ثلاث قصص للأطفال
بقلم : طلال حسن
ماذا
ستكون نونو ؟
جلستُ قرب ماما ، بعد العشاء ،
أتشاغلُ بلعبة الميكانو ، وتركت يديّ تعملان ، بينما كان ذهني المهموم ، يشرد
أحياناً إلى البعيد .
وربما رأتني ماما مهمومة شاردة ، فنظرتْ إليّ ، وقالتْ : ها نونو .
وأطرقتُ رأسي ، وقلت : ماما ، يبدو أنني لن أكون أي شيء في المستقبل .
وضحكتْ ماما ، أعرف أنها تضحك لتخفف همي ، وقالتْ : مازلتِ في الرابعة ، يا
نونو .
ورفعت عينيّ المهمومتين إلى ماما ، وقلت : معلمتنا ، إنها تعرف كلّ شيء .
وأخذتني ماما بين ذراعيها ، وقبلتْ وجنتيّ ، وهي تقول : نونو ..
ونظرت إلى ماما ، وقلت : رأت ما رسمته يمامة ، فقالتْ لها ، ستكونين رسامة
، وسمعتْ خالد يغني ، فقالتْ له ، ستكون مغني مشهور مثل كاظم الساهر ، ورأتْ نور
تركض ، فقالتْ لها ، ستكونين رياضية بارزة .
وصمت لحظة ، ثم قلت بصوت حزين : أما أنا فلم تقل لي أي شيء .
وأشارتْ ماما إلى ما حققته يداي بقطع الميكانو ، وقالتْ : نونو ، انظري إلى
ما صنعتِ .
ونظرتُ وإذا بي أرى بيتاّ جميلاً ، وكدتُ أطير فرحاً ، حين قبلتني ماما
ثانية ، وقالتْ لي : ستكونين مهندسة مشهور مثل المهندسة العراقية العالمية زها
حديد .
لو
...
لو أن اليوم هو يوم تحقق الأماني
، ما الذي تتمناه أن يتحقق لك الآن ؟
هذا ما سألته معلمة اللغة العربية لتلاميذ الصف الأول وتلميذاته ، ثم قالت : لا تقولوا هذا لأحد ،
قولوه فقط لأنفسكم ، والآن أغمضوا أعينكم ، لمدة خمس دقائق ، وتمنوا .
وأغمض التلاميذ والتلميذاتْ أعينهم ، وراحتْ المعلمة تتابع وجوه تلاميذها
وتلميذاتها ، محاولة أن تقرأ ما يمكن أن يتمناه كلّ واحد منهم .
تمنى أحمد أن يعود أبوه من الأسر ، فهو لم يره حتى الآن إلا في صورة صغيرة
وقديمة مع أمه ، قبل أن يذهب إلى الحرب ، ولم يعد .
وتمنى سالم أن يخرج أبوه معافى من المستشفى ، بعد أن تعرض إلى انفجار عبوة
ناسفة ، أصابته احدى شظاياها في ساقه .
ورفتْ أهداب سلمى المبللة بالدموع ، وتمنتْ أن تعود أمها أخيراً ، فقد طال
انتظارها لها ، وكلما سألتْ أباها عنها ، قال : إنها في السماء ، يا عزيزتي ،
انتظري ، ستعود ، ستعود حتماً ، فهي تحبك
.
أما ليث ، فقد تمنى أن يمرّ الوقت سريعاً ، ويدق الجرس ، أتعرفون لماذا ؟
هذا ما لا يريد ليث أن يعرفه أحد ، وخاصة المعلمة ، فهو قد نسي ، لسبب من الأسباب
، أن يكتب واجب القراءة .
الفراشة
دعتني معلمة اللغة العربية إلى
غرفة المعلماتْ ، وأرتني خلسة نتيجة امتحان الاملاء الأخير ، وكانتْ كالعادة مطرزة
بالخطوط الحمراء .
لم تقل المعلمة شيئاً ، فنظرتُ إليها متردداً ، وقلتُ : عفواً ست .
وطوتْ المعلمة الدفتر ، وابتسمتْ لي ، وقالتْ : قيس ، أنا أعرفك ، أنت
تستطيع أن تكون أفضل .
قفلتُ عائداً إلى الصف ، وانتهى الدوام عند منتصف النهار ، وعدت مع زينب
بباص المدرسة إلى البيت ، وطوال هذه الفترة ، كنت أفكر ، ترى كيف أكون أفضل في
الاملاء بالذات ؟
تغديتُ ، ونمتُ قليلاً ، وحديث المعلمة لا يفارقني ، وقبيل العصر خرجت إلى
الحديقة ، ورأيت زينب تجلس في المرجوحة ، وتقرأ بانتباه في كتاب القراءة .
جلستُ إلى جانبها ، وقلت : زينب .
وهمهمت زينب ، دون أن ترفع عينيها عن كتاب القراءة ، فقلتُ لها : أنت لا
تخطئين في الاملاء ، و ..
وسكتّ حين رأيت ابتسامتها اللعين ، ترفرف فوق شفتيها ، فقلتُ مغالباً
انفعالي : لابد أن معلمة اللغة العربية قد تحدثت اليك .
فطوت كتابها ، وقالت : اطمئن ، إنني حتى لم أرها هذا اليوم .
وسكتّ لحظة ، ثم سألتها : حسن ، كيف يمكن أن أكون أفضل في ..
وهنا مرّت فراشة جميلة ، فسكتّ مبهوراً ، وسرعان ما وجدتني أترك زينب ،
وأركض وراء الفراشة ، لعلي أستطيع اصطيادها .
ورأتني الفراشة أركض وراءها ، فارتفعتْ بسرعة عالياً ، واختفتْ بين أغصان
شجرة البرتقال ، وتركتني أقف خائباً صفر اليدين .
عدتُ إلى زينب ، وجلست إلى جانبها ، وقلت : زينب ، لم تجيبيني .
فردتْ زينب ، دون أن ترفع عينيها عن كتاب القراءة : لقد أجابتك الفراشة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق