ذو الرأس
الصغير
طلال حسن
لم ينم الديناصور ذو الرأس الصغير ، حتى
منتصف الليل ، كان يفكر رغم أن أمه ، قالت له أكثر من مرة ﻻ تفكر
يا بني التفكير يسبب صداعا في الر أس .
وقد غلبه النوم دون أن
يتوصل إلى ما يفكر فيه ، انه يعاني أحيانا من بعض الكائنات ، إنهم يضحكون منه ،
ويقولون متغامزين : إن رأسه صغير جدا ، أما عقله فصغير جداً جداً .
وفي اليوم التالي ،
لم يفق في الوقت الذي كان يفيق فيه عادة ، فأيقظته أمه وقالت : بني ، انهض الشمس أشرقت
منذ فترة ليست قصيرة .
ونهض الديناصور ذو
الرأس الصغير وهو يتثاءب ، ونظر إلى أمه ، وقال متسائلاً : ماما ، لماذا تستيقظ
الشمس كل يوم ؟
وفكرت أمه ، انه لم
يسألها من قبل مثل هذا السؤال ، ثم إنها لم تسمع ﻻ من أمها
ولا
من أبيها ، ولا من أحد جواب هذا
السؤال ، وفكرت مليا ثم قالت : ما دامت الشمس تنام في المغرب فلابد أن تستيقظ ،
كما نستيقظ نحن ، في الصباح .
وﻻذ الديناصور بالصمت ، لقد أعجبه هذا الجواب ، ومن الواضح إن أمه تعرف كل
شيء ، فلماذا ﻻ يسألها عما يشغله ؟ وعلى هذا تطلع إليها وقال
: ماما ، لماذا رأسي صغير ؟
وفكرت أمه ، فكرت
كثيرا ، ثم قالت : ربما لأن رأسي ـ أنا
أمكَ ـ صغير يا بني .
لم يعجبه هذا الجواب
كثيرا ، فصمت لفترة طويلة ثم قال : إنني اسمع البعض يضحكون مني ، ويقولون رأسي
صغير ، وعقلي أيضاً صغير ، ماذا يقصدون ؟
فقالت اﻻم ، وهي تتأهب لمغادر ة الوكر : من يدري ، المهم إن رأسنا صغير وهو
يناسبنا .
2
ــــــــــ
خرج الديناصور ذو الرأس الصغير من الوكر ، وتوغل في الغابة بخطى بطيئة ، انه متعب بعض
الشيء ، ويعاني من صداع في رأسه ، ربما لأنه لم ينم البارحة حتى منتصف الليل ، فقد كان يفكر ، يفكر بعمق ، آه يا للعادة السيئة .
وفكر دون إن ينتبه ،
ترى هل يعاني الديناصور تي ـ ركس من الصداع ؟ ربما لأنه ليس لديه سبب للتفكير ، فالجميع يخافون منه
ويتجنبونه ، بل ويلوذون بالفرار لمجرد رؤيته .
وهز رأسه ، وهو يقضم
اﻻعشاب ، إن أحداً لا يخاف منه ، حتى الأرانب الجبانة ، التي تخاف
من ظلها ، تتراكض لاهية على مقربة منه ، أو بين سيقانه وهي تتضاحك ، دون خوف .
وفكر مرة إن الجميع
يخافون الديناصور تي ـ ركس ، لأنه
لا يأكل الأعشاب ، بل يأكل لحوم الحيوانات ، وذات يوم ، رأى
بقايا غزالة عافها ذئب ، فأقترب منها وتذوقها مترددا ، وسرعان ما لفظ ما تذوقه
وكاد يقيء .
وتناهى من بعيد ، صوت
أجش قبيح ، انه ربما صوت تي ـ ركس ، وصمتت الأرانب التي حوله ، وتأهب للفرار وقدحت في رأسه الصغير
فكرة ، إنهم يخافون الصياح فليجرب إذا ، لن يخسر شيئا .
ورفع الديناصور رأسه
، وصاح بأعلى صوته لكن اﻻرانب التي حوله لم تخف ولم تلذ بالفرار بل إن
إحداها تساءلت : ماذا دهاه هذا الديناصور ؟
فرد آخر ضاحكا : لقد
فقد عقله ، جن .
وضحكت اﻻرانب وقالت أرنبة عجوز : وهل لديه عقل ليفقده ، انظروا إلى رأسه كم هو
صغير .
ازداد صداع رأسه
الصغير ، وفقد شهيته للأكل ، فاستدار بتثاقل
، ثم مضى يسير بين الأشجار عائدا إلى الوكر ، رغم أن النهار لم ينتصف بعد .
3
ــــــــــ
في طريقه إلى الوكر ، مرّ الديناصور ذو الرأس الصغير ، بديناصورة فتية في
عمره ، ترعى العشب من مرج بين اﻻشجار ، لم ينتبه إليها ، فرفعت رأسها الصغير إليه
وهتفت : طاب يومك .
وتوقف الديناصور ذو
الرأس الصغير ، وتطلع إليها دون أن يتفوه بكلمة ، فقالت الديناصورة : العشب هنا ندي ، ولذيذ جدا ، تعال كل معي .
تقدم نحوها بخطوات
بطيئة ، لكنه لم يشاركها في قضم العشب ، فقالت له : أراك مهموما ، ما اﻻمر ؟
ورمقها الديناصور
بنظرة خاطفة ، ثم قال : ألست مهمومة أنت ؟
فابتسمت الديناصورة ،
وقالت : العشب لذيذ والمكان هنا آمن ، وكذلك الجو رائع ، فما الداعي للهم ؟
وبنبرات حزينة ، قال
الديناصور ذو الرأس الصغير : ﻻ احد في الغابة كلها يخافني ، كما يخافون بعض
الكائنات الأخرى مثل تي ـ ركس .
واقتربت الديناصورة
منه ، وقالت : السؤال هو من يحب تي ـ ركس في الغابة ؟
وﻻذ الديناصور ذو الرأس الصغير بالصمت ، فقالت الديناصورة : أنا سعيدة ﻻن أحداً لايخافني ، هذا يعني إننا
لسنا أشراراً .
وصمتت لحظة ثم قالت :
إننا ديناصورات طيبة ، ومسالمة يحبنا الجميع ، ونعيش في وفاق مع الآخرين ، هذا هو المهم .
وسكتت الديناصورة
الفتية ، فاقترب منها الديناصور ذو الرأس الصغير وقال : قلت إن هذا العشب لذيذ.
فابتسمت الديناصورة ،
وقالت : نعم ، ومعك سيكون أكثر لذة .
وجنبا إلى جنب ، وفي
شعور بالرضا والراحة والسعادة راح الديناصوران الفتيان يقضمان العشب اللذيذ ، دون
أن يشعرا بالوقت وهو يمرّ .
ملاحظة
ـــــــــــــــــــــــ
× ذو الرأس الصغير : هو الديناصور سيتيجو صوراس
، ويتميز بالصفائح العظمية على ظهره ، والأشواك على ذيله ، وهو حيوان عشبي ، يصل
طوله " 12 " متراً ، ووزنه حوالي " 5 " أطنان ، له رأس صغير
مقارنة بجسمه الضخم ، ومخه صغير جداً ، لا يزيد عن مخ كلب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق