلوب إلى جده ، وقال : جدي ..
وصمت
ثعلوب ، فقال الجد ثعلب : لديكَ سؤال ، يا ثعلوب ، اسأله .
فتساءل
ثعلوب متشجعاً : ماء البركة ، أين يذهب في فصل الصيف ، يا جدي ؟
فردّ
الجد ثعلب قائلاً : كلّ ذي عينين ومخ ، يعرف أن ماء البحيرة ، يتبخر في فصل الصيف
.
وتساءل
ثعلوب ثانية : والسمك ، الذي في البركة ، هل يتبخر أيضاً ؟
وبشيء
من الحدة ، ردّ الجد ثعلب : كلّ ذي عينين ومخ ، يعرف أن السمك لا يتبخر ، و ..
وحين يعود الماء إلى البركة ، بعد هطول المطر ، يعود السمك أيضاً .
ولاذ
ثعلوب بالصمت مفكراً ، ثم تساءل : وخلال هذه الفترة ، فترة الجفاف ، أين يكون ؟
وصمت
الجد ثعلب ، صمت ملياً ، ثم صاح بثعلوب : أيها الأحمق ، صرت ثعلباً مزعجاً .
واستدار
على عقبيه ، ومضى مسرعاً ، وهو يدمدم : سأذهب إلى البيت ، وأرتاح منك .
وذهب
الجد ثعلب ، وبقي ثعلوب وحده ، ولم يحاول هذه المرة ، أن يلحق بالجد ، أو يحاول إرضاءه
، وهزّ رأسه ، لقد أدرك لماذا غضب جده ، نعم ، إنه لا يعرف أين يذهب سمك البركة في
الصيف ، ولا يرد أن يظهر أمام ثعلوب ، بأنه لا يعرف .
وسار
ثعلوب مفكراً ، حقاً أين يذهب سمك البركة
، في فصل الصيف ؟ إنه لا يعرف ، وله أن يعرف ، بل عليه أن يعرف ، وسيعرف .
وظل
ثعلوب يسأل ، ويفكر ، ويبحث ، فترة ليست قصيرة ، حتى عرف الحقيقة ، وعلى العكس من
جده ،
كان
موقفه من حفيده ، عندما سأله نفس السؤال ، موقفاً طيباً هادئاً .
ففي
ذات أمسية ، خرج يتمشى مع حفيده ، ومرا بالبركة الجافة ، فسأله نفس السؤال ، الذي
سأله لجده ذات يوم : جدي ، أين يذهب السمك صيفاً ؟
لم
يغضب من حفيده ، كما غضب منه جده ذلك اليوم ، وإنما قال : إذا جفت البركة ، في فصل
الصيف ، فإن الأسماك تروح في سبات عميق ، بعد أن تحفر الطين ، وتعدّ لنفسها فجوات
تعيش فيها ، من دون غذاء ، طول فترة الجفاف ، وإذا انقضى الصيف ، وعادت المياه إلى
البركة ، تعود الأسماك سيرتها الأولى .
ونظر
ثعلوب إلى جده ، وقالت ممتناً : أشكرك ، يا جدي ، الآن عرفت حقيقة سمك البركة ،
وعرفت أين يذهب في فصل الصيف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق