ظل في الأعماق
قصة للأطفال
بقلم : طلال حسن
فزّ مستيقظاً ، عند منتصف الليل ، وإذا أنثاه قد استيقظت هي الأخرى ولعلها أحست بقلقه ، فقالت : لا داعي للقلق ،
أظن أنها الريح .
ورغم ميله إلى ظنها ، إلا أنه نهض من مكانه ،
وتوغل بين الأحراش ، من يدري ، لعلها ليست الريح ، وإنما .. الثعلب .
وقفل عائداً بعد حين ، وجثم إلى جانبها ،
وقال : أنتِ محقة ، إنها الريح .
ومدت منقارها ، ومسدت بحنان ريش صدره ، وقالت
: الوقت متأخر ، الأفضل أن تنام .
ومال عليها ، وقال بصوت رقيق : حلمت قبل قليل
، أن البيض قد فقس .
ومسدت ريش صدره ثانية ، وقالت : ستفقس قريباً
، أغمض عينيك ، ونم .
وقبل أن يغمض عينيه ، قال : لتفقس بسرعة ،
أريد لصغاري أن يتمتعوا بحبك وحنانك .
"2 "
ـــــــــــــــ
اشتهت البطة ، صباح اليوم التالي ، أن تفطر بسمكة ، وقررت أن تمضي إلى البحيرة
، وتصطاد سمكة ، رغم خوفها من السلحفاة النهاشة ، التي أشيع مؤخراً ، أنها تجوب
أعماق البحيرة .
وعلم ذكرها بقرارها ، فاعترض قائلاً : كلا ،
أبقي أنت في العش ، محتضنة البيض ، وسأذهب أنا ، وآتيك بما تشتهين .
ورضخت البطة لمشيئته ، وبقيت محتضنة البيض في
العش ، بينما مضى هو إلى البحيرة ، وقد ندمت البطة لرضوخها أشد الندم ، لكن بعد
فوات الأوان .
وتابعته بعينيها المحبتين ، يحلق ، ثم يحط
فوق مياه البحيرة ، ويأخذ بالسباحة ، باحثاً عن سمكة يصطادها ، ويعود بها إليها .
وعل حين غرة ، رأته بأم عينيها ، يخفق
بجناحيه للحظة مستغيثاً ، ثم يغوص بسرعة ، نحو الأعماق المعتمة الباردة .
وهبت من فوق البيض ، منطلقة بأقصى سرعة إليه
، لعلها تنجده ، لكنها لم تعثر له على أي أثر ، وحدقت في الأعماق ، فلمحت ظلاً
شائهاً ، يغوص ويتلاشى في العتمة ، وخفق قلبها رعباً ، إنها السلحفاة النهاشة ،
نعم ، إنها هي ، ولا أحد غيرها ، والآن ما العمل ؟
" 3 "
ـــــــــــــــــ
منذ ساعات ، والبطة تحوم حول البحيرة ، ماذا تأمل ؟ أن تراه ثانية ؟ هذا
مستحيل ، فهي تعرف ، أن ما تسحبه السلحفاة النهاشة إلى الأعماق ، لا يراه أحد
ثانية ، مهما طال انتظاره .
ولأمر ما ، هبطت البطة ، وحطت فوق مياه
البحيرة ، حيث حط ذكرها ، وراحت تسبح ، كما كان يسبح ، قبل أن تسحبه السلحفاة
النهاشة ، وتغيبه في الأعماق .
لقد رأت ـ ويا للجنون ـ أن تستدرج السلحفاة
النهاشة ، حتى إذا أطبقت على قدميها ، وهمت أن تسحبها إلى الأعماق ، انتفضت محلقة
بها عالياً ، نحو الشاطىء الصخري ، ثم تلقيها من حالق ، فتمزقها الصخور ، كما تمزق
هي ضحاياها في الأعماق .
ولكن ماذا لو أخفقت ؟ ولاح لها في الأعماق ،
ظل قاتم يتحرك ببطء ، أهي سمكة كبيرة ، أم إنها السلحفاة النهاشة ؟
وتراءى لها ذكرها ، يجثم إلى جانبها ، ويقول
قبل أن يغمض عينيه : ليفقس البيض بسرعة ، أريد لصغاري أن يتمتعوا بحبك وحنانك .
وعلى الفور ، انتفضت محلقة ، وعادت إلى بيضها
، لتحضنه ، منتظرة أن يفقس ، ويخرج منه صغارها الذين ستمتعهم بكل حبها وحنانها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق