(.. يقولون اختر الرفيق قبل الطريق، وافقتك ورافقتك يا صديقى وبدأت رحلتى وقصتى)
صديقى العزيز
عندما تلمس رسالتى التى نقشت حروفها على الرمال، أكون بعيداً عنك
بآلاف الأميال.. أقطع الطريق لأصل لجنتى التى أفتقدها.. أنا صديقك الجمل..
أتذكر يوم أن دعوتنى لأذهب معك للقرية الصغيرة التى تقيم بها، ولأنك تسافر
حاملاً البضائع وتجتاز الصحراء.. تقابلنا وصرنا أصدقاء. أعد الليالى أنتظرك
لتحكى لى عن رحلتك وأحكى أنا لك عن حياتى مع أصدقائى الطيور ونبات الصبار،
أقنعتنى أن أترك حياة الصحراء الجافة لأنعم بحياة الريف الخصبة حيث الماء
والغذاء الوفير، حيث الراحة من قسوة الشمس صيفاً، والرياح العاصفة شتاء،
حيث النهر الصغير الذى سمعت عنه وحلمت أن ألمس مياهه.. يقولون اختر الرفيق
قبل الطريق، وافقتك ورافقتك يا صديقى وبدأت رحلتى وقصتى، جئت لمزرعة فى
قريتك الصغيرة ولأول مرة أنحنى لأستطيع أن أمر من الأبواب ومن يومها وأنا
فى عذاب.
فرحت فى البداية بحياتى الجديدة، لأول مرة أشعر أننى وسط البشر
ورفاقى من الحيوانات، لن أكون وحيداً كحياتى فى الصحراء.. لكنى للأسف لم
أجدك بجانبى، كانت مهمتى أن أقوم بنقل المحاصيل من المزرعة لتباع فى سوق
القرية، بينما تسافر أنت لبيعها للمدن البعيدة، وهكذا صرت وحيداً من جديد
بالرغم من وجودى وسط حيوانات المزرعة.
هز الحمار أذنيه الكبيرتين بسعادة ونهق قائلاً: مسكين يا صديقى لم
أر أصغر من أذنيك.. أما الحصان فصهل عالياً وتطاير شعره الأسود الناعم وقال
فى خيلاء: كيف تتحمل هذا الوبر الثقيل فوق ظهرك؟ استيقظت البقرة وحركت
عينيها قائلة لم أر أقبح من عينيك يا صديقى أين هما من عينى الجميلتين عيون
المها.. وانطلق خوارها تعبيرا عن فخرها بعيونها.. أما الحمل الصغير فقد
اقترب منى بحذر وأشار للسنام فوق ظهرى قائلا: ما هذا الذى تحمله على ظهرك؟
ألا يؤلمك؟ قلت له بابتسامة، إنه السنام مخزن الطعام، لولاه ما استطعت أن
أتحمل الجوع والعطش لأيام.. فى رحلتى من المزرعة للحقل كل يوم، كنت أرى أهل
القرية، أتأمل ملامحهم فأراها عابسة اختفت منها الابتسامة، نظراتهم يطل
منها الغضب بدلا من الرضا والقناعة، كل منهم يسير بجانب جاره لكنه لا يراه
ولا يشعر به، الجمال حولهم فى كل مكان، لكنهم لا يشعرون به، فى تغريد
الطيور، فى اللون الأخضر الذى يكسو الحقول، والذى تحلم به كل كائنات
الصحراء، وأكثر ما أزعجنى هو إسرافهم فى استخدامهم للماء، يهدرونها فى رى
الحقول ونحن فى الصحراء نتمنى قطرة ماء.. تتساقط حبات المطر فيشعرون بالضيق
والضجر بينما المطر هو أمل لكل حبة رمل فى الصحراء.. رفض صاحب المزرعة أن
يمتطى ظهرى وسخر من سيقانى الطويلة، بالرغم من أنها تمكننى من السير فى
الرمال دون أن أغوص فيها، ومن مشيتى التى تجعلنى أتأرجح كسفينة تسير فوق
الأمواج.. فكان يمتطى الحصان الأسود وأسير أنا خلفه فى صمت لا أحد يشعر بى،
الماء والغذاء أمامى لكنى لا أشعر بأى رغبة فى الطعام، وذات يوم وأنا فى
طريقى للسوق خلف الحصان، هبت عاصفة شديدة لم يستطع الحصان أن يتحملها،
تناثرت الرمال فالتصقت بشعره الجميل وتعثر ووقع ومعه صاحب المزرعة، بينما
لم أتأثر أنا، فالوبر فوق ظهرى لا تلتصق به الرمال، تألمت البقرة عندما
امتلات عيناها بالرمال ووقعت، بينما عيناى خلقهما الله بأهداب طويلة تمنع
دخول الرمال، ونهق الحمار بغضب عندما تراكمت فى أذنيه الرمال، بينما أذناى
الصغيرتان لا تتراكم فيهما الرمال فتؤلمنى وتعوق سيرى مثلما حدث مع الحمار.
بسرعة حملت صاحب المزرعة والمحصول وسرت حتى وصلت للسوق، ورأيت الناس فى
العاصفة كل منهم يغلق عينيه وبابه فى وجه الآخر، فى الصحراء سرعان ما يصبح
الغرباء أصدقاء، يتقاسمون الماء والغذاء وهنا فى القرية الخصبة الآمنة،
سريعاً ما يتباعد الأصدقاء. وبالرغم من أن صاحب المزرعة شعر بعد يوم
العاصفة بأهميتى وأصر على أن يمتطينى ويترك الحصان، فإننى اتخذت قرارى
بالعودة للصحراء، جنتى التى أنعم فيها بالحرية والأمان، لم تزعجنى حرارة
شمسها بل منحتنى دفء الإحساس، يسطع القمر الفضى، فينعكس ضوءه على الرمال
يشعرنى بالجمال والصفاء، نغمات الريح أجمل موسيقى تردد صداها الطيور فى
السماء.. ربما يفتقدنى صاحب المزرعة بعدما شعر بمكانتى لكنى لا أشعر بأى
ندم لأنى فارقته، فهو ككثير من البشر سرعان ما سينسانى، أما أنت يا صديقى،
فأنا انتظرك فى جنتى الجميلة ومعى كل الأصدقاء، زهور الصبار والطيور فى
السماء وكل حبة رمل سكنت أرض الصحراء.. صديقك الجمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق