ثقافة الأطفال في مصر هل تتقدم أم تتراجع
؟
ورقة قدمت للحلقة
البحثية حول
الثورة
وحقوق المواطنة للطفل المصري
عبد التواب يوسف
بدأ الاهتمام بما نسميه (ثقافة الأطفال )في بلادنا عام 1968 ، والعبارة لم
ترد في كتاب د. طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر ، وربما يكون أول من اشار إليها هو
سلامة موسى ، واسماها (ثقافة الصبيان ) ، وقد تبنتها وزارة الثقافة بمكتب استشاري
للوزير الدكتور ثروت عكاشة ، وواكب ذلك مساهمة المجتمع المدني بإنشاء جمعية ثقافة
الأطفال .. وأنشئت لجنة ثقافة الأطفال بالمجلس الأعلى للثقافة ـ كان أيامها للفنون
والآداب .. وتحول المكتب ليتبع الثقافة الجماهيرية وازدهر الاهتمام بالطفولة بإنشاء
المجلس القومي للطفولة والأمومة ، وان سبق المجلس العربي للطفولة والتنمية ،
وكلاهما لم يكتف بالثقافة ، لكن تجاوزها إلى الصحة والتعليم وقضايا الاجتماع وحقوق
الطفل ، وبدأ تقنين ذلك بسن قوانين تنظمه وتستهدف صالح الطفل بمعالجة السلبيات
وتنمية الايجابيات ، وكان للمركز القومي للطفولة والتنمية ، وجمعية الرعاية
المتكاملة ـ باعتبارهما من المجتمع المدني ـ ساعدت هذا الاتجاه .. وقع مؤتمر
المثقفين الذي نراه منعطف طريق ، ومحاولة جادة لتعديل مساراتنا وسياساتنا لابد لنا
وان نتوقف عند (ثقافة الأطفال ) .. وقد تضخمت أجهزتها وإداراتها وهيئاتها
ومؤسساتها حكومية ، ومدنية ، وأصبح من الضروري أن نمعن النظر في القضية برمتها ..
وفي المؤتمر الأول لثقافة الأطفال الذي عقد في مارس عام 1970 ركز المؤتمر
على أجهزة الأعلام وأدوات الثقافة ووسائلها ،وتوقف عند الإذاعة والتليفزيون وصحافة
الأطفال ومجلاتهم كإعلام ، وعند الكتب والمسرح والسينما ، وظل أدب الأطفال هو الهم
الأكبر ، خاصة وأن هناك اعتمادا كبيرا عليه في كافة الأجهزة والهيئات ، إعلامية أو
ثقافية .. وقد شارك في هذا المؤتمر أساتذة علم النفس ، والتربية والاجتماع وكانت
بداية موفقة ، إذ راحت هذه الهيئات تقيم ندوات وحلقات دراسية تستهدف النهوض بكافة
هذه المجالات ، وان هيئة الكتاب مدعومة بكل ما يتصل بكتاب الطفل وبات من الضروري أن
نحاول الإجابة على سؤال هام :
ـ هل (ثقافة الأطفال ) واتجاهها الشمولي عاد على الأطفال بالخير ؟
وهل استطاعت هذه الأجهزة و الهيئات أن تتعاون بشكل عملي للرقي بها ؟
هل اندمجت معها وصارت لها فلسفة واحدة تجمعها ؟
الإجابة على هذا السؤال تحدد مسار المستقبل .. ولسنا بذلك ندعو إلي نفض أيدينا
من هذا الاتجاه والعودة إلي ما كان قبلها ، وهو مازال ساريا في أوربا الغربية وأمريكا
: أدب الأطفال جزء لا تتجزأ من الأدب عامة ، وهكذا الموسيقي ، والمسرح ، والفنون التشكيلية
، والشعبية وما إلى ذلك ..
فيما نري لم تندمج كل هذه
القطاعات بشكل كاف ، ولم تتعاون بشكل مؤثر تحت مصطلح (ثقافة الأطفال ) ولابد من
تضافرها بشكل أكبر .. لتكون ذات اثر اكبر وأعمق ..بل لا نظنها تواكب الثقافة
العامة ،ومازال حظها ونصيبها ومتواضعا ، ولتؤكد ذلك : لدينا جمعيات أدبية عديدة ،
هل لدينا جمعيات أدبية متخصصة في أدب الأطفال ؟ أو أعلامهم أو ثقافتهم ؟ وما نقوله
عن أدب الأطفال والاهتمام به ينسحب علي بقية المجالات ، كالموسيقي ، والفنون
التشكيلية ، والفنون الشعبية ,و..و...
وكلها في أمس الحاجة إلي المزيد من الجهد .
في أوربا وأمريكا
هناك تضافر وتعاون ما بين التعليم والثقافة ،كتاب المطالعة في كافة سنوات الدراسة
حافل بالإعمال الأدبية الخاصة بمن هم اقل من 18 سنة ، وكتاب المطالعة كتاب أدبي
وليس تجميعها لمواد تعليمية لسن ضمن المنهج الدراسي ، إذ أن كل ما نحس أننا لم نعلمه
لأبنائنا نلقي به داخل غلاف كتاب المطالعة الذي هو في الغرب نصوص
أدبية وأشعار وعناية قصوى باللغة القومية.
التعاون بين التعليم وكافة الهيئات والمؤسسات يجعل
المدرسة صانعة لثقافة الطفل ، لذلك لا نجد لديهم مراكز وهيئات تصنع الثقافة ، لأن
المدرسة تحضر عمليا لتقيم الأساس ، متعاونة مع البيت المستنير ، وأجهزة الأعلام
الجماهيرية من إذاعة مسموعة ومرئية ، بجانب المجلات التي تلقي إقبالا كبيرا من
الأطفال ، أما دور النشر فأنها تتسابق في إصدار أعمال رائعة لأطفالهم بملايين
النسخ.
والسؤال :
ـ ماذا لدينا الآن في مجال ثقافة الطفل ؟
أجهزة الأعلام بلا صلة حقيقية بالمؤسسات الاخري ..
وبرامج الأطفال في الإذاعة لا تلقى إذنا صاغية ، وتذاع هذه البرامج في أوقات غير
مناسبة ، ولا تستغرق إلا دقائق محدودة ، لا يعرف الأطفال مواعيدها وسط الزحام ونظن
أن الأطفال قد انصرفوا عنها ،وعن برامجهم علي الشاشة الصغيرة ، وكلها صباحية أثناء
انشغال الأطفال في المدرسة ، أو خلال استذكار دروسهم وعمل واجباتهم المدرسية ..
هناك برنامج وحيد علي القناة الثانية اغلب مادته مأخوذ
عن البرنامج الامريكى (شارع السمسم ) أو على نفس النمط ..
نحن أصبحنا لا
نستثمر أجهزة الأعلام مسموعة ومرئية بشكل يدعو للارتياح، أما مجلات الأطفال في
بلادنا فقد انهارت ، وأصبحت توزع أعدادا محدودة ، ولا تلقي الإقبال ، بعد أن كان توزيعها معقولا
وبالآلاف ، ولابد وان توليها نقابة الصحفيين شيئا من الاهتمام .
وليس لدينا مسرح حقيقي للأطفال ، يقدم المسرح القومي
للطفل مسرحية أو مسرحيتين في السنة ،ويكتفي مسرح العرائس بواحدة ..وربما كانت
مسارح هيئة قصور الثقافة أنشط ، وتجمد المسرح المدرسي ومسرح المجلس القومي للشباب ..
وفي مجال السينما يدهشنا أن نقيم مهرجانا سنويا عالميا
دون أن نشارك فيه بفيلم وذلك على مدي عشرين عاما ..
ولعل (كتاب الطفل ) هو محور الاهتمام الحقيقي وذلك بفضل
اهتمام الرعاية المتكاملة به ، وحماسة دور النشر
.حكومية وخاصة له ..وان كان معرض القاهرة الدولي لكتب الأطفال قد توقف على مدي السنوات الثلاث
الماضية بضمه لمعرض كتب الكبار ..
وتعرضت كتب الأطفال إلى مشكلة كبيرة بسبب معونة قدمت إليها
، وكانت ذات حدين : امتلأت رفوف المكتبات المدرسية بكتب منحة أعطيت لها .وهي كتب
تخلوا من أمور الدين ، والتاريخ الوطني والقومي ، وتعثرت أمور المكتبات المدرسية
بوزارة التعليم ، وتوزيع الكتب وبيعها في الأسواق ليس كما نرجو ونتمنى ..
ولابد من دراسة جادة ومتعمقة لكتاب الطفل في المرحلة
الراهنة تنمية للايجابيات وتخلصا من السلبيات .
ومن المؤكد أننا لن نستسلم ولن نرضخ للظروف التي تحول
بيننا وبين تنمية ثقافة الطفل لأنها قضية المستقبل ولا نستطيع أن نغفله ونتغافل
عنه.
ونحن لم نطرح
هذا السؤال حول تقدم أو تراجع ثقافة الطفل في بلدنا لكي نجيب عليه إجابة كاملة
شاملة بل نحن نثير به قضية غاية في الأهمية ، ولابد وان نشارك فيها كافة الهيئات والأجهزة
والأفراد ممن يعملون في المجالات المختلفة ، وكلهم رغبة وغيره في الدفع به إلي الأمام
، في عالم صراعه من اجل أطفاله يتجاوز صراعاته وتنافسانه ، وذلك واضح إذ تخصص لهم
نسب عالية في ميزانيات التعليم والصحة والثقافة ما يتجاوز في كثير من الأحيان ما
يتم تخصيصه للقوات المسلحة والدفاع ..
الدول تخوض حروبا من اجل أطفالها والمهزوم فيها لن تجديه
الجيوش بكل أسلحتها .. وقد يدهش البعض عندما نذكر أن ثقافة طفل ما قبل المدرسة
تلقي اهتماما يتجاوز المنافسة الضارية في مجالات الذرة والفضاء.