إمبراطور
السماء
طلال
حسن
1
ـــــــــ
فتح الطائر " اورنيثوكايروس "
جناحيه الهائلين ، اللذين يبلغ طولهما " 12 " متراً ، وخفق بهما قليلاً
، ثم اعتلى الهواء ، متوغلاً في المحيط .
وفيما هو طائر فوق
المياه ، التقط بمنقاره الطويل ، وأسنانه الحادة ، عدة أسماك مختلفة ، وراح
يزدردها تباعاً حتى شبع .
وقبل أن يستدير ،
ليعود إلى عشه على الشاطىء ، لمح الوحش القاتل " داكوسوراس " ، وهو أشبه
ما يكون بالتمساح ، له ذيل سمكة ، ورأس
ديناصور ، يشق الماء بقوة ، ويلتقط أضخم الأسماك بسهولة كبيرة ، فهو يتمتع بشهية
مفتوحة دائماً .
ويبدو أن هذا الوحش
قد رآه ، فتوقف عن مطاردة الأسماك ، ورفع رأسه الضخم إليه ، وبدت أسنانه الكبيرة
المشرشرة ، فارتفع الطائر إلى أعلى ، وانطلق مبتعداً نحو الشاطىء ، فقد سمع مراراً
، أن هذا الوحش استطاع أن يوقع بأكثر من طائر من نوعه ، ويفتك به ، ويلتهمه في
الحال .
وعلى مقربة من
الشاطىء ، التقى بصديق من نوعه فقال له
ذلك الصديق : تعال معي نصطد .
فردّ قائلاً : اصطدتُ
حتى شبعت ، اذهب أنت واصطد ، السمك هنا كثير .
وقال الطائر
الصديق : يُقال أن سمك السلمون ، ظهر الآن
في مناطقنا .
فقال قبل أن يواصل
طريقه : نعم ، لكن كن حذراً ، ففي نفس المنطقة رأيت الوحش " داكوسوراس "
.
وقبل أن يبتعد ، سمع
صديقه يصيح : كنت عند " الأنثى اورنيثوكايروس ، صباح اليوم ، وقد سألت عنكَ .
2
ـــــــــ
قبيل المساء ، قصد الطائر عش الأنثى ، الذي
أقامته في أعلى شجرة ضخمة ، تطل على المحيط ، ورآها من بعيد تجلس وسط عشها ، إنها
حقاً إمبراطورة السماء ، بشكلها ، وعظمتها ، ونظرتها الجميلة الواثقة .
وحطّ إلى جانبها ،
وقال : طاب مساؤكِ .
فنظرت إليه مبتسمة ،
وقالت : أهلاً ومرحباً .
وقال الطائر : قيل لي
أنكِ تسألين عني .
وردت قائلة : نعم ،
فأنت لم تزرني منذ مدة .
وقال الطائر : إنني
مشغول بصيد السمك .
وصمت لحظة ، ثم قال :
هناك طائر عجوز ، لم يعد يقوى على الصيد ، أقدم له ما يحتاجه من طعام ، بين فترة
وأخرى .
وتغاضت الأنثى عما
قاله ، وقالت : يُقال إن سمك السلمون بدأ يظهر في محيط مناطق صيدنا .
فقال الطائر : نعم ،
فهذا أوان صعوده من المحيط إلى أعلى النهر ، حيث يضع بيضه .
ونظرت الأنثى بعيداً
، وقالت : أنا أيضاً قد أضع البيض في وقت قريب .
ثم التفتت إلى الطائر
، وقالت ، وهي تنظر إليه : من سيشاركني العش عليه أن يقدم لي السمك طوال فترة
احتضاني للبيض .
وقال الطائر : هذا
أمر سهل .
وقالت الأنثى : أريد
فقط سمك سلمون .
وصمت الطائر لحظة ،
ثم قال : هذا السمك يوجد الآن قريباً من منطقة الوحش داكوسوراس .
لاذت الأنثى بالصمت ،
فنهض الطائر ، وسرعان ما فتح جناحيه الهائلين ، ومضى نحو عشه ، والشمس المتعبة
تغوص في أعماق المحيط .
3
ـــــــــــــ
قبل منتصف النهار ، كان الطائر اورينثوكايروس
يحلق فوق الشاطىء ، وتوغل قليلاً في المحيط ، وإذا صديقه يناديه : تمهل ، يا صديقي
.
وتباطأ الطائر ، حتى
لحقه صديقه ، فقال له : تعال نذهب ، ونصطاد السمك
.
فقال صديقه : أنا
ذاهب لاصطياد سمك السلمون .
فالتفت الطائر إليه ،
دون أن يتفوه بكلمة ، فتابع الصديق قائلاً : هذا موسم مروره من هذه المنطقة .
فقال الطائر : أخشى
أن تكون قد رأيت الأنثى .
فقال الصديق : إنني
قادم من عشها الآن .
واقترب الطائر من
صديقه ، وقال : لابد أنها طلبت منك سمك السلمون .
فقال الصديق : أنا
عرفت بأنها تريد سمك السلمون ، فوعدتها بما تريد .
فقال الطائر : لكن
هذا جنون .
وخفق صديقه بأجنحته
الفتية ، ومضى مبتعداً ، متوغلاً في المحيط ، فهتف به الطائر : حذار يا صديقي ،
فالوحش داكوسوراس موجود في المنطقة ، وهو يحب سمك السلمون ، ولن يسمح لأحد أن
يقترب منه .
ولوح الصديق للطائر ،
وهو يحلق مسرعاً ، وصاح : إلى اللقاء ، سأحقق أمنيتي .
4
ــــــــ
حاول الطائر اورنيثو كايروس ، أن يتشاغل بصيد
السمك ، وعلى غير العادة ، أفلتت منه معظم الأسماك التي لاحقها ، فقد كان ذهنه
منشغلاً بصديقه ، الذي توغل في أعماق المحيط ، ليصطاد للأنثى سمكة من أسماك
السلمون .
وسرعان ما توقف عن
ملاحقة الأسماك ، واستدار نحو أعماق المحيط ، ومضى مسرعاً في الطريق الذي سلكه
صديقه قبل قليل ، هذا الأحمق ، إنه يرمي نفسه إلى التهلكة ، فالوحش القاتل يتجول
في محيط المكان ، والويل لمن يقترب من سمك السلمون .
ومن بعيد ، لمح صديقه
يحوم فوق سطح الماء ، لابد أنه يتربص بأسماك السلمون ، لعله يصطاد سمكة ، ويأخذها
إلى الأنثى ، تحقيقاً لأمله .
فخفق بأجنحته الهائلة
، مندفعاً بقوة نحوه ، وصاح به : أيها الصديق .
لكن الصديق لم يلتفت
إليه ، ربما لأن الريح كانت من الشدة بحيث بعثرت صوته ، الذي امتزج بصوت أمواج
البحر ، وربما سمعه صديقه ، لكن انهماكه في انجاز مهمته ، جعله لا يلتفت إليه .
وبصوت أعلى ، صاح به
ثانية : أيها الصديق .
وبدل أن يرد عليه هذه
المرة ، اندفع كالسهم نحو الماء ، وبمنقاره الطويل ، وأسنانه الحادة ، أمسك بسمكة
سلمون كبيرة ، وهمّ أن يحلق بها ، ويأخذها إلى الأنثى في عشها ، ويحقق ما تمناه .
في تلك اللحظة ، انشق
ماء المحيط المتموج عن الوحش داكوسوراس ، الذي فتح فمه على سعته ، وبدت أسنانه
الكبيرة المشرشرة ، وأطبق على الطائر ، وسمكة السلمون الكبيرة ، وغاص بهما إلى
الأعماق .
5
ـــــــــ
غاب القمر تلك الليلة ، وساد الظلام والصمت
أرجاء الغابة ، ربما حزناً على الطائر ، الذي قتله الوحش ، بين أمواج المحيط .
وحاول الطائر ، وهو
مضطجع في عشه ، فوق الشجرة الضخمة ، أن يغفو ولو قليلاً ، لكن ما رآه وسط أمواج
المحيط ، كان يحول بينه وبين النوم .
وكان كلما أغمض عينيه
، واقترب النعاس منهما ، يرى أمواج المحيط تنشق عن الوحش ، الذي يطبق على صديقه
الطائر ، والسمكة في منقاره ، فيغوص به والسمكة إلى أعماق المحيط .
وأطلت الشمس من وراء
الجبال البعيدة ، وتراءت له الأنثى في عشها ، آه
، الإمبراطورة ، ترى ما الذي تفعله الآن ؟
البارحة مساء ، حين
عاد من المحيط ، مثقل بذلك المنظر القاتل ، الذي أودى بصديقه ، لم يفكر أن يمر
عليها ، وكيف يمرّ ، وصديقه انتهى تلك النهاية البشعة ، وهو يحاول أن يرضيها ،
ويأتيها بسمكة سلمون ؟
من يدري ، ربما ما
كانت لتهتم بنهايته كثيراً ، وربما لن تشعر بأنها وراء تلك النهاية ، فهي لم تجبره
على الذهاب إلى المحيط ، لعلها قالت أمام
صديقه ما قالته أمامه ، فلماذا لم يذهب هو ، وذهب صديقه ؟
وارتفعت الشمس ، ودبت
الحياة في الغابة ، وتعالت أصوات الديناصورات ، والكائنات الضخمة الأخرى ، وهي
تسعى من أجل غذائها ، وتخوض المعارك القاتلة لسبب أو لآخر .
ونهض الطائر ، وفتح
جناحيه الهائلين ، ومضى نحو عش الأنثى ، كان العش فارغاً ، والتفت حوله لعله يراها
في مكان قريب ، وسمع أنثى من نوعه تخاطبه من أعلى شجرة قريبة : لقد غادرت عشها ،
مساء البارحة ، بعد أن عرفت بما جرى للطائر في المحيط .
وقفل الطائر اورنيثو
كايروس عائداً إلى عشه ، وفكر أنها قد تعود اليوم أو غداً ، أو بعد مدة ، لكن مرت
الأيام ، يوماً بعد يوم ، ولم تعد الأنثى ، بل لم يقع له أحد على أثر ، حتى ذلك
اليوم .
× ـ داكوسوراس : وحش بحري ضخم ، ذو أسنان
مشرشرة ، عاش منذ حوالي " 135 " مليون
سنة .
مشرشرة ، عاش منذ حوالي " 135 " مليون
سنة .
× ـ اورنيثو كايروس : ديناصور طائر ، طول جناحيه
" 12 " متراً ، منقاره طويل ، وأسنانه حادة ،
يمسك بها الأسماك بسهولة من المحيط .
" 12 " متراً ، منقاره طويل ، وأسنانه حادة ،
يمسك بها الأسماك بسهولة من المحيط .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق