بقلم : سهيل إبراهيم
عيساوي
هنالك العديد
من العوامل المتشابكة التي تقف عائقا امام نجاح وازدهار أدب
الطفل في عالمنا العربي ، والأدب
العربي بشكل عام وهي :
- نقطة
الانطلاق جاءت متأخرة : أدب الطفل دخل الى عالمنا العربي ، بعد
قرون من انتشاره في الغرب ، وتلكأت الحكومات ، ودور النشر، ومدارس
الفكرية عن دعم
هذا التوجه ، وتقاعس الأدباء العرب
عن طرق هذا الباب ،ربما ظن البعض ان
الكتابة للأطفال شارة ضعف ،ربما
نظرة استعلاء ، وعدم اعتراف
بمكانتهم في المجتمع ، يمكن القول
أيضا نتيجة سوء تقدير بأهمية هذا الصنف من
الأدب ، فقد حرم أطفال العرب طويلا من هذه النعمة التي كان يتمتع بها
أترابهم في أوروبا ، الفضل يعود في نقل وترجمة وكتابة مئات القصص للأديب
المصري كامل الكيلاني الذي زار أوروبا في بعثة دراسة وعاد الينا بحزمة من الأفكار
والقصص ، وقدم خدمة جليلة لأطفال العرب وللكتاب وللمجتمع.
- انعدام الدعم الحكومي
لقصص الطفل : معظم الدول العربية
لا تقوم بدعم قصص الطفل ، مما يجعلها تقتصر على فئة الميسورين وينحصر انتشارها ،
لان دور النشر ليس بمقدورها مجابهة كل
الصعوبات وحدها .
- التكلفة الباهضة
للطباعة : ثمن طباعة الكتاب وتوزيعه يعيق عملية انتشاره بشكل
شعبي.
- فشل في التوزيع :من عوامل نجاح الكتاب، خطة مدروسة للتوزيع ، حسب مناطق ودول ،
وفئات عمرية ، من خلال مكتبات ، ومعارض
كتاب ، وتسويق الكتروني ، ان عائدات
بيع الكتب في العالم
العربي هزيلة ، لا تقارن بعائدات متجر كبير الكتروني غربي، او بعائدات بيع الكتب في دولة أوروبية واحدة .
- التربية
على القراءة أزمة عربية خانقة : الكبار لا يقبلون
على الكتاب فكيف يبثون حب الكتاب الى صغارهم " فاقد الشيء لا يعطيه " انظر
كم كتابا يقرأ كل انسان في اوروبا ، انظر الملايين من القراء التي اشترت سلسلة هاري
بوتر ، هل لو كتب الكتاب أديب عربي ، هل كان
سوف يهتم به القارئ العربي نفسه ؟، في
الغرب يصل عدد النسخ لقصص الاطفال 40000 نسخة طبعة اولى ،اما في العالم العربي
عادة تطبع القصة ب 1000 نسخة ، وفي لبنان 3000 نسخة يباع منها خلال 8 سنوات 2000 فقط
!!.
- الأمية في العالم العربي : ما زالت
الأمية معضلة ومشكلة كبير تواجه
الشعوب والحكومات ، تعيق التنمية والاقتصاد ، وتؤثر على التعامل مع الكتاب .
- جودة الكتب ومضامينها : لا شك ان
جودة الكتاب ومضمونه ، اثر كبير
على اقبال الأطفال على المطالعة ،
علينا ان
نعترف ان هنالك العديد
من القص في السوق وبين
نتناول ايد\ي الأطفال اقل
ما يقال عنها انها
رديئة المضمون والإخراج ، وتنفر الطفل
القارئ ، تخسره كقارئ شفوف بالكتب .
- الاخراج الفني للقصص: له اثره ، معظم القصص تصدر بحلة رديئة ، وورق رخيص واخراج
بائس ، ورسومات غير جذابة مما ينفر القارئ .
- تحفيز الكتاب : دور النشر العربية لا تشجع الابداع
والتميز ، عادة يتكفل الكاتب بالنشر والتوزيع ، معظم دور النشر العربية هي دور طباعة وليست نشر وتوزيع ، ..بينما في الغرب يحصل الكاتب على نسبة معقولة من الأرباح ، تشجعه على التفرغ والتميز والابداع
- قلة الدراسات حول أدب الطفل : الدراسات
في عالم الطفل شحيحة ، معظم الأعمال
لا يشار اليها ، كأنها
خارج مرمى النقد ،فان
النقد الصحيح ، رافد هام وحيوي للأدب ، يعالج النص بموضوعية ومهنية ،
يبث الحياة المتجددة بالنص كلما نظر اليه
القارئ والباحث ، كما انه يقوم الكتابة ويوجه الكتاب ، يظهر مواطن القوة والضعف في الأسلوب والمضمون ، ويعرف
القراء بالكتاب ، ويغربل الأدب عن " غير الأدب "، يخلد الأدب الجيد بين
حضن المادة ، ويطور أسلوب الكاتب والناقد على حد سواء .
- الكتب المترجمة الى العربية :
ظاهرة جيدة ، لكن هنالك العديد من القصص المترجمة العربية لا تتناسب مع
ثقافتنا ومجتمعنا وبعضها يبث ثقافة
استعمارية هدامة ، او تنزع القيم ، او تخيف الطفل، أيضا قد تكون ارخص تنافس الأدب المحلي
، فتبقيه على الرفوف يبكي حظه.
- قلة الترجمة من العربية الى اللغات الاخرى :بهدف تعريف العالم
بإبداعاتنا ، ما ترجمه العرب ضئيل منذ العصور الوسطى حتى اليوم ، من المفروض ان تترجم الأعمال الإبداعية في مجال ادب الطفل الى
شتى لغات العالم ، ليصل صوتنا الى بعيد ، الى الصين وأوروبا وافريقيا واستراليا، الترجمة جسر محبة والفة بين الشعوب ، تقبل للآخر ، ولفهم ونشر حضارتنا
وثقافتنا ومخزوننا الحضاري ، وعلى عاتق دور النشر والحكومات ومراكز البحث تقع
هذه المهمة الشاقة والشيقة ، الغربيب أن العرب كانوا رواد الترجمة في العصور
الوسطى ، ولهم فضل كبير على الغرب في هذا المضمار ، لانهم حفظوا الفلسفة اليونانية واسس الفكر القديم من طب
وجبر ورياضيات ، من الضياع والتزييف والتحريف ، لكن اليوم
اضعنا البوصلة ، كما ان عملية الترجمة تساهم في حفظ مكانة اللغة العربية كلغة عالمية ، لغة الادب والشعر
والابداع والخيال ولغة القران الكريم ، هذه الخطوة تساهم في تعزيز
مكانة الأديب العربي ، تسوق فكره
وابداعه .
- الفقر
عدونا الأول : الفقر مدقع في العالم العربي ينتشر في معظم الدول العربية ، يحاصر فئات كبيرة ، ويفرض عليها حياة شاقة
مغموسة بالعوز والهم والدمع والحرمان، الأسر الفقيرة تفكر أولا في
لقمة الخبز والمسكن والملبس ، تنظر الى كتب
الأطفال على انها من الكماليات ، بينما هي في الواقع غذاء الروح وبوصلة للعقل ، وعامل مهم لنمو
ذكاء الطفل ولتطوير مهاراته اللغوية وتعزيز
شخصيته وتوسع ثقافته وإبراز هويته الثقافية والدينية والقومية.
- حالة الاقتتال والحروب الأهلية
في العالم العربي : كان يرجى من الثورات
العربية والربيع العربي ، أن تصب في
صالح الثقافة والابداع ، وأن تنشط دور النشر،
ومراكز الدراسات وتزدهر طباعة الكتب، وتركز جهود الحكومات
والأنظمة على دعم جهاز التربية والتعليم
والمعاهد العليا ، والاهتمام بالطفل وأدبه وتعزيز
مكانة الكاتب المبدع ، لكن
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، الأوضاع
الأمنية والحروب التي تعصف وتمزق
العالم العربي ، التصفيات السياسية ،
والصراع المذهبي ، اعمال السلب والنهب ،
واغتيال الحضارة وسرقة المتاحف ، وأعمال
القتل والتشريد والتهجير والتصفية العرقية ، واضطهاد الأقليات ، الصراعات
الإقليمية ، كلها عوامل تستنزف مقدرات
الوطن العربي ، وتصرف الأنظار عن الابداع
، تخرس الأقلام وتغتال روح الابداع وتقزم
المبدع الذي يقف عاجزا أمام جلل المصاب وعمق
الجرح النازف، وتنطق أمامه المدافع والطائرات الحربية ، يسمع أزيز الرصاص وصوت الانفجارات ، تهاجر الطيور والعقول الى
جهات أخرى في هذا الكون
الفسيح، فبدل تكريم الطفل ،نشاهد موته جوعا وقصفه وتشريده وذبحه ، ومصادرة طفولته وهدم
مستقبله ، وقتل ذويه ، وحرمانه من التعليم ومن ابسط حقوقه
الطبيعية والشرعية .
- الرقابة الذاتية ورقابة
المجتمع : هنالك من يشير الى
الرقابة الكبيرة التي يفرضها
الكاتب على نفسه ،بهدف قبول عمله
من قبل الأهل ودور النشر ، والمدارس ، والنقاد ، فيشعر انه يكتب لكل
هؤلاء باستثناء الطفل وهو "الهدف
"، زد على ذلك أن
دور النشر تبحث عن القصص ذات توجه تربوي تعليمي ، لنشرها، ولا
تبحث عن
القصص التي تكتب لمتعة وسعادة الطفل ، كان القصص هي وسيلة التربية الوحيدة في المجتمع !!
-
انتقائية
دور النشر : العديد
من دور النشر تبحث
عن أسماء لامعة في عالم الطفل ، التي
حققت النجاح في بعض القصص ، وتقبل عليها ،
وتهمل الأسماء الأخرى والقصص الأخرى ، مما
يحدث نوع من التكرار والاجترار للمواضيع
والأساليب والأفكار. وبث روح الإحباط
لدى العديد من المبدعين الذين اخفقوا في التوصل الى صيغة مع
دور النشر القائمة ، مما يدفعهم
الى العزوف عن الكتابة والابداع ، او الإصدار بشكل شخصي متحدين كل الظروف
والية التوزيع ، لكنها خطوة مزروعة بالمخاطر المادية .
-
النقص
الشديد في أدب الفتينان والناشئة : هنالك
العديد من القصص التي
تلائم جيل الطفولة المبكرة ، وهنالك الروايات والقصص التي تلائم الكبار وطلاب
المرحلة الثانوية ، هنالك اهمال كبير من
قبل الكتاب بجيل الفتيان ،يجب
ان تكون الكتابة في
العالم العربي لجميع الأجيال وبنفس
الاهتمام والجودة ، لان كل فئة عمرية في غاية الأهمية ، وجيل المراهقة
في أمس الحاجة لصرف اهتمامه وانظاره عن ملهيات الحياة المظللة ، بمطالعة كتاب نافع يوقد فكره ويوسع معلوماته ، ويصقل شخصيته .
-
وعي أهمية أدب الطفل : عامل
الوعي كمجتمع وحكومات لأهمية ادب الطفل هام ، كلما زاد الوعي ، تزداد
الطاقات والموارد التي تصرف على
نشر هذا الادب وتكريس نجاحه ، صحيح
انه طرأ اهتمام في بعض الدول بأدب
الطفل مثل : الكويت والامارات وعمان ،
والأردن ، حيث تتبنى الدول مسابقات على
مستوى العالم العربي ، تشجع هذا اللون الأدبي وتكرم الأدباء
، لكن هنالك حاجة ليكون هذا الاهتمام أوسع وأعمق وأشمل ، وأيضا ليكون في سائر الدول
العربية من خلال بناء رؤية شاملة لتجذير نشر ودعم أدب الطفل .
-
تسيس الاعلام : بسبب
الحالة العربية ، وانتشار الفوضى
السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والفكرية ، وحاجة جميع الأطراف المتنازعة الى الة الاعلام ، لنشر أفكارها ، ونقل الحقيقة
كما تراها هي ، تهتم كل الأطراف
السياسية والعسكرية في العالم العربي بالإعلام
بكل أشكاله المرئي والمسموع والمقروء ،
لبسط نفوذها عليه، فبات الاعلام
موجه سياسيا ، فانحصر دوره على التغطية
السياسية ورصد التطورات العسكرية
على أرض المعارك المنتشر في العديد من
الدول العربية ، والترويج لأفكار
تيارات معينة ، وحتى ان بعض الميلشيات العسكرية والحكومات استولت على مقدرات ومقرات الصحف والمواقع الإلكترونية ، وحجبت العديد، مما افقدها
مصداقيتها أمام الجمهور ، إضافة لتغيير في
النهج ، هذا الأمر انعكس على تغطية
النشاط الأدبي ورصد حركة الابداع بشكل عام .
-
ضعف لغة العربية في الشبكة العنكبوتية : لا
أحد ينكر أهمية المواقع
الالكترونية في نشر المعرفة وتسخير العلم
، ونشر الادب ، الانترنت منافس قوي للكتاب الورقي ، لكن الفطن من يستغل هذا العملاق الذي يفرض نفسه يوما بعد يوم على
العالم بلا منازع ، هنالك فشل في تسويق
ادب الطفل عبر الانترنت ، شبكات التواصل
الاجتماعية ، لعدة أسباب ، منها التخلف التكنولوجي في معظم البلدان العربية ، وضعف الموارد
المخصصة لهذا الغرض ، لاحظ الخبراء قلة
المواقع العربية المختصة ، وقلتها
بشكل عام مقارنة بعدد الناطقين بالعربية ، كلغة هامة للحضارة والإنسانية ،
لكنها ليست لغة الأبحاث ، يقول رائد أدب الطفل يعقوب شاروني
" والتنبؤ بمصير
العربية فى هذا المعترك عسير ، من حيث هو مرتبط بمكانة العرب من العالم ... بالنظر
إلى إخفاقاتهم فى التقدم خطوة نحو ما يحمى اللغة حقًّا من غائلة اللغات الأخرى ، التى
تستفحل مع الوسائط الاتصالية القائمة على تلك اللغات " .
-
ويضيف : " والعلاقات بين اللغات كالعلاقات
بين الدول ، منها علاقات مشروعة وضرورية ونافعة ، ومنها ما هو نوع من التدخل فى الشئون
الداخلية وانتهاك للسيادة ، وهذا هو ما يترصد العرب كما يترصد لغتهم " ، فان
اللغة العربية تواجه تحديات شديدة من
قبل اللغة المهيمنة " اللغة الإنجليزية " لغة الشعوب القوية ، كذلك في ظل مكان الدول
العربية والعرب عامة دوليا . لذا من
المهم استغلال الشبكة العنكبوتية
بصورة إيجابية لنشر المعرفة وتعزيز مكانة اللغة
العربية ونشر الادب وادب الطفل واستغلال كل التقنيات
الحديثة ، وهنالك حاجة لتحسين أداء
المواقع العربية وتحديثها ونشر
الأبحاث الهامة في كافة المجالات باللغة
العربية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق