وطــــــــني فلسطين
ياسر
دويدار
كانت غرفتي لا تزال
غارقة في ظلام خفيف برغم أن الشمس خارجها كانت قد بلغت الضحى ، أتململ في فراشي
بعد أن أفقت من حلم مفزع رأيت فيه فراغا مخيفا امتزجت فيه الحمرة بالسواد تراقصت
منتصفة أشباح مرعبة من لهب فقدت لذة النوم ، فأزحت الغطاء الجاثم على جسدي و غادرت
الفراش و صليت فريضة الصباح ثم ارتديت ملابسي و أوصدت باب الشرفة و شنقت ضوء كاد
أن يمرق إلى الداخل بصفعة قوية من الباب و ذهبت إلى المدرسة ؛ لأستلم أول مهام
عملي كمديرا لها متزامن مع اغتيال البراءة المتمثلة في التلميذ ( محمد الدرة )..
سرت في الطريق و خيل لي بأنه مرصوفا حزنا و ألما ، فقد كانت الآمة العربية جميعها
تبكي هذا الطفل الذي لا حول له و لا قوة و توجهت إلى المدرسة ورأيت صورة الطفل
الشهيد معلقة على جدران المدرسة و التلاميذ يحملون هذه الصورة على أعلام راحوا
يطوفون بها أرجاء المدرسة ويهتفون بهتافات ارتجت لها جدران المدرسة لم أستطع اصطياد أي من الهتافات الصارخة سوى
هتاف يتردد " لا.. لإسرائيل " " نموت نموت و تحيا فلسطين " و
يشعلون علم إسرائيل و علم أمريكا و يطئون عليه بأقدامهم الصغيرة ، لما شاهدت تلك
الصورة المتحركة بخاصة من أطفال لم يتجاوزوا أعمارهم العشرة سنوات لم أستطع أن
أحبس دمعة ملتهبة فرت من مقلتي ، فرحت أبكي ( محمد الدرة ) الطفل البرئ الذي كان أحد
تلاميذ تلك المدرسة .. و في فصل من الفصول شاهدت تلميذا ينتحب ، فاقتربت منه ،
ورحت أمسح دموعه الساخنة التي ألهبت وجنتيه و قلت له بحنان أبوي :-
- ما الذي يبكيك يا ( مازن ) ؟
فرفع رأسه صوبي و قال بصوت مفعم بالحزن :
أبكي زميلي ( محمد الدرة ) الذي اغتاله
المحتلون ، و قتلوا براءته ..
أبكي وطني " فلسطين " الجريح .
أبكي الدمع في عين الأم الثكلى .
أبكي الدمع في عين الطفل اليتيم .
إلى متى سنظل سيدي
المدير نقاتل بحجارة صماء و أعداء الأرض يقاتلوننا بالدبابات و الأسلحة
الحيه؟! أنني أحلم بذلك اليوم الذي يتنسم
فيه وطني " فلسطين " هواء الحرية ، و نزرع في أرضه أغصان الزيتون و يطير
في رحابه حمام السلام ..
و قلت له مخاطبا
" عقله " الكبير الناضج:
تمهل يا ( مازن ) فان
لكل ظالم نهاية.
إننا نرى الظلم
بأعيننا ، و لا نملك شيئا ندافع به عن قدسنا سوى حجارة خرساء تشاركنا الحزن و
الألم
و هم ينهشون بمخالبهم
أقصانا ،
فقلت له : ألم تر بالخارج التلاميذ الصغار و هم يهتفون
بقلوبهم الصغيرة ضد إسرائيل ؟.. أن العالم العربي يغلي ألماً و حسرة من أفعال
الصهاينة ، فلن تستطع أمريكا أن تخمد هذا
الصوت الهادر .. أنه صوت الحق يا بني و صوت الحق لن يصمت أبدا . هيا أمسح دمعك يا
( مازن ) فليس من شيمة الرجال البكاء .فقال لي:-
لن أتوقف عن البكاء
.. ما دامت فلسطين مقيدة و الكلاب اليهود قد اغتالوا أحلامنا في مهدها .
ــ كلا يا ( مازن )
سيظل الحلم في أعيننا ما دام هو يرتفع عاليا " خفاقا " .
ــ من ؟!!
ــ علم وطننا فلسطين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق