البركة
المسحورة
بقلم: طلال حسن
1
ـــــــــــ
في منامها سمعته يستغيث : ماما ..
وهبت من نومها ، وهي
تفتح عينيها متمتمة : بنيّ .
وتلفتت حولها ، لا
أحد ، لكن أين صغيرها ؟ وأرهفت السمع ، أيضاً لا أحد ، آه إنه حلم ، وكأنها تتمنى
أن تسمع صغيرها ، وهو يستغيث من خطر ما .
وأرادت أن تعود إلى
مضجعها ، فالشمس لم تشرق بعد ، لكنها لم تستطع أن تنام ، فهي تريد أن تعرف أين
صغيرها ، لتطمئن عليه .
وابتسمت ، صغيرها
الماموث نونو ؟ آه أصبح لا يحب هذه الكلمة ، وطالما صاح منفعلاً : لا تقولي نونو ،
لم أعد نونو ، انظري ، لقد كبرت.
وكان ينفعل أكثر ،
حين ترد عليه قائلة : أنتَ عندي نونو ، مهما كبرت .
والبارحة أراد أن
يخرج من الوكر ، فسألته مترددة : إلى أين ، يا نوهنو؟
وبانفعال ردّ عليها :
لا تسأليني إلى أين ، إنني لم أعد ماموثاً صغيراً .
فقالت : بنيّ : أنا
أمكَ .
فتراجع مبتعداً ،
وقال : جميع الأمهات عداكِ ، يتركن أبناءهن يشقون طريقهم في الحياة ، دون تدخل ،
لقد كبرتُ ، صرتُ ماموثاً راشداً .
ومضى مبتعداً ، فهتفت
به : سأنتظرك عند منتصف النهار ، لنتغدى معاً .
وانتظرته عند منتصف
النهار ، لكنه لم يعد ، ولم يعد حتى عندما غابت الشمس ، وها هو يغيب عنها ليلاً ،
لأول مرة في حياته ، دون أن تدري في أي مكان من الغابة ، يبات تلك الليلة .
2
ـــــــــ
انطلقت الماموثة الأم ، تبحث عنه في الجوار ،
وإن كانت تخشى أن يكون قد توغل وحده ، أو مع مجموعة من أصحابه ، في أعماق الغابة .
إنها تخاف عليه من
الأخطار ، التي يمكن أن تواجهه ، إذا خرج وحده من الوكر ، أو ابتعد عنها ، وهما
يرعيان في المروج الخضراء اليانعة .
ولقد حذرته ، في حالة
كهذه ، من الديناصورات اللاحمة ، وخاصة من الديناصور تي ـ ركس ، وكذلك من
السمايلودون ، الذي يشبه النمر ، في ضخامته ورشاقته ، وعلى العكس من النمر ، كان
له نابان ضخمان يبرزان من فمه كسيفين حادين قاطعين ، كما حذرته من البركة المسحورة
، التي تسحب كلّ من يخوض فيها إلى الأسفل ، وخاصة الحيوانات الثقيلة ، وتغيّبه
بحيث لا يظهر له أثر مطلقاً بعد ذلك .
ولم تجده في الجوار ،
وتوغلت في الغابة ، حتى وصلت البركة المسحورة ، وتوقفت عند حافتها ، تنظر إلى
الماء الرقراق الذي يغطيها ، وتعجبت كيف يمكن أن تسحب الحيوانات إلى الأعماق .
وتناهى إليها ، من
بين الأشجار ، حركات مريبة ، مضطربة ، فأسرعت وتوارت وراء إحدى الأشجار الضخمة ،
وسرعان ما رأت غزالاً فتياً ، خفيف الوزن ، يركض مذعوراً ، وفي أثره يركض الوحش
سمايلوزون ، وهو يكاد ينشب مخالبه فيه .
ويبدو أن الغزال
الفتيّ ، شعر بأن الوحش يوشك أن يمسك به ، فأسرع يخوض في ماء البركة ، وأسرع الوحش
وراءه ، واجتاز الغزال مسافة كبيرة ، لكن الوحش ما إن ركض وراءه ، حتى توقف
مذهولاً ، خائفاً ، وراح يغوص في البركة ، حتى اختفى تماماً ، بينما اجتاز الغزال
البركة ، وانطلق مبتعداً ، لا يلوي على شيء .
3
ــــــــ
تركت الماموثة الأم البركة المسحورة ، ومضت
تتوغل في الغابة ، مواصلة البحث عن صغيرها الحبيب ، وفكرت أنها ستجن إن لم تعثر
عليه ، وهي ترى في أعماقها ، الديناصور اللاحم تي ـ ركس ، يهاجمه ويفتك به ، أو
أنه ، وهذا ما لا تريد أن تتصوره ، يغوص في البركة المسحورة ، ولا يبقى له أثر .
وتوقفت مذهولة ، حين
جاءها صوت صغيرها يستغيث من مكان قريب :
ماما .
أهو منام ؟ لكنها
مستيقظة ، تسير بين الأشجار ، على مسافة ليست بعيدة عن البركة ، وثانية جاها الصوت
المستغيث : ماما .. إنني أغرق .
وانتفضت بقوة ، الصوت
مصدره البركة ، نعم ، البركة المسحورة ، وبسرعة البرق ، انطلقت الماموثة الأم عبر
أشجار الغابة إلى البركة ، وخلال ركضها المجنون ، سمعت صغيرها يستغيث بصوت باكٍ
خائف : ماما .. ماما .. ماما .
وأشرفت على البركة
المسحورة ، ورأت صغيرها فعلاً يغوص حتى ركبه في البحيرة ، فأسرعت تخوض الماء إليه
، ولم تلتفت إلى ماموث ضخم ، كان يقف عند حافة البركة ، ويصيح بها : توقفي ،
ستبتلعك البركة ، كما تبتلع الصغير ، توقفي ، توقفي .
لكنها لم تتوقف ،
وخاضت بدون حذر ، وأمسكت صغيرها بخرطومها ، لكنها كلما حاولت أن تسحبه غاصت هي
الأخرى ، وفجأة شعرت بخرطوم قوي يمسك بها ، ويمنعها من الغوص داخل البركة ، ومن
جهتها ظلت متمسكة بصغيرها ، وشعرت بأن الخرطوم القويّ يسحبها خطوة بعد خطوة ، هي
وصغيرها ، حتى صارا معاً على الشاطىء الرملي للبركة .
والتفتت إلى منقذها ، وإذا هو الماموث الكبير ،
فقالت له : أشكرك ، لقد أنقذتني ، وأنقذت صغيري ، من موت محقق في هذه البركة
القاتلة .
وقبل أن يرد الماموث
الكبير عليها ، شعرت بصغيرها يعانقها بقوة ، فمدت خرطومها ، ومسدت به على رأسه ،
وقالت : بنيّ ، حبيبي ، اطمئن ، أنت بخير .
وقال الماموث الصغير
: ماما ، إنني متعب ، هيا نعد معاً إلى
الوكر .
ومرة أخرى ، شكرت الأم الماموث الكبير ، ثمّ مضت نحو الوكر
، ومعها مضى الماموث الصغير، وهو يقول لها : ماما ، لن أبتعد ثانية عنك أبدا.
وابتسمت الديناصورة
الأم ، وقالت : بالعكس ، يا صغيري ، أنت تكبر ، ولك أن تغادرني ـ في الوقت المناسب
ـ كما غادرتُ أبويّ .
وصمتت لحظة ، ثم قالت
: لقد أخطأت باقترابك من البحيرة المسحورة ، وما أريده منك ، أن لا ترتكب هذا
الخطأ مرة أخرى ,
ملاحظات
ـــــــــــــــــــــــ
× ـ البركة المسحورة
: بركة مليئة بالقار ، تغطيها طبقة رقراقة من الماء ، تخوض الحيوانات المختلفة
فيها ، لتشرب الماء ، فتغوص إلى أعماق القار .
× ـ الماموث : نوع من الثدييات الفيلية المنقرضة ، ارتفاعه
حوالي " 5 " أمتار ، وله نابان عاجيان أكبر من نابي الفيل الحالي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق