البيضة الأولى
طلال حسن
1
ــــــــــــــ
انتظرت الديناصورة القزمة طويلاً ، أن تضع
بيضتها الأولى ، وحين وضعتها في العش داخل الوكر ، عكفت على مراقبتها ، وحمايتها ،
حتى كانت قلما تخرج إلى المرج ، لتتناول الطعام .
وفي الليالي الطويلة
، كانت ترقد على مقربة من البيضة ، تدفئها ، وتحميها من أخطار تتوهمها ، وكانت إذا
غفت ، تفز أحيانا إذ ترى طائراً يخرّ من
السماء ، ويخطف البيضة .
وذات صباح ، جاءتها
جارتها ، وقالت لها : كوني حذرة ، هناك كلاب في الجوار .
وتملكها الخوف ، ﻻ على نفسها ، بل على البيضة ، إنها تخاف الكلاب الوحشية كثيرا ، ويكاد يغمى
عليها ، حين تسمع نباحها من بعيد ، لكن أن تتلف بيضتها ، فهذا ما ﻻ تستطيع أن تتصوره .
وعند فجر أحد الأيام
، ارتفع نباح الكلاب الوحشية ، من مكان قريب ، فنهضت مجنونة لا تعرف ماذا تفعل ، وأطلت عليها جارتها من
المدخل ، وقالت قبل أن تلوذ بالفرار : اهربي ، الكلاب تمزق كل من يقع بين أنيبها
ومخالبها ، وتفترسه .
وأسرعت الديناصورة إلى
الباب ، تريد الهرب والخلاص بجلدها ، لكنها سرعان ما عادت إلى البيضة ، وهنا ارتفعت
أصوات الكلاب الوحشية ، ونباحها المسعور ، وهي تقترب ، فلم تجد بدا من أن تخرج
بسرعة ، وأن تلوذ بالفرار .
2
ــــــــــ
ظلت الديناصورة مع عدد
من الديناصورات التي نجت من هجمة الكلاب الوحشية ، في مكان آمن بعيدا عن المكان ،
الذي تقع فيه أوكارها ، كما
كانت ، هي وغيرها من الديناصورات ، يتشممون أخبارا عن الأوكار ، من الديناصورات
التي لم تصلها الكلاب الوحشية ، لسبب أو لآخر .
وبعد أشهر عديدة ، تشجعت
بعض الديناصورات في العودة إلى أوكارها ، وذهب بعضها ولم يعد ، وفكرت
الديناصورة الأم ، لابدّ أن الأوضاع صارت هادئة
، أم أن الكلاب الوحشية فتكت بها ، وافترستها ؟
ومهما كان الأمر ، لم
تعد الديناصورة الأم تتحمل أكثر ، فحزمت أمرها ، ومضت على حذر وقلق عائدة إلى الوكر
، لتعرف مصير بيضتها .
وتوقفت على مسافة
بعيدة عن وكرها ، خائفة ، مترددة ، متشوقة ، ثم سارت ببطء نحو الوكر ، آملة أن ترى
بيضتها قد سلمت من هذه الكارثة .
وتلفتت حولها ،
المكان هادىء ، لا أثر فيه للكلاب
الوحشية ، فتقدمت من الوكر ، وتوقفت قليلا
عند المدخل ، ثم اندفعت إلى الداخل .
وﻻحضت على الفور ، أن العش مخرب ، لا أثر فيه للبيضة
، التي تركتها في العش ، عندما هجمت الكلاب الوحشية ، ولاذت هي بالفرار .
3
ـــــــــــ
خلال
الأيام التالية ، راحت الديناصورة تدور في اﻻوكار
القريبة ، ثم في اﻻوكار اﻻبعد
، تسأل عما إذا كان أحد يعرف ما جرى لبيضتها .
وعلمت من الديناصورات
اللواتي بقين في أوكارهن ، إن معظم بيضات الديناصورات اللواتي هربن ، قد حُطمت ، أو
تلفت من الإهمال .
وحدث ذات يوم أن
التقت بديناصورة عجوز تسكن وكرا بعيدا عن وكرها ، وعندما حدثتها عما حدث لها ،
قالت : أظن إنني أعرف مصير بيضتك .
وخفق قلب الديناصورة
بشدة ، وقالت : اخبريني الحقيقة ، مهما كان مصيرها .
فقالت الديناصورة العجوز
: لدي جارة طيبة كان لها بيضة ، وبعد الهجمة دارت على بعض اﻻوكار
، وجاءت ببيضة أظنها من وكرك .
وشهقت الديناصورة الأم
، دون أن تستطيع أن تتفوه بكلمة واحدة ، فقالت لها الديناصورة العجوز : لديها الآن صغيران ، ﻻبد أن
احدهما هو صغيرك ، ومهما يكن فهي تحبهما ، وتعتني بهما عناية فائقة .
وقالت الديناصورة ، وقد
غرقت عيناها بالدموع : أشكرك ، لقد أحييتني .
ومدت الديناصورة العجوز
يدها وشدت على يد الديناصورة ، وقالت : أتمنى أن يكون احد الصغيرين هو صغيرك ،
اذهبي ، أرجو لك التوفيق .
4
ــــــــــ
وصلت الديناصورة الوكر
الذي دلتها عليه الديناصورة العجوز ، ورأت ديناصورة في عمرها ، تجلس بالباب ، تراقب
فرحة ديناصورين صغيرين يلهوان معا على مقربة منها .
واقتربت منها ، وهي
تنظر إلى الديناصورين اﻻصغيرين وقالت : طاب يومك .
فنظرت الديناصورة إليها
وقالت : آهلاً ومرحبا بك .
وصمتت لحظة ، ثم قالت
: تبدين متعبة ، تفضلي ، اجلسي إلى جواري .
وتنحت قليلاً ، فجلست
إلى جوارها ، وقالت : صغيراك جميلان .
وضحكت الديناصورة
فرحة وقالت : أشكرك .
فتساءلت : أهما
صغيراك ؟
فهزت الديناصورة
رأسها ، وقالت : نعم ، إنهما صغيراي .
وسكتت لحظة ، ثم قالت
: الحقيقة إن احدهما من بيضة وضعتها بنفسي ، أما الآخر فمن بيضة أنقذتها من احد اﻻوكار
، التي هاجمتها الكلاب الوحشية ، قبل أشهر عديدة ، وتركتها الأمهات مضطرة .
وحدقتْ في الصغيرين ،
وقالت : إنهما متشابهان ، ﻻ ادري كيف تميزين بينهما ، فتعرفين أيهما من
بيضتك ، وأيهما من البيضة التي أنقذتها .
وضحكت الديناصورة
ثانية ، وقالت فرحة : ربما ﻻني أحبهما بنفس القدر ، لم استطع أن أميز
بينهما ، ثم إن كلاهما صغيري .
والتفتت إليها ، وقالت
: إنهما صغيران اﻻن ، وحين يكبران سيبتعدان عني ، ويشقان طريقهما في الحياة ، وسأكون سعيدة
لسعادتهما .
وﻻذت الديناصورة بالصمت لحظة ، ثم نهضت وقالت : أنت محقة ، أتمنى لك التوفيق
، أشكرك ، لقد أرحتني الآن .
وتطلعت الديناصورة إليها
مندهشة ، ثم قالت : أهلاً ومرحبا بك ، أنا أيضا أتمنى لك التوفيق ، تبدين ديناصورة
طيبة للغاية ، آمل أن نتواصل .
وقبل أن
تستدير ، وتمضي مبتعدة ، قالت : سأكون سعيدة بزيارتي لك وللصغيرين العزيزين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق