"من فضلك لا تشم طعامى!"
يرويــها: مـــارك كـوهــــن
ترجــمة: د.إيمــان ســـــنـد
فى أقصى الشمال الغربى من بلاد الصين، كان يعيش الحكيم (نصر الدين)، وهو رجل عاقل، حكيم ذاعت شهرته فى المنطقة التى يسكنها، والمناطق من حولها أيضًا.. وكان الناس يأتون إليه طلبًا لنصيحته، ومشورته؛ التى كانت فى الغالب لا تخيب.. وقد أُشتهر نصر الدين بأنه يقف مع المظلوم، ويحاول دفع الظلم عنه، كما عُرف بأخلاقه الحميدة، وسلوكه النبيل.
وفى يوم من الأيام، جاء إلى الحكيم نصر الدين رجل فقير جداً.. ضعيف البدن، يرتدى ثيابًا بالية، انحنى الرجل لتحيته انحناءة مليئة بالضعف، والانكسار، وقال له:
- جئت لأطلب مساعدتك أيها الحكيم، وقد لقيت فى طريقى صعوبات كثيرة، ومشقة بالغة حتى وصلت إليك، حيث أنني شخص فقير، ومعدم كما ترى.. لكن كلى أمل أن تقبل مساعدتى، وتنصحنى بما فيه صلاحي.
فأجابه الحكيم:
- سوف يسعدنى لو تمكنت من مساعدة شخص مثلك.. قص على الموضوع، وقل لى ماذا استطيع أن أفعل من أجلك؟
تنهد الفقير، وقال:
- بالأمس مررت على مطعم يملكه اللورد (إنبى)، وقد توقفت أمام الباب للحظات عدة؛ فرائحة الطعام التى تنبعث من الداخل كانت شهية للغاية.. ولكن اللورد انقض على بنفسه، وليس أحد من عماله، وقال لى أنه ضبطنى وأنا ابتلع رائحة طعامه.. ثم ناولنى فاتورة حساب لأدفعها.. هل تتخيل هذا؟.. وما أقدم هذا الرجل على فعله معي..! وأًنا لا أملك فلسًا واحداً لأدفعه له، لو كان معى نقود لاشتريت الطعام، بدلاً من شمه فقط! ثم قام اللورد بجرجرتى إلى المحكمة بواسطة القاضى المتأمر معه، وحينما ذهبت للمحكمة لم يتعجب القاضى من القضية، ولم يستغرب ماحدث، بل قال أنه بحاجة للتفكير فى تلك القضية، ولذلك سوف يقوم بتأجيلها إلى يوم آخر.
وهنا توقف الفقير عن الحديث حيث خطرت له فكرة، فسأل الحكيم باستعطاف قائلاً:
- هل من الممكن أن تأتى معى إلى ساحة المحكمة، وتقول شيئًا للدفاع عنى؟
فرد الحكيم بلا تردد:
- بالطبع، سوف آتى معك إلى المحكمة، وهناك سوف أرى مايمكننى تقديمة من مساعدة.
وسريعًا جاء اليوم الذى سيتم فيه نظر القضية فى المحكمة، وعندما وصل نصر الدين والفقير إلى المحكمة، وجدا أن اللورد (إنبى) والقاضي موجودان، وقد كانا يتحدثان، ويضحكان معًا كأى صديقين عزيزين، وبمجرد أن شاهد القاضى الرجل الفقير تغير وجهه، وارتسمت عليه أمارات الجدية، والوقار، وصرخ القاضى مخاطبًا الرجل الفقير:
- يجب أن تكون فى غاية الخجل من نفسك، أنت من ملأت أنفاسك برائحة الطعام الشهى من مطعم اللورد (إنبى)، ولم تدفع فلسًا واحداً نظير ذلك.. ادفع حالاً ما أنت مدين له به.. هل سمعتنى جيداً؟
عندئذ تقدم الحكيم، وخطى خطوات تجاه القاضى، ثم انحنى انحناءة عظيمة تنم عن أدب جم، تقديراً لهيئة المحكمة، وقال:
- هذا الشخص الفقير المعدم هو أخى الصغير، وهو لا يملك فلسًا واحداً.. لذلك أتيت معه لأسدد ما عليه من دين.
ثم أخذ الحكيم نصر الدين كيسًا منتفخًا، كان معلقًا فى حزامه، ورفعه بجوار أذن اللورد (إنبى)، وأخذ يهزه، فأحدثت العملات داخله أصواتا عالية من ارتطام بعضها ببعض، وعلق الحكيم مبتهجًا:
- هل تستطيع سيدى اللورد سماع صوت العملات تصلصل داخل الكيس؟
فأجاب اللورد (إنبى) مقاطعًا:
- هل تظننى أصم حتى لا أسمع؟! بالطبع أنا اسمعها.
فقال الحكيم:
- حسنًا.. فأنا سعيد للغاية أن الدين الآن قد تمت تسويته، فأخي اشتم رائحة طعامك المطهو داخل المطعم، وأنت الآن سمعت جلجلة أمواله، وذلك يضع الأمور فى نصابها بينكما.
تعجب اللورد، والقاضي، ولكنهما لم يستطيعا الكلام، وأخذا ينظران إلى بعضهما البعض علامة على فشل تدبيرهما.. عند هذا الحد استدار الحكيم الأفندى نصر الدين على أعقابه، وأسلم للرجل الفقير ذراعه، فتعلق الفقير فيها، ومشيا سويًا خارج المحكمة، ولم يستطع اللورد، ولا القاضى إيقافهما، أو التعليق بأى شئ على مافعله نصر الدين، لأن الحكيم هنا استطاع أن يتغلب على مكر اللورد (إنبى)، كما تغلب على دهاء القاضى بحكمته، وفطنته، وذكائه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق