الديناصور ترودون
طلال حسن
1
ــــــــــــــ
كبر الديناصور " ترودون " ، وصار
مؤهلا لعالم الغابة ، هذا ما يراه ، وحين أرادت أمه الخروج من الوكر اليوم ، صاح
تودور : ماما .
ونظرت اﻷم إليه
مبتسمة ، إنها تعرف ما يريده ، فدار أمامها بخفة ، وقال : ما رأيك ؟
فردت اﻷم : صرت
فتيا .
وتوقف أمامها ، ودار حول نفسه ، ثم قال
: سأخرج إلى الغابة وحدي اليوم إذن .
فقالت اﻷم : هذا من
حقك .
وقال : وسأختار لي رفيقا .
وقالت أمه تجاريه : أو رفيقة .
ولاذ بالصمت لحظة ، ثم قال : أو رفيقة
.
فقالت أمه ، وهي تخرج من الوكر : مهما
يكن ، فكن حذرا فعالم الغابة عالم خطر .
وقبل أن تبتعد ، سمعته يهتف فرحا :
اطمئني يا ماما ، لم أعد صغيراً ، صرت فتيا .
وسرعان ما خرج هو اﻵخر من الوكر ، وانطلق وحيدا في عالم الغابة .
2
ــــــــــــ
انطلق الديناصور الفتيّ ترودون ، يتجول بين
أشجار الغابة ، وراح يراقب ما حوله من كائنات حية ، حيوانات ونباتات مختلفة ،
وأشجار يرتفع بعضها كثيراً ، في أعالي السماء .
رأى طيورا مختلفة ، تطير بين اﻷشجار ، أو تجلس في أعشاشها ، ورأى أن بعضها ، تخاف من طيور
تبدو جارحة مفترسة ، وتلوذ منها بالفرار .
ورأى أيضا غزلانا جميلة ، تتراكض مرحة
في الفسحة المعشبة بين اﻷشجار ، كما رأى أرانب صغيرة وجميلة ،
وتبدو لذيذة ، لكنها جبانة ، ما إن تراه ، حتى تطلق سيقانها للريح ، وتهرب .
وحوالي منتصف النهار ، رأى ديناصورا ،
بدا له ضخما ، وإن كان رأسه صغيرا ، لا يناسب جسمه الضخم ، وفكر إن هذا الديناصور
الغريب الشكل ، يمكن أن يكون له صديقاً
مناسباً .
فاقترب منه وهتف بشيء من المرح : طاب
يومك أيها الديناصور .
ورفع الديناصور رأسه الصغير ، وحدق
فيه ملياً ، ثم تساءل : من أنت ؟
فرد الديناصور الفتي : ديناصور مثلك .
وعاد الديناصور ، ذو الرأس الصغير ، إلى قضم اﻷعشاب ، وهو
يقول : لست ديناصورا ، اذهب من هنا ، أنت كذاب .
ولاذ الديناصور ترودون بالصمت ، ثم
مضى مبتعدا ، فمثل هذا الديناصور برأسه الصغير ، والأشواك التي على ذيله ، لا
يريده صديقاً له .
3
ــــــــــ
في أجمة منعزلة ، كثيفة اﻷشجار ، رأى الديناصور الفتي ، ديناصورا ضخماً ، ضخماً جداً ،
له عنق طويل ، بحيث كان يأكل اﻷوراق من أعلى اﻷشجار .
واقترب منه مذهولا ، وصاح : طاب يومك
أيها الديناصور .
ومن علٍ ، أمال الديناصور رأسه ،
باحثا عن مصدر الصوت ، وابتسم حين وقعت عيناه على الديناصور الفتي ، الذي رآه قزما
جدا أمام جسد العملاق ، ورد قائلا : أهلا بك ، أيها الديناصور الصغير .
وحاول الديناصور الفتي أن يتطاول ،
وقال : لست صغيرا ، إنني .. إنني فتي .
وضحك الديناصور العملاق ، وقال : مهما
يكن ، فالمهم عندي أنك ديناصور ، وكذلك ما تأكله في غذائك .
وأدرك الديناصور الفتي بذكائه ما
يقصده الديناصور العملاق ، فتابع الديناصور العملاق قائلا : طبعا أنت تأكل اﻷعشاب .
فنظر الديناصور الفتي إليه صامتاً ،
فقال الديناصور العملاق : نحن الديناصورات الذين نأكل العشب ، مهما كان حجمنا ،
طيبون ومسالمون .
وصمت لحظة ، ثم قال : صارحني أيها الديناصور
الصغير ، ماذا تأكل ؟
فرد الديناصور الفتي قائلا : صحيح
أنني آكل العشب مثلك ..
وصمت محرجا ، فقال الديناصور العملاق
: فقط ؟
فهز رأسه ، وقال : نعم ، أنا آكل
العشب ، لكني آكل أيضا .. اللحم .
وعاد الديناصور إلى تناول أوراق اﻷشجار ، من الأغصان العالية ، دون أن يتفوه بكلمة ، فاستدار
الديناصور الفتي ، ومضى مبتعدا .
4
ــــــــــ
لم يبتعد الديناصور الفتي كثيرا ، حين التقى
، في فسحة مكشوفة بين اﻷشجار ، بديناصور ضخم آخر أقل ضخامة من
الديناصور ، الذي التقى به مؤخرا ، لكنه يتميز بفم واسع ، مليء بأسنان قاتلة
كالخناجر .
وﻷنه شعر
ببعض الخوف منه ، توقف على مسافة آمنة منه ، وهتف بأعلى صوته : طاب يومك .
والتفت الديناصور إليه ، وعيناه تشعان
قسوة وغضبا ، ونظر إليه بازدراء ، وقال : من أنت ؟ تكلم ، لكن لا تقل لي أنك ديناصور
.
فقال الديناصور الفتي : لكن ، يا سيدي
، أنا ديناصور.
وحرك الديناصور رأسه الضخم بغضب ،
وقال : في هذه الغابة ، هناك الكثيرون يدعون بأنهم ديناصورات ، وهم لاشيء ، وخاصة
الذين يأكلون اﻷعشاب .
ولاذ الديناصور الفتي بالصمت ، فقال
الديناصور الضخم : أنا تي ـ ركس ، و لا آكل غير اللحوم ، وأنت أيها القزم ، ماذا
تأكل ؟
فرد الديناصور الفتي مترددا : أنا
أحيانا يا سيدي ، آكل اللحوم .
وحدق الديناصور فيه غاضبا ، وقال :
أحيانا ، ولعلك تأكل أحيانا أخرى العشب ؟
وهزّ الديناصور الفتيّ رأسه ، وقال والشرر ينبعث من
عينيه الرهيبتين : لو كنت تستحق اﻷكل ﻷكلتك لمجرد
أنك تدعي بأنك ديناصور .
ثم صرخ فيه : اذهب قبل أن أغير رأيي ،
وأفترسك .
وعلى الفور ، انتفض الديناصور الفتي
مرعوبا ، وأطلق سيقانه للريح ، ولاذ بالفرار .
5
ـــــــــــ
عند حوالي العصر ، توقف الديناصور الفتي منكسرا
، هذا يومه اﻷول في الغابة ، ولم يجد فيها ما يسره ، وخاصة من الديناصورات ،
كان يأمل أن يجد رفيقا ، أو حتى رفيقة ، دون جدوى .
واستدار محبطا ، ومضى بخطوات بطيئة ،
حزينة إلى الوكر ، لا بد أن أمه قد عادت اﻵن ، وهي تنتظره لتعرف يومه اﻷول في الغابة ، ربما ستحزن لحزنه ، أو تقول له مشجعة على
طريقتها ، هذا يومك اﻷول ، وأمامك أياما طويلة أخرى ، تحقق
فيها ما تريده .
ومرق من بين اﻷشجار ، على
مسافة غير بعيدة عنه ، جسم رشيق ، ضعيف ، صغير ، كجسمه ، وسرعان ما توقف هذا الجسم ، وعاد أدراجه وتوقف قبالته ،
وفتح عينيه على سعتها ، إنها ديناصورة من نوعه ، وفي عمره تقريبا فابتسمت له ،
وقالت : طاب يومك .
فرد قائلا : أهلا ومرحبا .
واقتربت منه أكثر ، وقالت هذه أول مرة
أخرج منها من الوكر وحدي .
فقال الديناصور الفتيّ : وكذلك أنا ،
وكان أملي أن أرى من أرافقه .
فقالت الديناصورة الفتية ضاحكة : وها
قد لقيتني وأنا سعيدة بلقائك .
فقال الديناصور الفتي : سأعود اﻵن إلى الوكر ، إذا أحببت سنلتقي غدا .
فقالت وهي تتنطط فرحا : غدا وفي كل
يوم .
وسكتت لحظة ، ثم قالت : الوقت ما زال
مبكرا ، لنتجول معا ، حتى غروب الشمس .
ومعاً ، فرحين ، انطلقا يتراكضان بين
أشجار الغابة ، يلاحقان الأرانب والفراشات والغزلان ، ومن أعالي اﻷشجار ، كانت الطيور تراقبهما مطمئنة فرحة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق