اليوم جمعة
قصة
للأطفال
بقلم : طلال حسن
بعد الغداء ، ذهب قيس وزينب إلى غرفتهما ، وذهب أبو قيس
ليرتاح في فراشه قليلاً ، فاليوم جمعة ، يوم راحة ، ومع ذلك عمل صباحاً في الحديقة
، فقلم بعض شجيرات الورد ، ونظم أحواض الأزهار .
أما أنا ، ربة البيت ، فقد بقيتُ في المطبخ ، أنظف
القدور والأطباق ، وأرتبها في أماكنها ، ثم أمسح أرضية المطبخ ، وأجعلها تبرق
كالمرآة .
وتوقفتُ متعبة ضجرة ، أصغي إلى نِقار قيس وزينب ، يتناهى
إليّ من غرفتهما ، إنني لم أنتهِ من عملي بعد ، ترى لماذا يتناقران ؟
تنفسي ثلاثة مرات عند شعورك بالضيق أو الغضب ، هذه نصيحة
أمي ، التي لم تنجح هس نفسها في تطبيقها يوماً ، فقد كانت على نِقار دائم مع أبي .
تنفستُ ثلاث مرات ، ونِقار قيس وزينب يتعالى ، لم أعد
أحتمل ، فصعدتُ إلى غرفتهما ، وأنا أتنفس وأتنفس لعلي أهدأ ، وما إن فتحتُ باب
الغرفة ، حتى صاح قيس وزينب معاً : ماما ..
وتوقفتُ صامتة ، أحاول أن أتمالك نفس ، ولا أنفجر بهما ،
فصاحتْ زينب : ماما ، تصوري ، يريد أن يفتح الشباك .
وصاح قيس : الجو خانق ، يا ماما ، ويجب أن نبدّل هواء
الغرفة .
وصاحتْ زينب : لكن الجو بارد .
وهمّ قيس أن يردّ عليها ، فرفعتُ يدي أن أصمتا ، وقلتُ
بغضب مكتوم : كفى .
ولعلهما أحسا بعاصفتي ، فلاذا بالصمت ، وتقدمتُ منهما ،
وقلت : اجلسا .
ونظر أحدهما إلى الآخر ، ثم جلسا ، فقلتُ من بين أسناني
: والآن ليتنفس كلّ منكما بعمق ثلاث مرات ، هيا تنفسا .
ونظر قيس إلى زينب ، وقال : تنفسي .
فردت زينب قائلة : تنفس أنت أولاً .
وبدل أن أنفجر ، غادرتُ الغرفة ، وعدتُ إلى المطبخ ،
اليوم جمعة ، يوم .. ، وعاد النقار بين قيس وزينب ثانية ، يا إلهي ، اليوم جمعة ،
ووقفتُ بباب المطبخ ، وصحتُ بغضب : قيس .. زينب .
وخفِت النقار قليلاً ، وأردتُ أن أصعد إليهما ثانية ،
لكن أبا قيس ناداني : أم قيس .. تعالي .
ولكي لا أنفجر بقيس وزينب ، توجهتُ إلى أبي قيس ، وما إن
رآني أبو قيس حتى ابتسم ، وقال : تعالي ، يا عاصفتي ، تعالي .
فقلتُ بانفعال : أنت نائم ، وأنا .. وأنا ..
وأشرتُ إلى الأعلى ، وقلتُ : هذان ال .. إنهما لا يكفان
عن النقار لحظة واحدة ، و ..
واقترب مني ، وأمسك بيديّ ، وقال : تعالي أجلسي .
وسحبتُ يديّ من بين يديه ، وقلتُ : دعني .
وقال أبو قيس : أجلسي .. أجلسي .
وجلستُ متأوهة ، وقلتُ : لقد تعبت .
ووضع أبو قيس يده على كتفي ، وقال : تنفسي ثلاث مرات .
ونظرتُ إليه ، فقال : إنها نصيحة أمكِ ، تنفسي .
لم أتنفس ، لكني مع ذلك هدأتُ قليلاً ، فقال أبو قيس :
اليوم جمعة ، يوم راحة واستمتاع ، دعي قيس وزينب ، هذه عادتهما ، وستتغير مع الزمن
، أما نحن الكبار ، فعلنا أن نتنفس ..
وصمتَ منصتاً ، حين تناهتْ ضحكات من الحديقة ، فابتسم
أبو قيس ، وقال : اسمعي ، إنهما قيس وزينب ، تعالي ننظر أليهما من النافذة .
وأمسك بيدي ، وأخذني إلى النافذة ، وقال : تعالي ..
أنظري .
ونظرنا من الشباك ، وسرعان ما اختفتْ ابتسامة أبي قيس ،
وصاح بغضب متصاعد : هذا اللعين قيس ، انظري ، لقد خرب ما عملته طول الصباح .
واتجه إلى الباب ليخرج ، ويمضي إلى قيس في الحديقة ،
فأسرعتُ إليه ، وأمسكتُ بيده المضمومة ، وأخذته إلى السرير ، وقلت : اجلس .
لم يجلس أبو قيس ، بل نظر إليّ ، فقلتُ له : تنفس ثلاث
مرات .
ثم ابتسمتُ ، وقلتُ : لا تنسَ .. اليوم جمعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق