قصتان
للأطفال
بقلم : طلال حسن
تصبحين
على خير
هبت زينب من مكانها غاضبة ، ومضت
إلى غرفتها ، بعد أن قالت لماما وحدها : تصبحين على خير .
وردت ماما : تصبحين على خير .
ونظرت ماما إليّ ، فقلتُ : أرأيتِ يا ماما ؟ لم تقل لي ، تصبح على خير .
وردت ماما قائلة : الذنب ذنبك ، يا قيس ، لقد أحرجتها أمام صديقتها .
وقلت محتجاً : ناديتها فقط ، يا زوزو ، وليس ذنبي أن صديقتها قد ضحكت .
هزت ماما رأسها ، وقالت : زوزو اسمها في البيت ، وليس في المدرسة .
لذت بالصمت ، وفكرت ، نعم فكرت ، ربما ماما على حق ، لكن .. وتركت لكن
جانباً ، وانصرفتُ إلى كارتون " توم وجيري " .
وعلى غير عادتي لم أضحك ، كنت أفكر
، نعم كنت أفكر ، ونهضت قبل أن ينتهي كارتون " توم وجيري " ، وخرجتُ من
الغرفة ، دون أن أقول لماما تصبحين على خير .
ودخلتُ الغرفة ، كانت زينب تغط في النوم ، يا لي من أحمق ، لقد أغضبتها ،
حتى إنها نامت مبكرة ، وربما دون أن تنجز واجباتها ، ومن يدري ، فقد تعاقبها
المعلمة غداً ، فتقول لي : الذنب ذنبك ، يا قيس .
حسن فلأصحح خطئي ، واقتربت من زينب ، وهززتها برفق ، وقلت بصوت خافت : زينب
.
وكفت زينب عن الغطيط ، لكنها لم تفتح عينيها ، فهززتها ثانية ، وأنا أقول :
زينب ..
واعتدلت زينب غاضبة ، وقالت : أيها الأحمق ، ألا تراني نائمة ؟
وقبل أن أردّ على زينب ، أقبلت ماما مسرعة ، وقالت بصوت خافت : هششش ، بابا
نائم ، ما الأمر ؟
ونظرتُ إلى ماما ، وقلت : ماما ، كانت نائمة ، فأيقظتها لأعتذر منها ،
وأقول لها .. تصبحين على خير .
ديمة
الجميع يعرفون ، أن لساني لا
يهدأ في فمي ، كلما وقفت أو سرت مع تلميذ أو مجموعة من التلاميذ ، لكنه ـ لا أدري
لماذا ـ يهدأ عندما التقي بديمة ، وقلما يتململ ، أو ينبس بكلمة واحدة .
وها أنا أسير في فناء المدرسة مع ديمة ، ولساني طبعاً هادىء في فمي ،
وتنفست ديمة مِلأ صدرها ، وقالت : آه ما ألطف الجو اليوم ، يا قيس .
ونظرتُ إليها ، حقاً إن الجو لطيف ، صحيح إن السماء غائمة ، تنذر بالمطر ،
لكن ـ وكما قالت ديمة ـ الجو لطيف ، لطيف جداً .
وتوقفت ديمة قرب سياج الحديقة ، فتوقفت إلى جانبها صامتاً ، ومرت فراشة ،
لم أعرها اهتماماً ، وتابعتها ديمة فرحة ، ثم أشارت إليها ، وقالت : آه ، أنظر ،
ما أجمل هذه الفراشة .
ونظرت حيث أشارت ديمة ، إنها الفراشة نفسها ، تقف على وردة ذابلة ، وقد سبق
أن رأيت أمثالها بالعشرات ، لكن ـ والحق يقال ـ إنها فراشة جميلة .
وهنا سقطت فوق وجهي بضعة قطرات باردة من المطر ، وخفت أن تتبلل ديمة ،
وربما تمرض ، فنظرت إليها ، وقلت : ديمة ، يبدو أنها ستمطر ، لنسرع ، ونذهب إلى
الصف .
لم تتحرك ديمة ، وطبعاً لم أتحرك أنا أيضاً ، ورفعت رأسها ، ونظرتْ إلى
الغيوم ، وقالت : آه ما أجمل الغيوم ، وخاصة عندما تبكي .
وقبل أن أتبين جمال الغيوم ، انهمر المطر ، فقلت لديمة ، دون أن أتحرك :
ستغرقنا الغيوم بدموعها .
وهرولت ديمة ضاحكة ، فهرولت ضاحكاً إلى جانبها ، وتوقفت قرب الصف ، وقالت :
أتعرف معنى ديمة ؟
لذت بالصمت ، حقاً ما معنى ديمة ؟ هذا ما لم أفكر فيه ، ترى ما معنى ديمة ؟
وابتسمت ديمة ، وقالت : ديمة هي من أغرقتنا .. بدموعها .
وحدقت في ديمة مفكراً ، ثم قلت : تعنين .. غيمة ؟
وهزت ديمة رأسها ضاحكة ، وقالت : نعم .. ديمة تعني .. غيمة .
نظرت إلى الغيوم ، ودموعها تنهمر بشدة ، آه ما أجمل الغيوم ، ووجدتني أعود
كالنائم إلى الفناء ، وأقف تحت دموع الغيوم المنهمرة .
فأسرعت ديمة إليّ ضاحكة ، وأمسكت يدي ، وأخذتني إلى الصف ، وهي تقول : أيها
المجنون ، تعال وإلا مرضت .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق